البدائية الحوثية وصواريخ الردع البالستية
صُممت منظومات الصواريخ البالستية وأسلحة الردع بشكل عام كاستجابة فعلية مباشرة للعمل على حل مشاكل الصراع بهدف إيقاف وقوع مخاطر أو أعمال هجومية محتملة عن طريق “فكرة الردع” أي باستغلال القوة المحتملة دون استعمالها، ولهذا صُممت أسلحة الردع للتهديد، وما إن يتم استعمالها تفقد أهميتها ووظيفتها، اذ أنّ أسلحة الردع معنية في الدرجة الأساسية باستغلالها عبر التهديد وليس باستعمالها. يمن مونيتور/ خاص/ من هشام المسوري
صُممت منظومات الصواريخ البالستية وأسلحة الردع بشكل عام كاستجابة فعلية مباشرة للعمل على حل مشاكل الصراع بهدف إيقاف وقوع مخاطر أو أعمال هجومية محتملة عن طريق “فكرة الردع” أي باستغلال القوة المحتملة دون استعمالها، ولهذا صُممت أسلحة الردع للتهديد، وما إن يتم استعمالها تفقد أهميتها ووظيفتها، اذ أنّ أسلحة الردع معنية في الدرجة الأساسية باستغلالها عبر التهديد وليس باستعمالها.
منظومة صواريخ الردع البالستية التي كانت بحوزة الحكومة اليمنية، مثّلت بحد ذاتها وسيلة ردع وإقناع أمام أي عدو محتمل بتجنب القيام بأي نشاطات معينة تهدد مصالح اليمن، إلا أن الاختراق الذي حققته المليشيات الحوثية لمنظومة الجيش اليمني وأنظمة الصواريخ البالستية، أغرى المليشيات الحوثية وجعلها تصدر تلويحات مباشرة باستعمال تلك الصواريخ في إطار استهداف المملكة العربية السعودية، مدفوعة في اصدار تلك التلويحات بتعريفها للسعودية كـ”عدو خالص”، تنطلق في تعريفها هذا من منظور متعارض بشكل كامل مع مصالح اليمن كدولة ومع السعودية كدولة مؤثرة ناهيك عن كونها دولة جارة، وهذا المنظور يرتكز على أبعاد طائفية وعدائية وسياسية من حيث ارتباط الحركة الحوثية بالمشروع الإيراني التوسعي والمنافس لمصالح المنطقة العربية وللمملكة العربية السعودية بشكل خاص.
هذه الأبعاد التي يرتكز عليها منظور الحركة الحوثية للعلاقات مع السعودية، أثّر على مفهومها للحرب، فهي تعتبرها حرباً خالصة حتى الموت، وبذلك تقصي خيارات أخرى أخف وطأة، مثل مفاهيم الحرب المحدودة، والتفاوض قبل الحرب، وهي مفاهيم لها علاقة بالمصالح المشتركة والاعتماد المتبادل.
تعامل الحركة الحوثية مع السعودية والخليج بهذا الشكل القائم على منطق العدو الخالص، أثّر على سلوك المليشيات الحوثية ودفع بها نحو التلويح باستعمال صواريخ الردع البالستية ضد مصالح وأمن المملكة، وكوْن المليشيات الحوثية تفتقد لفهم ديناميكية الصراع وأفكار الردع والعلوم العسكرية الحديثة، أخذت في إيصال رسائل متتالية للسعودية بإمكانية استعمال هذا النوع من الأسلحة الرادعة قبل أن تنطلق عمليات التحالف العربي لاستعادة الشرعية وحماية أمن الخليج، الأمر الذي ساهم في تسريع ذهاب السعودية نحو القيام بهجوم مفاجئ، لأن هذه التهديدات المتكررة عززت قناعة المملكة من عدم جدوى التعامل بمنطق المساومة مع مليشيات منفلتة وغير منضبطة تفتقر لوجود منظومة قانونية، وبالتالي باتت المملكة تدرك أن تلك التهديدات تدخل ضمن أنواع الانتقام الشامل من مصالحها وأمنها القومي، تطلب ذلك منها تحركاً عسكرياً سريعاً على شكل هجوم مفاجئ يتيح لها توجيه ضربة شاملة لمصادر الخطر المحتمل بحيث عطلت إمكانية تلك الصواريخ في تنفيذ تصديق تهديدات الحوثي وبالتالي أصبحت تلك الصواريخ البالستية معطّلة فنياً بعد أن فقدت مهمتها ووظيفتها الأساسية في التهديد عندما تم استعمالها، بل إنها فشلت حتى في الوصول إلى أهداف عشوائية داخل الجغرافيا السعودية بفعل وجود منظومة الباتريوت الدفاعية.
هذا ما لم يخطر على بال المليشيات الحوثية كونها تتعامل بعقلية بدائية تحجب عنها فهم واستيعاب ديناميكيات الصراع، فضلاً عن كونها مليشيات منفلتة أقرب إلى عصابات الابتزاز التي تفتقر للتعامل بمنطق استراتيجيات الصراع والعلوم السياسية والعسكرية، إلى جانب عدم إدراك منها لفكرة الردع وكان هذا يتطلب امتلاكها مهارات عدم استعمال هذا النوع من الصواريخ البالستية، إلا أن عوامل انعدام الأفق السياسي وضمور المسئولية وانحسار فهم هذه المليشيات للتعامل في إطار المصالح المشتركة والاعتماد المتبادل مع الخليج والسعودية بشكل خاص، لم تساعد المليشيات الحوثية في صقل مهارات استغلال القوة قبل استعمالها، وهذه نتيجة لانعدام العقلانية في السلوك الحوثي وحضور اللا عقلانية بوصفها منظومة تأثيرات عشوائية وقيم فوضوية وحسابات خاطئة، وعدم قدرة على فهم السياسات ولغة المصالح المتبادلة.