من المهم قبل الوصول إلى تقييم مسار رحلة الشرق الإسلامي مع الغرب، استعراض تاريخ الغرب ووصوله إلى مبادئ مشتركة للعالم الإنساني الحديث، لكنه عالم ظل منفصلا عن الجنوب ولم يُطبق أخلاقيات التوازن البشري في العالم، بل على مهنا الحبيل
من المهم قبل الوصول إلى تقييم مسار رحلة الشرق الإسلامي مع الغرب، استعراض تاريخ الغرب ووصوله إلى مبادئ مشتركة للعالم الإنساني الحديث، لكنه عالم ظل منفصلا عن الجنوب ولم يُطبق أخلاقيات التوازن البشري في العالم، بل على العكس اعتمد مصالحه المادية ولو على حساب الجنوب العالمي والشرق الإسلامي، عن طريق سياسة حكوماته أو مجمل العملية السياسية في الدول الغربية الحديثة. ولكن على المستوى القُطري وخاصة في أوروبا القديمة، وُلدت حياة سياسية جديدة ومنظومة قوانين وثقافات دستورية للحقوق الوطنية الجامعة، ولم يتحصل هذا الأمر إلا بعد حروب شرسة وعشرات الملايين من الضحايا في تاريخ الأمم الغربية، وقعت في صراع مسيحي، أو دول كاثوليكية.
أكلتها الحرب بناء على أطماع توسع لمملكاتها، والتي ثُبتّت اليوم لكن تحت سيادة القانون الدستوري، والمؤسسة التشريعية، وحيّدت النظام الملكي وأبقته رمزا للوحدة والتراث التاريخي الغربي، فلا تزال المسيحية والازدواجية بين الكنيسة والقصر موجودة، وتعتبر هوية جامعة للسكان الأصليين.
وفي اسكندنافية لم تهدأ هذه الحروب ما بين السويد والنرويج والدنمارك حتى 1905م، بدأت بعدها مهمة الخلوص من ارث الحروب وصناعة الدول الدستورية الحديثة، وأثّر فيهم كثرة ما نزفه الغرب الاسكندنافي من ضحايا وتخلف جراء هذه الصراعات، وهي صراعات تفوق كثيرا عدد ضحايا الحروب الشرسة بين المسلمين، وخاصة لتثبيت استبداد الحكم، منذُ نحيّت العدالة الإسلامية، في دول العهد القديم، حتى الدول القطرية الحديثة بعد سايكس بيكو.
ولقد كان الجواب الذي وردني في كوبنهاجن أو ستوكهولم، متقاربا جدا، من حيث أن العهد الأول لقدوم الجاليات المسلمة، كان محل ترحيب كبير جدا، واحتواء وتقديم للمساعدات وتضامن معهم، وربما استمر الأمر حتى منتصف السبعينيات، ولم يكن ذلك التغيّر في البداية من آثار الحملات الإعلامية على الإسلام والصراعات المختلفة، ولكن كان وفق هذه الشهادة كان بسبب سلوك بعض المسلمين، الذين أساء بعضهم استخدام هذا التعاون، في الخدمات والعلاقات، فتأثر الموقف الإسكندنافي بذلك.
ثم ازدادت التحديات، بعد 2001، والتطورات السلبية والحملات من اليمين المسيحي والاعلام، الذي بلا شك وجد في صورة جماعات التوحش، دليلا مركزيا لاستهداف المسلمين في المهجر، أو تعزيز استهداف الشرق المسلم، الذي كان مرتهنا في تدخلات الغرب الرسمي وحروبه، ومع ذلك ذكر لي بعض شخصيات المجتمع المسلم الاسكندنافي، جملة من المواقف والشخصيات الإيجابية، التي تواصلت وقدمت مواقف جيدة، تجاوز بها المسلمون هذه الظروف بنسبية عالية.
ومن هذه المواقف رفض القس الأكبر في كوبنهاجن، توجه طُرح للحكومة الدنماركية بعد حادثة شارلي ابيدو، لنشر الرسوم المسيئة في المناهج، وهو الاقتراح الأحمق الذي صُرف النظر عنه، بعد موقف القس الأكبر ومسؤولين آخرين، وهو موقف محمود تحول لصالح الدنمارك ذاتها، وكل مواطنيها المسيحيين والمسلمين وغيرهم.
ويقاس على ذلك حملة المجتمع المدني في السويد، بعد هجوم متشددين كتبوا عبارات مشينة على مساجد السويد وألقوا برأس خنزير، وغيرها، قابلتها حملة تضامن تقصد المساجد من مواطني السويد غير المسلمين، وتضع باقات ورد عند أبوابها، وتتواصل مع ممثلي المسلمين هناك للتضامن معهم، فيما دعم بعض الفعاليات السياسية والثقافية حقوقهم الوطنية المدنية.
وذكر لي أحد الشخصيات المرموقة من مسلمي السويد، أن الجالية تجاوزت كثيرا هذه التحديات وربطت جسرا حيويا، مع المؤسسات والشخصيات المختلفة، لكن لا يزال الطريق طويلا لتحولهم إلى جماعة ضغط سياسي لحقوقهم المدنية، ومنبراً لقضايا الشرق المضطهدة من الغرب وغيره.
وهو مشروع يحتاج إلى منهج عملي، وصناعة قدرات وتدريب ذاتي، لمسار المواطنة الدستورية لكل مسلمي الغرب، تنسق بينهم في كونغرس موحد كما هو لدى اليهود وآخرين، ويُتجنب استدعاء امراض الاستبداد والشارع العربي، ثم تجدول مهمات دعم قضايا الأمة ومضطهديها، بمنابر فاعلة، لا ردود فعل عاطفية مضطربة، قد تحصد من الخسائر ما لا تُطيقه.