انتصار السعودية وحلفائها في اليمن سيفضي إلى عودة السياسيين هناك إلى طاولة الحوار، بما في ذلك الحوثيين – إن رغبوا – لبناء يمن تشاركي لا يحكمه ديكتاتور أو فصيل سياسي واحد أو طائفي، بينما سيفضي انتصار روسي إيراني في سورية إلى إعادة حكم قمعي طائفي مجرب ثلاثين عاماً، وكان سبباً في الثورة الحاصلة، ما يعني تكريس حال التمرد والانقسام والمواجهة بين أطراف خارجية عدة، إما مباشرة وإما في شكل غير مباشر، ما سيهدد بالتأكيد الأمن العالمي، ذلك أن النزاع خرج من دائرته الإقليمية بالتدخل الروسي.
انتصار السعودية وحلفائها في اليمن سيفضي إلى عودة السياسيين هناك إلى طاولة الحوار، بما في ذلك الحوثيين – إن رغبوا – لبناء يمن تشاركي لا يحكمه ديكتاتور أو فصيل سياسي واحد أو طائفي، بينما سيفضي انتصار روسي إيراني في سورية إلى إعادة حكم قمعي طائفي مجرب ثلاثين عاماً، وكان سبباً في الثورة الحاصلة، ما يعني تكريس حال التمرد والانقسام والمواجهة بين أطراف خارجية عدة، إما مباشرة وإما في شكل غير مباشر، ما سيهدد بالتأكيد الأمن العالمي، ذلك أن النزاع خرج من دائرته الإقليمية بالتدخل الروسي.
إنها حال لا تقل عن أزمة الصواريخ الكوبية، أو الشرق الأوسط 1958، تهدد بإشعال المنطقة عقداً آخر أو أكثر، وهي المنطقة التي يفترض أنها مهمة لاقتصاد العالم حتى ولو كان هناك فائض نفطي، وكذلك لموقعها الاستراتيجي، فلماذا لا ترى الإدارة الأميركية أن إفشال مفاوضات جنيف من الروس واستمرار حربهم الشرسة في سورية مهدد للسلم العالمي؟
لا يعقل أن السيد جون كيري ساذج لكي يعتقد أنه قادر على إقناع المعارضة السورية بالقبول بشراكة مع نظام بشار الأسد كي يستطيعا معاً محاربة الإرهاب! ولكنه تقريباً قال شيئاً كهذا لرئيس الهيئة العليا السيد رياض حجاب، عندما التقاه قبل أسبوع!
ما الذي أصاب الأميركيين؟ لماذا لا يستمعون إلى وزير الخارجية السعودي السيد عادل الجبير عندما يقول «سندعم المعارضة عسكرياً في حال فشل المفاوضات»، وفي الوقت نفسه يصر الروس والإيرانيون على فرض أمرهم الواقع بالقوة على كل الجبهات مع المعارضة – باستثناء «داعش» – ثم يصل رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو إلى الرياض ويدلي بتصريحات مماثلة عن دعمهم للمعارضة السورية، وقد اصطحب معه في سابقة للحكومة التركية رئيس أركان الجيش خلوصي أوكار، ما أثار تساؤلات في الإعلام التركي، وفيما إذا كان ذلك بداية لشراكة أنقرة في التحالف الإسلامي الذي أعلنته الرياض الشهر الماضي! يجري كل هذا والجميع يعلم أن البلدين يرفضان انتصاراً روسياً إيرانياً في سورية، وأنهما سيقتربان أكثر في «تحالف سني» تفرضه عليهما الحال الطائفية التي خلقتها إيران، ما سيوسع دائرة الصراع إلى أبعد من سورية. حان الوقت لأن يقتنع الأميركيون بأن السعوديين والأتراك جادون وأنهم Not Bluffing واضطررت إلى كتابتها بالإنكليزية إذ لم أجد مرادفاً للجملة التي يكثر الأميركيون من استخدامها مع خصومهم لشرح جديتهم.
تدخل تركي في شمال سورية، أو إرسال الرياض صواريخ أرض جو للثوار سيراه الأميركيون تهديداً للسلم العالمي، ولكن كان عليهم أن يروا التدخل الروسي ومن قبله الإيراني في سورية كذلك، والأفضل ألاّ نصل إليها جميعاً، ولكن هذا يتطلب موقفاً أميركياً حازماً وسريعاً يوقف العبث الروسي في جنيف، وكذلك في ريف اللاذقية وحلب ودرعا، وحيث ما حملت طائراتهم ورجالهم من خراب ودمار.
ما الذي عليهم أن يفعلوه لوقف «تنمّر» الرئيس الروسي بوتين؟ لا أعرف، ولكن أي شيء يفعلونه الآن أفضل من أن تجري الانتخابات الرئاسية في بلادهم والعالم في أتون أزمة خطرة تهدد «السلم العالمي».
بالنسبة إلى السعودية، فإن ما يجري يعادل «لحظة 1939» لدى البريطانيين والفرنسيين. شاهدوا ما فعله هتلر في بولندا، فلم يجدوا على رغم خطورة قرارهم غير إعلان الحرب. لو اقترح عليهم أحد أن حصّنوا حدودكم، واقبلوا بهتلر يلتهم أوروبا من حولكم، لكانوا كمن أقفل باب بيته وجلس ينتظر طرقات الوحش على بابه. كان قراراً صعباً، كلف بريطانيا أمنها وهي بعيدة في جزيرتها، وفرنسا حريتها وعاصمتها، ولكن بعد حرب دامية وصبر وعزم انتصرتا ومعهما الولايات المتحدة، وقد جرّت على رغم أنفها إلى حرب عالمية طاحنة.
مثلما لم تنتظر الرياض في آذار (مارس) الماضي واشنطن أن تتحرك لوقف انقلاب الحوثيين والمخلوع صالح، ففي الغالب ستتخذ الموقف نفسه (وليس الحرب والتدخل نفسهما) في سورية، والأفضل لها ألاّ تستمع إلى كل من يعظها حول وجوب الحفاظ على «السلم العالمي»، فهذه مسؤولية الولايات المتحدة والدول العظمى. مسؤولية السعودية أمام شعبها هي حماية أمنها القومي، فانتصار الروس والإيرانيين في سورية ستكون له انعكاسات سلبية عليها محلياً، ومن حسن حظها أن هناك دولة كبرى إقليمية تشاركها الهمّ والقلق نفسهما هي تركيا، فانتصارهم هناك يعني وجوداً دائماً لهم جنوب حدودها، والسماح للأكراد بالتمدد بدولة ما أو منطقة نفوذ.
لماذا لا ترى الإدارة الأميركية كل هذا؟ هل هي السياسة الانسحابية التي سيفخر بها أوباما عندما يكتب مذكراته ويشرح كيف جنب بلاده وُحول حروب الشرق الأوسط الطائفية؟ يجب ألاّ نستغرق كثيراً في تحليل ذلك إلا بالقدر الذي يخدمنا في توظيف الولايات المتحدة وعضلاتها في مشروعنا لحماية أمننا القومي، مثلما فعلنا في اليمن. أخذنا زمام المبادرة، وتحملنا المخاطر، فتعاونت معنا واشنطن، بصدق أو على مضض، ولكن علينا ألاّ نأخذ تعاونها في حكم المسلم، والأفضل أن تنتهي هذه الحرب في أسرع وقت ممكن، فثمة خصوم يكمنون في منعطف قادم ينتظرون ثغرة ما يقلبون فيها الطاولة علينا، فاليمن وسورية معركة واحدة، لنا ولهم.
يجب ألاّ نيأس، فثمة حجج قوية لدينا. إن ما يحصل في سورية يهدد السلم العالمي. لقد وصلت آثاره بعيداً حتى فيينا، فحزب «الحرية» النمسوي المتطرف حقق انتصاراً غير مسبوق في مجلس تلك العاصمة الليبيرالية. هذا نموذج يجب أن يراه العالم، إضافة إلى انتصارات اليمين المتطرف في بولندا وهنغاريا، حيث أصبح نموذج بوتين مثالاً يحتذى للحكم. ليس هذا المستقبل الذي يفترض أن يخشاه الأميركيون في أوروبا، بل حتى في الأردن، لم تعد مسألة اللاجئين إنسانية، بدأت تصبح سياسة، تقلق ملك البلاد وحكومته. الملك عبدالله استخدم مصطلح «الغليان» وهو يشير إلى حال بلاده وهي تتعامل مع طوفان اللاجئين. حكومته تقول إن فرص مليون سوري في العودة إلى بلادهم تتضاءل كلما امتد الصراع، يتوقعون أن بعضهم سيستقر في الأردن ذي الاقتصاد الضعيف بشكل دائم، والبقية لن تغادر إلا بعد 17 عاماً. هدم حي في درعا أو ريف دمشق يعني أن لا مكان يعود إليه اللاجئ السوري حتى لو توقفت الحرب غداً، بغض النظر عمن ينتصر فيها.
يجب أن نوظف هذه التفاصيل المؤلمة في جدلنا مع الإدارة الأميركية، لتكون جزءاً من حرب المملكة، تواكب نشاطها السياسي والعسكري في المنطقة. الولايات المتحدة مهمة، وهي القادرة على مواجهة الروس. فلنضغط عليهم، ولنزج بمسألة تهديد السلم العالمي، التي وصلت حتى الانتخابات الأميركية الرئاسية بالجدل حول اللاجئين السوريين ومكان المسلمين في المجتمع الأميركي، ونذكرهم بأن الأزمة السورية لم تعد في سورية فقط. لقد تعدت آثارها الأردن ولبنان، ووصلت إلى أوروبا الشرقية وغيرت المزاج السياسي فيها، وإلى باكستان، وأصبحت موضوعاً قد يقسم مجتمعها طائفياً. إنها ليست قضية السعودية وحدها، إنها أمننا القومي المتداخل مع سلمهم العالمي.