كتابات خاصة

حكايات من قلب المقاومة (6)

أحمد عثمان

عندما وصلت جماعة الحوثي وصالح  إلى (مشرعة وحدنان) لم ينسوا  تفجير البيوت فهي أشبه بالإدمان القذر؛ دمروا ثلاثة منازل، منزلان في قرية (الميهال) لصادق عبدالرقيب ومحمد عبد الرقيب، ومنزل في (المجيرين) لمحمد على أحمد. (بقش) تقاوم ايضاً
عندما وصلت جماعة الحوثي وصالح  إلى (مشرعة وحدنان) لم ينسوا  تفجير البيوت فهي أشبه بالإدمان القذر؛ دمروا ثلاثة منازل، منزلان في قرية (الميهال) لصادق عبدالرقيب ومحمد عبد الرقيب، ومنزل في (المجيرين) لمحمد على أحمد.
وعندما علم (محمد علي) بتفجير منزله أطلق نيران بندقه للتحدي والإصرار، هذا تصرف ونفسيات جديدة لم تكن حاضرة قبل المقاومة!
لم تمض سوى أيام لتسجل المقاومة انتصارها الكبير قتل العشرات و أسر العشرات، وفر الآخرون  (….) كان من بين الأسرى المجموعة التي فجرت منزل (محمد علي)، لقد حسمت المعركة لصالح المقاومة وفيها حدثت ملاحم وبطولات… رجف فيها جبل صبر، وتخلص من الدخلاء دفعة واحدة، و رماهم تحت قدميه.
وقد حدثت طرائف لطيفة منها حكاية مقاومة المعزة (بقش)، فعندما فرغ أحد المتارس من المقاومين، حضر ت (المعزة) ترعى حشائش في المترس، ووقفت خلف المترس؛ ظنها الحوثيون مقاوماً، وكلما رفعت رأسها يطلق الحوثيون عليها النار، بينما تعود الماعز لترعى ثم ترفع رأسها، ترعى ثم ترفع، وفي كل مرة يعود الغزاة لضرب النار!
خاضوا معركة مع (بقش) دون أن يتجرأوا على التقدم، فأمامهم قناص محترف لا يضرب النار إلا على دم، أو هكذا خيلت لهم (بقش) ..أعاقتهم من التقدم، بل منعتهم من الفرار   و ساعدت في الهزيمة وعملية الأسر…
“الحاج عبدالرحمن” صاحب المعزة (بقش) وهو يمسح على ظهر ها بعد النصر، يهتف ضاحكاً: “كلنا مقاومة”.
و تحكي  الحجة سلمى لصاحباتها: “اسمعين ..اسمعين حتى (بقش) حق عبدالرحمن قاهي  ( مقاومة)”، و استمرت تحكي القصة باهتمام و تضيف: “شيسلط الله عليهم خلقه الحجر والشجر والبهائم والريح وضعاف خلقه وجنودا لم تروها”!
تم سجن الأسرى في المدرسة القريبة من المنزل المهدوم، بينما وصل (محمدعلي) مباشرة إلى أنقاض منزله الذي عاش فيه أجمل أوقاته، مستعيداً لحظاته الجميلة، هنا كان  مع أهله وأولاده داخل الغرف وفي الديوان الفخم مع أهل القرية طالما فاخر به الآخرون.
وهو هنا أمام المنزل يشرب القهوة في الضحى مع (تفذيحة) قات (صناحفي)، غرق في مشاعر متداخله يضرب كفا على كف، وبدا وكأنه أمام قبر حبيب بروح وليس أطلال لجماد وأحجار!!
بدا  على ملامحه الحزن، فحاول صاحبه (سعيد) أن يخرجه من هذه الحالة قائلاً: “تعال نرى هؤلاء المجرمين وهم مربطين مهزومين، والبيت شيجى غيرها ما دام الكرامة بعافية يا علي”!
— أكيد هذا ما قاتلنا وضحينا من أجله، بس أشتي أعرف يا (سعيد) ليش هؤلاء القرود يفجرون البيوت، والله إنها حريق و قهر هذه أعمال اليهود!
  توجه من بيته التي أصبحت ركاماً إلى الفاعلين وهم أسرى في المدرسة، دخل عليهم والقهر يفيض من بين عينيه، سالهم: الشهداء وعرفنا ليش قتلوا، شتقولون حرب، ولن أسالكم إيش جابكم قريتنا. لا فيها يهود و لا أمريكان و لا داعشي. لكن أشتيكم تقولون لي أمانة ليش تفجروا البيوت؟؟
لم يجيبوا …كانوا مرهقين والانكسار واضحاً…
لوحظ على(محمد علي)  أنه شارد يحدق في الأسرى وكأنه يتفحص شيئاً، ويدبر أمراً ما،  وفجأة  يخرج مسرعاً وهو ما لفت نظر الأستاذ أحمد الذي التفت إلى سعيد قائلا : انتبه مالو صاحبك خرج  بهذه الصورة؟!
شفته خرج مش طبيعي، أخاف تفجير بيته يسيطر  عليه كما يكون راح مضمر شر.
— قصدك شسرح يندي السلاح ….. يقول سعيد.
— أيوه انتبه لو طلعت فكرة تصفية الخبرة،  وبعدين فضيحة وجريمة هذولا أسرى بذمتنا.
سعيد مفزوعاً: أعذب الشيطان يا أحمد!
–أنا أقول احتياط يا سعيد…
يخرج سعيد مسرعاً ويلتقي بصاحبه راجعاً في باب المدرسة
و هو يحمل (جونية) على ظهره.
— (سعيد ) ..مذعورا “مو ذي معك يا محمد..  اعذب الشيطان الرجيم”!
ليرد (محمدعلي):  ما لكش دخل وبعدين اعذب ابليس أنت أما أنا على حق وسأقوم بواجبي”.
— إيش من واجب هذولا أسرى يا محمد.
— أيوه لأنهم أسرى….
تظلم الدنيا في عين سعيد .
— بس.. بس
–لا تبسببسش .يا سعيد…بسباس بعينك!
يلتصق سعيد بصاحبه محاولا إيقافه، قائلا وبفضاله زائدة موبه، موبه الجونية ها؟
محمد علي محتداً:  موبه (مداعس).. ( قحاوف)..(شنابل)..(جزمات).. (أحذية)… موبك جننت بي ويلقي (الجونية) وينثرها أمام الأسرى و الآخرين الذين كانوا قد نهضوا متوجسين!!
تنفس سعيد و أحمد الصعداء فالجونية طلعت فعلا أحذية اشتراها من الدكان المجاور  ! .
–سعيد: لك صرع يصرعك و محمد فجعتنا…
مبتسما بس قلي يا حاج محمد مو ناوي تفتح محل (مداعس)؟  
كان (محمد علي) قد لاحظ ما لم يلاحظه
الآخرون، فقد رأى أن الأسرى حفاة و بلا أحذية.. ويعتقد أن  من المروءة أن لا يبقوا حفاة!
ليوجه حديثه للحضور خذوا، هذه أحذية وزعوها للخبرة كثر الله خيرهم ما قصروش لكن هم الآن ضيوفنا .
كانت مفاجأه من النوع الكبير!
أحمد: والله إنك عظيم و يتقدم الفقي عبده ليقبل رأس محمد، بينما  يبدي الأسرى امتناناَ حذرا.
قال لهم سعيد تعرفون هذا من؟ مشيرا إلى محمد علي 
…. هذا هو صاحب البيت التي فجرتوها .
بدا الاندهاش والحرج لدى بعض الأسرى  …حاول أحدهم أن يتحدث لكنه صمت و لم يكمل.
خاطركم قال ( محمد علي) وانصرف..
أدخل الأسرى إلى غرفة واسعة بينما أخذ (احمد)  و(سعيد) مكانهما بجانب باب الغرفة.
يخيم على الاسرى الصمت والإرهاق يلاحظ  على أحدهم الحزن، وبدا كمن يجفف دمعه…
اقترب منه (أبو حمزة) قائد المجموعة..  هيا يا (أبو أحمد) ما فيك تذكرت الوالدة والا إيش اشتد يا مجاهد ليش تبكي؟!
–أنت تعرفنا يا (أبو حمزة) بس والله لأول مرة أثر عليا موقف صاحب البيت التي فجرناها بدل ما يقتلنا يرحمنا ليش؟  قال نحن( حفاة) ههههه
— سعليك ياذاك ما تكبرهاش هذولا  (دواعش )
— أنا أسال الآن من نقاتل نحن؟ و على إيش نقتل؟ يسخر منه أبو حمزة وآخرون .
..ينفجر أبو أحمد غاضباً و بصوت عال: عيالي اثنين قتلوا و ابن اختي وأبناء أخي ثلاثة وغيري مثلي في كل بيت مأتم،  وهؤلاء الذي نقتلهم و قتلناهم في تعز و إب وعدن على إيش؟!  ماحصلنا لا يهود و لا دواعش …
— أبو حمزة العدوان ..يا أبو احمد ) نقاتل العدوان  الخارجي .
-لا تقل  العدوان،  العدوان نحن نقتل من قبل العدوان و بعده  وحضرنا تعز من قبل العدوان ولو ما قتلنا بعضنا ما جاء العدوان .
و يستمر أبو أحمد وكأنه يعيد حساباته…. في حاجة غلط أنا كل يوم  تزداد قناعتي أنه في حاجة غلط واليوم اقتنعت أننا في المكان الغلط؟ أين اليهود؟ أين الامريكان؟ أين الدواعش الذي يذبحوا؟
هذا الذي قتلنا أهله ودمرنا بيته يحق له يذبحنا من هانا …يشير إلى قفاه، لكننا نجد فيهم رحمة والله ما يهود إلا احنا.. هذا الصدق .
— يتحرك الأسير ( فوزي) ضابط في الحرس الجمهوري من مكانه قليلاً موجها كلامه إلى ( أبو احمد ): هيا مه يا (سيد) يا ( أنصار الله )  فلتين ركبكم؟!
–اسكت والله أنتم السبب و صاحبكم الذي  زاد و رطنا مثل إبليس.
— يتدخا الأسير (حميد) وهو  منتسب آخر في الحرس الجمهوري: أبو أحمد عنده حق، ما قام به صاحب البيت يستحق التوقف… نحن نقاتل أنفسنا.
(فوزي) ساخراً:  ما شاء الله ياحميد.. حتى أنت تتهابل يا (بعكوك)!.
— يستوي (حميد) في جلسته مبدياً غضبه من (فوزي): ما تتهابل إلا أنت يا فندم (فوزي)، خلي عندك شجاعة واعترف بأن الخبرة انتصروا علينا أخلاقياً و لا تخليناش نخرج المخبأ!!
ويستمر (حميد) في الحديث وكانه يلقي بيان ادعاء تاريخي: على إيش ندمر البلاد، ونقتل شعبنا؛ تعرف إيش جرى في ذمار وصعدة وعمران و تعز هؤلاء القتلى أنت عائش أكثر من عشر سنوات في تعز إيش وجدت فيهم؟ كلهم يمنيين على إيش كل هذا القتل على إيش كل هذا الدمار؟
قولوا لي: نحن نعرف على إيش؟ لكن نتعامس وندعمم كل هذا على شأن يحكم (السيد) وإلا (الزعيم) على شان فرد نقتل شعب …  لعنة الله على (الكرسي) مع أن (الزعيم) كان يعرف ويقول “إن الكرسي من نار “!! بس هذه النار لم نكن  نعرف أن وقودها نحن الشعب، و أن نص اليمنيين سيضعوهم وقودا تحت الكرسي، والنص الآخر يقلوهم  فوق  (الكرسي)، و الله إننا في دوامة مع به إلا (قِمر)  –بكسر القاف– نقمر و لا جهنم  يافوزي يا محترم يابو البعاكيك؟
بدا (حميد) حازما ومقنعا في حديثه، ليفرض الصمت بين الأسرى المنهكين نفسياً وجسدياً. 
كان الأسير أبو حسين صاحب شخصية فكاهية و أخذ يقطع الصمت وهو يقول: يا خبرة  أنا أفكر بحاجة بس تدروا ما هي؟ 
أبوحمزة : ما هي قل ما هي و خلصنا مش وقت الزبجة .
— أقووول أنا أفكر كيف (أبوحمزة) بقى يحارب ساعتين  وخاض معركة حامية في وجه (غنمه) معزة  والله (معزة) كيف هزمتنا (معزة) تدروا لو مش (المعزة) كنا هربنا بجلودنا على الأقل، والله إنك خضعي يا ( بوحمزة  ) كيف تصورت لك( المعزة )؟الله لا ألحقك خير  …هزمتنا ( معزة ) يا خبرة.. والله انها خربت هههه
خلااااص..  ارقدوا ارقدوا
_____________________
× (بقش) اسم يطلق على الماعز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى