من المسلَّمات التي لا خلاف حولها أن الله خلق الناس سواسية من حيث التكوين، وزودهم على حد سواء بالقدرة على التغير في أنفسهم وما حولهم سلباً أو إيجاباً، ومع ذلك نجد أن من الناس من هو تابع ومن هو مَتْبوع. من المسلَّمات التي لا خلاف حولها أن الله خلق الناس سواسية من حيث التكوين، وزودهم على حد سواء بالقدرة على التغير في أنفسهم وما حولهم سلباً أو إيجاباً، ومع ذلك نجد أن من الناس من هو تابع ومن هو مَتْبوع.
وتبعية الإنسان للإنسان تأتي على نوعين: تبعية عمياء، وتبعية راشدة.. أما التبعية العمياء فهي قسمان، أحدهما: تبعية غير مَذمومة، وهي ما تفرضها الضرورة، ويكون ذلك في المراحل التي يمر بها الإنسان في صغره وبداية تعلمه، أو في حالة عَتَه المُستحكم، وغبائهالمفرط، بحيث لا يستطيع معه التمييز بين السيئ والحسن، أو بين الحسن والأحسن، أو بين السيئ والأسوأ.
والقسم الآخر: التبعية المذمومة وتتمثل في الاستمرار في التقليد والرضاء به مع القدرة على التحرر منه، والتمكن من النظر والاختيار، ولو مع وجود بعض الأخطاء.
وأما التبعية الراشدة فهي تبعية ما قضت البراهين القاطعة بوجوب اتباعه، وقامت الأدلة الصحيحة الصريحة على وجوب تقليده، وذلك مقصور في القرآن على أمرين: طاعة الله، وطاعة الرسول دون سواهما.
فقد اعتبر القرآن أمر الله هو المتبع دون سواه وأمر نبيه أن يكشف حقيقة الأمر فقال: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ}، وقد نوه القرآن أن طاعة الله ورسوله طريقاً للفوز بالجنة والنجاة من النار، وموجباً لمصاحبة الأنبياء والصديقين والشهداء، فقال: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}.
وهنالك سبل نص القرآن على النهى عن اتباعها، كونها تشكل خطورة حقيقة على تفكير الإنسان وطبيعة توجهه، من أبرزها:
1. إتباع الهوى، سواء هوى النفس، الذي نهى الله عن اتباعه في مواضع كثيرة، منها قوله: {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}، أو هوى الغير: كما في قوله تعالى: {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ}
2. إتباع الآباء والأجداد، في ذلك قال الله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ}.
3. الوساوس الشيطانية التي تُلقى في روع المتخبط في الأوهام والتَّخرصات، وفي ذلك قال تعالى: {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}.
4. اتباع الأولياء، وفي ذلك قال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}.
5. الانصياع لرغبات المريدين من الجهلة أو المفسدين، كما في قوله تعالى: {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}.
6. الاندفاع وراء الشهوات، وهو ما أشار إليه القرآن بقوله: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}.
هذه سلسلة من المؤثرات السلبية التي نبه علها القرآن الكريم ودعا الإنسان للتحرر منها حتى لا تدفع به نحو هاوية الاتباع السلبي، وهي أو بعضها ما يدفع بكثير من شبا بنا وشيوخنا ورجالنا ونسائنا اليوم نحو منزق الخطيئة بشتى أنواعها بما فيها الخطيئة باسم الدين وعليه.
والمتأمل في كثير من الانحرافات التي تجرف المجتمع في مختلف الاتجاهات وخصوصاً تلك التي تتسم بطابع التطرف تعتمد بشكل أساسي على الاتباع السلبي للآباء والمشايخ، والرضوخ لعوامل التأثير الانفعالية التي باتت تحكم في مصير المجتمع ومساره.