استهداف كريتر هو استهداف لهوية عدن
ما حدث في كريتر، جريمة مركبة، إلى جانب القتل واستهداف البشر، والدمار الذي أصاب الممتلكات العامة والخاصة، مدينة كريتر هي المدينة التاريخية، التي تحتوي على معالم وكنوز اثرية وتاريخية، هي المركز التجاري العتيق، وفيها أسواق تاريخية تحكي حكايات حضارة واصالة عدن، تجعل منها قطعة اثرية ثمينة، وموقع تراثي هام، يفترض به محمي من قبل الدولة والمعنيين بالتراث والآثار والمعالم، من مراكز بحوث ومنظمات محلية ودولية، وعلى راسهم اليونسكو.
هذه المدينة التي تعرضت وتتعرض في كل احداث الصراع، لاستهداف خاص، باعتبارها تمثل نبض عدن التاريخي، وجذرها الممتد في عمق التاريخ، بما تحتويه من أعراق وثقافات ومعابد و بغد، وأحياء سكنية يتعايش فيها أحفاد الهنود والصومال واليهود والبنيان والطليان والعرب، تشكل فيها نسيج عدن المتجانس، استهدافها هو تطهير ثقافي وفكري وتراثي، يقوده العقل الشمولي القادم من أغوار التخلف، وصحاري وجبال العصبية، الفاقد للأصالة والتاريخ، الذي يخشى الذاكرة التاريخية التي تشعره بحجمه الطبيعي، كقزم أمام تاريخ وأصالة عدن، شعور كم هو ضحل و مأزوم أمام ذلك التاريخ والتراث والثقافة المدنية، فالمكان يشكل له كابوس يفضحه، ويحاول ان يقتل كل ما فيه من ذاكرة تاريخية، ويجرف كل ارث، في محاولة نزع القيمة الحقيقية للمكان .
عندما صرخت عدن، رددت جبلها صدى ذلك الصراخ، تلك الجبال الغنية بالمعالم والشواهد التاريخية، وصل صدى ترددها لمسامع الحاقدين على عدن، من دول الجوار وأدواتهم في الداخل، كان لابد ان يصمت ذلك الصوت المرعب للمستبد والشمولي، وأن تنتزع القيمة الحقيقية للمدينة، وتستهدف معالمها وارثها والقها وايقونتها، وذلك بهدم المكان او تحييده حتى لا يبقى يذكرهم بحجمهم الحقيقي، أقزام أمام تاريخ عدن الحضاري والسياسي والاقتصادي، الذي لازال يشكل هاجسا مرعبا إذا ما صحى من سبات المؤامرة، وتجاوز التحديات، ونهض وارتقى وعادت عدن .
العقل الشمولي، هو أساس التطرف، ويمكن ان يقود عمليات اعدام جماعية لكل ما يختلف معه وعنه، ليصنع له هيلمان، ويخرج من حقيقته كقزم دنئ، ينفخ في شخصيته الخاوية شيئا من ذلك الهيلمان الذي لا أساس تاريخي ولا حضاري، ولا فكري وثقافي يدعمه .
فحماية التاريخ والتراث هو جزء لا يتجزأ من حماية الأرواح البشرية، ما لم تكن إعدام التاريخ والتراث هو إعدام للهوية والشخصية الجامعة، هو اعدم جماعي، بعكس استهداف الأفراد، المدان دون شك، لكنه يشكل استهدافا أقل فظاعة وخبث ودناءة من استهداف التاريخ والتراث والحضارة والثقافة .
المتابع لأحداث عدن منذ ان أعاد التحالف تموضع ادواته فيها، يجد ان هناك استهداف مبرمج، لثقافة وهوية وحضارة المدينة، وايقونتها وألقها، استهداف المعالم والشواهد التاريخية، تدمير الإرث الثقافي والفكري والنضالي، استهدف اتحاد العام لعمال الجمهورية، وافراغه من محتواه الحقيقي، وتاريخه كمركز نمو وترعرع نواة الحركة الوطنية، استهدفت صحيفة ومطبعة صوت العمال، ثم استهدفت صحيفة 14 أكتوبر الغناء وما تمثله لعدن، وقبلها استهدفت صحف مستقلة غير محمية عسكريا من قوى العنف القائمة، لم تعد ترى او تسمع غير الصوت النشاز، الذي يزور التاريخ، ويخون، ويقصي، ويهمش، ويستحوذ، يبسط وينهب ويقتل ويعمل ما يحلو له دون حساب وعقاب، القضاء معطل، والتعليم يتذبذب بين اضراب وتهديد و وعيد، كلها سياسات تستهدف عدن كهوية وتاريخ وارث وفكر وثقافة، البقية تفاصيل العملية، وخطوات تنفيذها .
فهيهات عدن عصية، لن تستسلم، تمرض تعاني، لكنها لا تموت، ستنهض من بين الركام، وتعيد بناء اطلال ما خلفته الحرب، سيذهبون جميعا بخزي وعار، وستبقى عدن تشع ثقافة وفكر وحضارة على مر التاريخ .