ضغوط أمريكية متصاعدة على حفتر تعيق ترشحه لرئاسة ليبيا (تحليل)
(الأناضول)
يواجه اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، ضغوطا دولية متصاعدة خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية، قد ترهن طموحه للترشح للرئاسيات المقبلة المقررة في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
فتطورات محاكمته بتهم جرائم حرب في محكمة فرجينيا الأمريكية، وصلت إلى مرحلة متقدمة، بعد أن أمهلته القاضية “ليوني برينكيما”، يوم 28 أكتوبر/تشرين الثاني الجاري، موعدا نهائيا لتقديم حفتر إفادته في الدعوى المرفوعة ضده، والرد على أسئلتها، بحسب وكالة أسوشييتد برس الأمريكية.
هذه القضية التي يتجه حفتر لخسارتها بعد أن رفضت المحكمة طلبات سابقة له بادعاء الحصانة الرئاسية أو شبه الرئاسية، واعتبرت الأمر منته، بحسب مواقع ليبية.
** وزارة الدفاع الليبية بقلب محاكمة حفتر
من خلال محاكمة حفتر في فرجينيا، بصفته مواطنا أمريكيا ويملك أملاكا بملايين الدولارات في الولاية، يتضح أحد أسباب الضغوط التي يمارسها على رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، لتسمية وزير دفاع حتى ولو من الجنوب.
ووصل الأمر بضغوطات حفتر، أن هدد مسؤولو حكومة الوحدة بالمنطقة الشرقية والموالون له، بالاستقالة وتشكيل حكومة موازية بالشرق مع التلويح بقطع النفط.
إذ لجأ دفاع حفتر لدى محكمة فرجينيا الأمريكية إلى الاستناد لرسالة مزورة من وزارة دفاع حكومة الوحدة، نفت الأخيرة صحتها في بيان رسمي.
وطلب محامي حفتر منح موكله حق عدم المثول أمام المحكمة، لاحتمال تعرضه لحكم الإعدام أو السجن إذا أدلى بأسرار عسكرية خلال شهادته، بحسب رئيس التحالف الليبي الأمريكي عصام عميش.
إلا أن محامي المتهمين أثبت أن هذه الرسالة مزورة استنادا إلى بيان لوزارة الدفاع بحكومة الوحدة، نفى فيها إصدار الوزارة “مذكرة استخدمها أحد الخاضعين للاستجواب أمام سلطات الادعاء في الولايات المتحدة الأمريكية للإفلات من المساءلة الجنائية”.
كما أرسل خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي (نيابي استشاري) خطابا رسميا إلى محكمة فرجينيا، أوضح فيه أن “إفشاء الأسرار العسكرية أمر لا يعاقب عليه القانون في ليبيا، ولا يتعرض مفشي الأسرار العسكرية لعقوبة الإعدام”، كما ادعى دفاع حفتر.
وبحسب تغريدة لمبعوث حكومة الوحدة إلى الولايات المتحدة محمد علي عبد الله الضرّاط، فإن القاضية رفضت شطب الوثيقة من سجلات المحكمة التي قدمها محامي حفتر، بعد تقديم ما يفيد بأنها لم تصدر من قبل وزارة الدفاع الليبية، واكتفت بعدم الاعتداد بما ورد فيها.
فبيان وزارة الدفاع الليبية وخطاب المشري كانا كافيان لمحكمة فرجينيا لغلق هذا الملف، ومنح حفتر 14 يوما للمثول أمامها يوم 28 من هذا الشهر، كموعد “نهائي”.
وشكل ذلك خسارة لحفتر، لأنه إذا لم يمثل أمام المحكمة الأمريكية في التاريخ المحدد، فسيكون مُعرضا لفرض غرامة مالية كبيرة عليه، ثم إصدار أمر قبض مدني، بحسب رئيس مؤسسة الديمقراطية وحقوق الإنسان عماد الدين المنتصر.
وإدانة حفتر بحكم قضائي متعلق بجرائم حرب، وانتهاك حقوق الإنسان، سيجعل ترشحه محل شك أمام القوانين الليبية، ووضعه معقدا في نظر المجتمع الدولي وهيئاته.
وهذا ما يجعل حفتر يسارع للترشح للرئاسة من أجل الحصول على حصانة رئاسية تقيه من المحاكمة، وبشكل عاجل إلى رسالة من وزارة الدفاع لتعزيز موقفه لدى المحكمة.
لكن الدبيبة لم يلق لحفتر بحبل النجاة، بل ضيّق حبل المشنقة حول رقبته، وفوّت عليه الفرصة الأخيرة لتجنب المثول أمام محكمة فرجينيا.
** المشرعون الأمريكيون يحاصرون حفتر
مصادقة مجلس النواب الأمريكي على مشروع قانون “تحقيق الاستقرار في ليبيا”، يضع حفتر أمام ضغط شديد، خاصة أن وسائل إعلام أمريكية بدأت تتناول الاتهامات الموجهة له بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، خاصة في الفترة ما بين 2016 و2020.
ولم يبق مشروع قانون استقرار ليبيا، سوى مصادقة مجلس الشيوخ الأمريكي (الغرفة الثانية للكونغرس)، وتوقيع الرئيس جو بايدن، ليدخل حيز التنفيذ.
ورغم أن مشروع القانون هذا سلاح ذو حدين بالنسبة للحكومة الليبية وحلفاؤها، إلا أنه في أحد جوانبه يضع “مغامرات حفتر العسكرية” مستقبلا، تحت طائلة العقوبات، التي تشمل أيضا الدول التي تزوده بالأسلحة والمرتزقة.
ويخدم قانون استقرار ليبيا، بعد اعتماده، مساعي نواب أمريكيين، لتعديل “قانون تفويض الدفاع الأمريكي”، بما يسمح بمحاكمة حفتر باعتباره مواطنا أمريكيا متهما بجرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان.
وفي هذا السياق نقلت قناة الحرة الأمريكية (حكومية) عن النائب الديمقراطي توم مالينوفسكي، إن “التعديل الذي اقترحته مع زميلي تيد ليو، على قانون تفويض الدفاع الوطني، يطلب من الوزير (الخارجية أنتوني) بلينكن، ومن وزارة العدل، مراجعة جرائم الحرب والتعذيب التي ارتكبها مواطنون أمريكيون في ليبيا، من أجل الملاحقة القضائية المحتملة”.
ويؤكد الكاتبان الأمريكيان ديبرا كاغن، وساشا توبريتش، بحسب “الحرة”، أن مشروع قانون حول جرائم الحرب والتعذيب المرتكبة من قِبَل مواطنين أمريكيين، “يطال المواطن الأمريكي الليبي خليفة حفتر”.
** تحقيقات تثبت تورط مليشيات حفتر
والاتهامات لحفتر ومليشياته بارتكاب تعذيب وجرائم حرب بدأت توثق، وتجمع بشأنها أدلة من شأنها إدانته في حالة عرضه على محكمة الجنايات الدولية.
فتقرير “البعثة المستقلة لتقصي الحقائق بشأن ليبيا”، الأخير، والذي وإن طالته انتقادات، تحدث زرع مليشيات حفتر ومرتزقة شركة فاغنر الروسية مئات الألغام جنوبي أثناء عدوانهم على العاصمة الليبية طرابلس (2019- 2020).
كما تناول التقرير محاصرة مليشيات حفتر منذ منتصف 2016 حتى مارس/آذار 2017، منطقة قنفودة في مدينة بنغازي (شرق) ما أدى إلى قتل وجرح مدنيين جراء الغارات وحصار مئات المدنيين، دون إمكانية وصولهم إلى الماء والغذاء والدواء بشكل كاف، كما تم حرمانهم من المساعدات الإنسانية
وفي مدينة ترهونة (غرب) أشارت بعثة تقصي الحقائق، بحسب ما نقل عنها موقع “ليبيا الأحرار” إلى وقوع عمليات اختطاف واسعة النطاق، وتعذيب ممنهج وقتل جماعي تورط فيها ما يعرف بـ”الكانيات” (اللواء التاسع التابع لحفتر).
وهذا ما دفع حفتر لتصفية عدد من عناصر الكانيات الذين فروا إلى المنطقة الشرقية على غرار محمد الكاني، وكذلك أحد أبرز المطلوبين الليبيين لمحكمة الجنايات الدولية محمود الورفلي، للتغطية على جرائمه في حالة محاكمته أمام محكمة مستقلة.
** صورة حفتر تهتز خارجيا
المقابر الجماعية في ترهونة، والألغام المزروعة جنوبي طرابلس، بدأت توقظ الضمير العالمي، بعد تكشف المزيد من الجرائم التي ارتكبها حفتر ومليشياته.
وكانت لمحاكمته في فرجينيا وشروع المشرعين الأمريكيين في مناقشة قوانين من شأنها تسليط الأضواء أكثر على جرائمه، وتخلي داعميه الدوليين عنه.
إذ كشف موقع “ميدل إيست أي” البربطاني، أن مجموعة “رولينغز” الاستشارية الدولية، التي تسوق لحفتر بين الأوساط الأمريكية، أنهت اتفاقها معه، بعد إقرار مجلس النواب الأمريكي لقانون استقرار ليبيا.
وأرجع الموقع سبب فسخ المجموعة الأمريكية لعقدها مع حفتر، لأنها ستكون مطالبة بكشف تفاصيل عقودها في موقع وزارة العدل.
بينما ذكر عماد الدين المنتصر، رئيس مؤسسة الديمقراطية وحقوق الإنسان، الذي يوجد مقرها بالولايات المتحدة، في حوار صحفي مع قناة “بانوراما الليبية”، أن ثلاث شركات ضغط أمريكية (لم يذكرها) فسخت عقدها مع حفتر لتلميع صورته بواشنطن.
فيما تحدثت مجلة “ستارت” الإيطالية، عبر موقعها، أن عقد الضغط الذي تم توقيعه في أواخر أغسطس/آب الماضي، بين حفتر وشركة “لاني جيه ديفيس”، المستشار السابق لبيل كلينتون، وعقد عضو الكونغرس الجمهوري السابق “بوب ليفينغستون” لم يدوما طويلا، وتم إيقافهما في 30 سبتمبر/أيلول الماضي.
وأرجعت المجلة سبب الإلغاء لأنهما “كانا تحت ضغط شديد للتخلي عن العقد”، البالغ قيمته مليون دولار، وأن “مصدر الأموال ما يزال غير واضح”.
ويعكس ذلك أن حفتر أصبح “منبوذا” في الولايات المتحدة، وحتى أمواله لم تعد كافية لإقناع شركات الضغط التي تعاقد معها لتسويق صورته دعائيا في واشنطن.
ومثول حفتر أمام محكمة أمريكية من شأنه تكريس صورة نمطية في ذهن الناخب الليبي بأنه متهم بجرائم حرب، ولا يصلح ليكون رئيس جمهورية.
أما عدم امتثاله فسيكون بذلك مطلوبا لدى العدالة الأمريكية وقد تحجز بعض أمواله، وفي كلتا الحالتين سيكون وضع حفتر صعبا، وقد يبحث عن مخرج سياسي عبر صفقة دولية تمهد لانسحابه من المشهد الليبي مقابل عدم ملاحقته جنائيا.