هل حقاً تعرف عمرك؟! (2)
في حديثنا السابق، استعرضنا العديد من المواقف التي توضح القصور في معيار السن أو العمر البيولوجي كمقياس رئيسي لكفاءة الفرد و أهليته.
عائشة الصلاحي
في حديثنا السابق، استعرضنا العديد من المواقف التي توضح القصور في معيار السن أو العمر البيولوجي كمقياس رئيسي لكفاءة الفرد و أهليته.
الإنسان لديه جوانب متداخلة، و علينا النظر إليها قبل إصدار أي حكم تجاهه وعليه اتفقنا أن للفرد خمسة أعمار في نفس الوقت.
شرحنا العمر البيولوجي والعمر العقلي، و هنا نكمل بقية الأعمار بنفس الطريقة (ما يمثله العمر و كيف يقاس وأهم طرق للعناية به و تطويره).
3. العمر العاطفي:
و نقصد به حال المشاعر في هذا الشخص مثل التفاؤل، الحماسة، الحب، الرغبة، الدافعية، الفرح، الحزن.. الخ.
إن التبلد والتعقيد والجمود والجفاف في المشاعر يعني أن العاطفة قد شاخت وهرمت داخل الشخص كشجرة صارت جذعاً يابساً لا ليونة فيه و لا غضاضة.
كلما كان الإنسان عفوياً وتلقائياً في تفاعل مشاعره وإظهارها كلما دل ذلك على نضج جانبه العاطفي، لذا تجد القرآن الكريم مليئاً بالصور الحارة والمواقف العاطفية لقدوات عظيمة تبكي وتضحك وتغضب وتحب وتبغض وتتألم وتخاف ﻷسباب واضحة وصائبة وإنسانية..
بينما يذم الله في كتابه أصحاب القلوب المتحجرة والصماء والمختومة بالتبلد والتعقيد والجلافة.
و هنا يجب أن نركز على أن الجانب العاطفي يتجسد بطريقة عكسية، فكلما كان الرقم أكبر؛دل ذلك على ضعف الجانب العاطفي، ذلك ﻷن الإنسان يولد بعاطفة كاملة ناضجة متدفقة ويانعة، ثم تطرأ عليه التعقيدات والتشوهات لعدة أسباب قد نشرحها في مقال أخر.
هذا بالطبع قد يفسر لنا لماذا تمنحنا صحبة الأطفال البهجة والدفء، فهم يمثلون قلوبنا في أجمل حالاتها ويمنحونا عاطفة سخية وحية كالغيث تروي صحراء نفوسنا.
و عليه، كلما أردنا أن نعبر عن نضج العمر العاطفي لدى شخص، فإننا نختار رقماً صغيراً، بمعنى لؤي عمره العاطفي 30 وعبدالله عمره 5، هذا يعني أن عبدالله أنضج عاطفياً من لؤي ﻷن رقمه أقرب للولادة.
3.العمر الروحاني:
ويمثل مشاركة الروح في إدراك الشخص، فالروح داخلنا عالم منفصل تماماً، عالم مجهول لنا، ولديه سيادة كاملة في ذاته، ومن الأمور التي يغفلها الكثير أن للروح حواس خاصة بها ..لديها عينان تبصر بهما و سمع و ادراك خاص بها…هذا يفسر لنا تلك الخواطر والقرارات التي تهيمن على تفكيرنا دون أن نعرف من أين جاءت!
خواطر لا شأن لها بالملموس والمنطق، بل هي شيء نستشعره و لا نلمسه إلا بأرواحنا.
العمر الروحاني يمكن الاستدلال عليه من خلال إيمانيات الشخص بالغيب غير المرئي من القيم و العقائد و الانسانيات.
إن إحساس طفل بالألم ﻷجل شخص معاق ومحاولته مساعدته يعني أنه ناضج روحيا …بينما لو أن شيخاً قد اشتعل رأسه شيباً وما زال لا يرعى حرمة و لا ذمة فهو صبي في روحه…
النضج الروحي لا يعني فقط المعارف والمعتقدات، بل هو تفاعل عاطفي تجاه تلك الروحانيات.. وممارسة وسلوك وفق تلك الايمانيات.
كم من شباب ينشطون للضعفاء والمرضى والإغاثة بحب وتفانٍ وثبات أكثر بكثير من آبائهم …هؤلاء الشباب في حالة نضج روحي تجاه القيم التي يؤمنون بها ويعتنقونها ويطبقونها .
و علينا أن نركز على أن الركون المطلق لما وراء الغيب دون الانتباه لقوانين الكون هو طيش روحي وعلى النظير فإن الإنكار المطلق للروحانيات والإنسانيات تحت مسمى المنطق والعقلانية هو أيضاً صبيانية روحية والنضج هو التوسط والاعتدال بين هذا و ذاك.
و كما سبق، المفترض كلما كبر الرقم في هذا العمر كلما دل على نضج أكبر، بمعنى 40 أنضج من 30 وهكذا .
5.العمر الاجتماعي:
و هو العمر الذي يجسد قدرة الشخص على بناء علاقات قوية متماسكة مستمرة مع من حوله لها أسس واضحة وتخدم غايات حياته الأهم.
إن إنشاء شبكة علاقات هي مهارة جيدة، لكن استمرار هذه العلاقات وتطورها بشكل متزن و ثابت يعتبر مهارة أصعب.
وأهم من مجرد الإنشاء والاستمرار لابد أن تكون تلك العلاقات في خدمة غايات حياتي، اﻷهم وهذه هي المهارة اﻷصعب مما سبق.
هذا يجعلنا ندرك لماذا يعجز الكثيرون عن تطوير عﻻقاتهم ويعيشون في ملفات عالقة أو مجمدة مع العديد ممن حولهم.
السبب أنهم لا يمتلكون الثلاث المهارات المذكورة آنفا…أو ربما يمتلكوا 2 من أصل 3 و هذا يجعل حياتهم مضطربة وغير متماسكة.
هذه المهارات الإجتماعية هي نتاج نضج مركب في الثلاث الأعمار السابقة (العقلي، العاطفي، والروحاني).
النضج في هذه الجوانب يصنع نضجاً اجتماعيا وهو أمر بالغ الصعوبة، لكنه جوهري جداً لسعادة الإنسان …فما هو الإنسان إن لم يكن شخص يحب ويُحب ويرافق من يحبهم إلى ما يتوق!!
إن الأمور التي تتحكم بالعلاقات البشرية هي تفاصيل بالغة الدقة والتداخل ولا يمكن أن نبرع بها بالتمكن المنطقي فقط أو بالسخاء الروحي لا غير أو بالوفرة العاطفية لوحدها.
لابد من اتحاد الثلاثة للتفاعل مع تفاصيل المعاملات التي تحيط بنا، فتنتج أداء اجتماعياً متزناً مستمراً وفعالا .
يبدو الأمر عسيراَ!
صحيح.. لكنه يستحق الجهد المبذول له، فليس في الدنيا ما يغمرك بالنجاح والسعادة مثل أن تعيش مجيداً وتموت حميدا.
المفترض في تحديد هذا العمر أن الرقم كلما ارتفع؛دل ذلك على نضج أكبر.
هكذا نصل لنهاية الأعمار الخمسة، وحين تقوم بتقييم إنسان عليك أن تضع له أرقام بحسب المعيار في كل جانب دون أن تسمح لنفسك بالتأثر بعمره في بقية الجوانب.
من المؤكد، ستكتشفون أشياء مثيرة في أنفسكم وفيمن حولكم، وحين تجدون فجوة أو خلل في جانب ما عليكم التركيز على معالجتها لتتكامل مع باقي الجوانب.
فهذا باختصار ما نسمية” التربية و التزكية”.