كتابات خاصة

كُلفة الظهور الثالث للقاعدة

أمجد خشافة

يتأثر تنظيم القاعدة طردياً مع الظواهر السياسية والعسكرية التي تحدث في اليمن، وفقاً لما ينعكس إيجاباً عليه، بغض النظر عن استفادة طرفي الصراع، قوات الشرعية، والحوثي وصالح، عما يقوم به التنظيم على الأرض. يتأثر تنظيم القاعدة طردياً مع الظواهر السياسية والعسكرية التي تحدث في اليمن، وفقاً لما ينعكس إيجاباً عليه، بغض النظر عن استفادة طرفي الصراع، قوات الشرعية، والحوثي وصالح، عما يقوم به التنظيم على الأرض.
وعلى هذا النحو، قام التنظيم بالظهور بشكل متقطع منذ 2011م، وسيطر على مناطق، أغلبها في الجنوب، كان آخرها السيطرة على عزان، البلدة التي تشكل “ماكينة” توزيع تحركاتهم العسكرية ما بين مدينة أبين وما جاورها غرباً وشبوه وحضرموت من جهة الشرق.
وبرغم ما يكون ظهور القاعدة وسيطرتهم على المناطق مُغري، بما يعطيهم فرصة الاندماج مع المجتمع، إلاً أنه يكون مُكلف بحجم ذلك الإغراء حين يجد التنظيم أن طائرات “الدرونز” تقنص قياداته وعلى مستوى رفيع بين وقتٍ لآخر، آخرها مقتل القيادي العسكري جلال بلعيدي.
ويمثل مقتل بلعيدي، أمس الخميس، بغارة أمريكية بطائرة دون طيار، خسارة كبيرة للقاعدة في اليمن، إذ أنه كان يُمثل أهم الحلقات القوية في بنية التنظيم عسكرياً، وفقدان الرجال الميدانيين أكثر خسارة من القيادات التنظيرية أو الروحية للتنظيم، أو يوازيها.  
وعلى الرغم أن بلعيدي لم يكن لديه منصب واضح في التنظيم مؤخراً، إلا أنه برز بشكل قوي عسكرياً منذ سيطرة التنظيم على مدينة أبين وأجزاء من مدينة شبوة في 2011-2012م كان حينها يحتل منصب “أمير ولاية أبين” كما يسميه رفاقه.
وبعد أن انسحب التنظيم من أبين وشبوة قدم التنظيم، جلال بلعيدي، كرجل عسكري يقود أهم المعارك الميدانية في المناطق الجنوبية، وسبق أن ظهر في عمليات عسكرية منها اعتراض عدد من الجنود وقتلهم في حضرموت، وأخيراً التحركات العسكرية بعد أن سيطر التنظيم على مدينة المكلا وحضرموت الساحل في ابريل من العام المنصرم.
وبعد أن قتل قائد التنظيم في جزيرة العرب، ناصر الوحيشي، صعد قاسم الريمي الذي كان يحتل القائد العسكري لقيادة التنظيم، وبقيت قيادة الجانب العسكري شاغرة، إلاَّ أن جلال بلعيدي كان ربما مرشحاً لقيادة الجناح العسكري باعتباره أكثر العاملين في الجانب الميداني العسكري، حسب ما كان يظهره التنظيم إعلامياُ.
هذه الضربة التي تلقاها التنظيم كانت كُلفة ظهوره الثالث والذي بدأ منذ سيطرته على مدينة جعار في1 ديسمبر من العام المنصرم دون مقاومة سوى اشتباكات بسيطة مع اللجان الشعبية التابعة لعبد اللطيف السيد، والذي كان استهدافه هو أهم هدف للسيطرة على المدينة.
 وتلا بعد هذا الظهور، تحركات سيطرتهم على مدينة الحوطة بمحافظة لحج في 25 يناير الماضي وعلى الأرجح أنها لم تكن سيطرة بشكلها التقليدي بقدر ما كان تواجد في المدينة.
وفي 1 فبراير من الشهر الجاري سيطر التنظيم على مدينة عزان، دون مقاومة رغم تواجد لجان شعبية تابعة للشرعية.
وتعتبر مدينة عزان أهم المدن التي تمثل استراحة لمقاتلي التنظيم، وعسكرياً حلقة وصل بين حضرموت وأبين، وينخرط الكثير من أبناء المدينة في صفوف مقاتلي التنظيم، وهو ما يعبر عن عدم مناهضتهم لبقاء التنظيم.
هذه التحركات النشطة للقاعدة، ربما لها علاقة بسياسة زعيم التنظيم حالياً، رغم أن القاعدة لا تزال تؤمن بـ”جهاد النكاية”، الذي يمنعهم عن الخطوة التالية وهي السيطرة وإقامة نظام إداري، لكن الاستمرار في الظهور معناه مزيد من الكُلفة البشرية كما حدث في ظهورهم الأول في أبين وشبوه 2011م، والظهور الثاني حين سيطروا على المكلا.
في الظهور الأول، بسيطرتهم على شبوة وأبين 2011م-2012م، كلفهم مقتل كبار قيادات التنظيم، ابتداء بمقتل أنور العولقي والمسؤول الشرعي عادل العباب وفهد القصع والكثير من القيادات الميدانية.
وبقدر ما مثلت هذه الحقبة كما يقول التنظيم تجربة في الاندماج مع المجتمع بقدر ما خسروا تلك القيادات ومقتل أكثر من 500 شخصاً في حروبهم مع الجيش، حسب ما ذكره العباب في أحد مقالاته بعنوان “مكاسب السيطرة على ابين وشبوة”.
ظلت القاعدة ما بعد الظهور الأول تتجنب أي سيطرة نتيجة لكلفتها البشرية والمالية، حتى جاءت سيطرتهم على مدينة المكلا الساحل.
في 2 أبريل 2015م توجه التنظيم للسيطرة على مدينة المكلا وظهروا للمرة الثانية ولكنها كانت لهم أكثر خسارة وأصابت الضربات الأمريكية في أعلى قمة هرم التنظيم، إذ قتل في هذه الفترة زعيم التنظيم ناصر الوحيشي 6 يونيو 2015م، ثم قتل نصر الآنسي في 11 مايو، مأمون أبو حاتم في 11 مايو، وقبل ذلك حارث النظاري في 31 يناير 2015م وإبراهيم الربيش في 14 أبريل.
الآن، وحين تحاول القاعدة الظهور للمرة الثالثة، ربما، وبشكل دقيق، ليس للسيطرة التقليدية التي تفرض نقاط عسكرية، ولكن للتواجد بما يمكنهم التحرك بمرونة، بالمقابل لا تجد أي مناهضة من السكان لا سيما في المناطق الجنوبية نتيجة لاستغلالها لموجة الحرب على الحوثيين.
لكن الظهور أيا كان شكله، ما دام وهو يُجبرهم على الاحتكاك بالناس سيظلون عرضة لضربات “الدرونز”، واقتناص قياداتهم ككلفة باهظة لهذا الظهور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى