تتدهور أوضاع النازحين في المناطق الحدودية بمحافظة حجة، شمال غربي اليمن، يوماً بعد آخر، ومع مطلع كل أسبوع جديد من عمر الحرب، يجد النازحون أنفسهم في حيرة وترقب لصافرة النهاية التي ستضع حداً لمعاناتهم غير المسبوقة. يمن مونيتور/ حجة/ وحدة التقارير
تتدهور أوضاع النازحين في المناطق الحدودية بمحافظة حجة، شمال غربي اليمن، يوماً بعد آخر، ومع مطلع كل أسبوع جديد من عمر الحرب، يجد النازحون أنفسهم في حيرة وترقب لصافرة النهاية التي ستضع حداً لمعاناتهم غير المسبوقة.
الاحصائيات الرسمية تتحدث عن أكثر من مائة ألف نسمة من مناطق حرض وحيران وعبس الحدودية بمحافظة حجة نزحوا من جحيم الحرب الدائرة هناك منذ أشهر، يفتقرون للخدمات الإيوائية والغذائية، ويعانون نقصاً حاداً في الغذاء والدواء ومياه الشرب النظيفة.
ورغم مأساوية أوضاع النازحين، إلا أن تجاوب المنظمات الإنسانية، المحلية والدولية، يكاد يكون ضعيفاَ، وكل ما قدمته لا يمثل حتى 30% من احتياجات النازحين.
يشكو النازحون من التلاعب في مخصصات التغذية التي تقوم بعض المنظمات بتوزيعها، حيث يسيطر عليها متنفذون يقومون بتوزيعها لشخصيات لا تستحقها.
يقول “فهد دواس، “نزحت أنا واسرتي من مديرية حرض إلى عبس، ليس معنا سوى ملابسنا وعند وصولنا إلى مدينة عبس سكنّا في “عشة” مهترئة صنعناها من الكراتين وقطع القماش المقطعة بجوار إحدى المنظمات، لكن لم نحصل على أي مساعدة غذائية منذ تسعة أشهر، وكلما حاولنا الذهاب للمنظمة يطلبون منّا أن ننزح إلى مكان آخر تستهدفه المنظمة بمعوناتها.
يتحدث لـ”يمن مونيتور”، بألم “بالله عليك كيف أنزح مرة اخرى كما يطلبون مني وإلى أين اذهب؟”
يتابع “مندوبو المنظمات والمجالس المحلية يأتون إلينا بين فترة واخرى، ويسجلون اسمائنا، فإذا ما جاء وقت توزيع المساعدات لا نعطَ شيئاً، وتذهب إلى أشخاص مسلحين من “المتحوثين” (مسلحون يناصرون الحوثي) يأتون ويأخذوها”.
العيش تحت ظل شجرة
لم يكن العم “علي صالح” يفكر يوماً أن يقضي جزءاً من حياته في ظروف النزوح والشتات، وسط معاناة لم يلحْ في الافق بعد، أن نهايتها ستكون قريبة.
ست سنوات قضاها في مخيم المزرق بحرض، بعد رحلة نزوح من محافظة صعدة شمالي اليمن، نتيجة للحروب السابقة (2004-2010)، لم تشفع له أن يعيش ما تبقى له من عمره في منزل يقيهم هو وأفراد اسرته من التشرد.
لم ينتهِ الأمر هنا، فقد تعرض مخيم النازحين في المزرق لغارات طائرات التحالف، ما اضطره للنزوح مع افراد اسرته إلى مديرية “أسلم” بمحافظة حجة هرباً من جحيم الحرب التي قتلت جيرانه في المخيم، لكن فصلاً جديداً وأشد وطأة بدأ، فمنذ تسعة أشهر يعيش هو وزوجته وأطفاله التسعة تحت ظل شجرة، اتخذوها منزلاً، دون أن يجدوا أي معونة من المنظمات المحلية أو الدولية، فعجز عن توفير قيمة الحليب أو الدواء لطفلته الرضيعة.
النزوح يُحرم الأطفال التعليم
باتت تلك المناطق التي نزح إليها المئات مكاناً لتجمع الكثير من الأسر النازحة من المدن والقرى القريبة من الشريط الحدودي، لكنها في الوقت ذاته تعاني من صعوبات كثيرة في تفاصيل الحياة اليومية، مما يجبر الأطفال في سن التعليم إلى ترك الدراسة ومساعدة ذويهم في أعمال خدمية تؤمن وضعهم اليومي.
أحمد (12سنة) وأخته مريم (10 سنوات) نزحا مع اسرتهما من قرية “العسيلة” بحرض واستقرا بمديرية أسلم، ويعيشان حالياً في خيمة مهترئة صنعت من القماش والطرابيل بأحد مخيمات النزوح في المنطقة.
يقول أحمد، “كنت في الصف السادس الابتدائي، وبعد أن نزحنا لم أذهب إلى المدرسة؛ هنا في المخيمات ما هو أهم من الدراسة، إحضار الحطب المتوفر من الأشجار المحيطة بالمخيم للطهي وبيع بعضه على أصحاب السيارات التي تمر بجوار المخيم”.
آلاف الأطفال يعيشون وضعاً مشابهاً لوضع أحمد، تركوا الدراسة واتجهوا لمساعدة أهاليهم في توفير لقمة العيش.
بدورها تحكي الطفلة “مريم”، “كنت العب مع صديقاتي في المدرسة، ونعيش في أمن وسعادة، لكن هنا لا توجد معي صديقات، لا أدري أين أجدهم، كلهم نزحوا إلى أماكن بعيدة، وافترقنا عن بعض بسبب الحروب”.
يمضي الأطفال هنا يومهم وهم يحلمون بغدٍ قريب يرتاحون فيه من هموم لطالما أرهقتهم باكراً، وأفقدتهم طعم الطفولة، ففي طول البلاد وعرضها يعيش أطفال اليمن ظروفاً قاسية من القهر والحرمان بدرجات متفاوتة بانتظار أن تشرق شمس الحرية، وتعيد إليهم ما بقي من معنى الوطن والمواطنة.