آراء ومواقف

اليمن: تعدّدَ المتباكون والتكاذب واحد

صبحي حديدي

ليس طريفاً، بل هو مظهر فاقع من ابتذال المأساة، أن يعرب سفراء أمريكا وبريطانيا والسعودية والإمارات في اليمن عن «القلق» إزاء تدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في ذلك البلد المعذّب؛ ولولا اجتماع هؤلاء في الرياض، فإنّ الملهاة كانت ستكتمل أكثر بانضمام السفير الإيراني إلى الجوقة إياها.

عبد الملك الحوثي اختزل آلام اليمن إلى تشديد على أنّ جماعته ستكون حاضرة «للتكامل مع كلّ أحرار أمتنا في قضاياها الكبرى»؛ ولعل الأمين العام لـ«حزب الله» لم يغب عن مواكب الندب إلا لانشغاله بتوزيع صهاريج المازوت الإيراني على محطات «الأمانة».

من جانبه سارع عيدروس الزبيدي، رئيس ما يُسمى بـ»المجلس الانتقالي الجنوبي» ذراع الإمارات في المحافظات الجنوبية، إلى إعلان حالة الطوارئ؛ وعين أولى في هذا القرار تنظر بقلق إلى اتساع دائرة الاحتجاجات الشعبية ضدّ تدهور الأوضاع المعيشية وانحطاط الخدمات وملامسة الريال حافة الـ1000 مقابل الدولار، وعين ثانية ترقب المكاسب التي تحرزها القوات الحوثية على مقربة من أبين وشبوة.

ولأنّ القلق علامة تجارية مسجلة باسم الأمم المتحدة وكبار مسؤوليها، فقد أدلى بدلوه ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام، معلناً هذه الاكتشافات الفريدة:

«الوضع الإنساني في اليمن متدهور، والقتال في مأرب يدفع مزيداً من المدنيين الى النزوح»، و«الاقتصاد اليمني على وشك الانهيار»، و«الريال انخفضت قيمته بأكثر من 80% منذ بداية الأزمة»، و«إجمالي عدد النازحين الجدد في محافظة مأرب «ارتفع إلى أكثر من 27 ألفاً منذ بداية العام».

وهذه ليست أقلّ من مشاركة، على الطريقة الأممية، في طقوس التباكي على اليمن وأهله؛ إذْ ما الذي في وسع الهيئة الدولية أن تفعله أكثر من الانخراط في الطقس إياه!

الغائب، سواء لُحظ غيابه أم لم يتنبه إليه أحد أو يكترث به، هو إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن؛ نفسه الذي، في فبراير الماضي، استفاق على مأساة اليمن في أوّل خطاب له حول السياسة الخارجية للولايات المتحدة ما بعد دونالد ترامب.

يومها ذكّر بأنّ «النزاع» في ذلك البلد تسبب في مقتل 10,000 يمني، وشرّد ثمانية ملايين، و»خلق كارثة إنسانية وستراتيجية»، و«لا بدّ لهذه الحرب من أن تنتهي».

كيف، في الخطوة الأمريكية الأولى؟ إنهاء «جميع عمليات الدعم الهجومي للحرب في اليمن، بما في ذلك مبيعات الأسلحة ذات الصلة».

ضحايا ّالنزاع ذاك ازدادوا بالآلاف، ومثلهم ازدادت أعداد المشردين والمهجرين والمرضى والجوعى والعطشى، أطفالاً في المقام الأوّل؛ ولم تعد أمراض مثل سوء التغذية والكوليرا هي وحدها الفتاكة، بل وفدت أيضاً جائحة كوفيد-19، فتكسرت الأوبئة على أوبئة!

وليست احتجاجات هذه الأيام، في عدن وكريتر والتواهي والمنصورة والمكلا وسواها من قرى بلدات ومدن الجنوب اليمني، سوى استئناف لموجات احتجاج اجتماعية مماثلة تصاعدت في مارس وأبريل من هذا العام؛ أو هي، بالأحرى، لا تتوقف زمناً قصيراً إلا كي تندلع من جديد، أوسع نطاقاً وأوضح مطالباً.

وليس مستغرباً، إلى هذا، أنّ أطراف الصراع المسلّح على الأرض، والجهات التي تساندهم إقليمياً، ليسوا في حال من التفاعل مع المطالب الشعبية المشروعة، بل العكس هو الصحيح إذْ يُنظر إليها من الزاوية التقليدية الشائعة: اندساس وشغب ومؤامرات خارجية.

والطبيعي المنطقي، في المقابل، أن تكون مجموعات مثل «المجلس الأعلى للحراك الثوري الجنوبي» هي الداعمة للاحتجاجات الشعبية، لأنها ببساطة وريثة عقود من انتفاضات الجنوب المطلبية.

ولا عجب أنّ مشهد هذه الأيام في اليمن يعجّ بالمتباكين على حال البلد واقتصاده وأوبئته ومجاعاته وصراعاته، وأنّ هؤلاء تتعدّد أصنافهم وولاءاتهم وتابعياتهم وخطاباتهم، وأمّا الثابت المشترك بينهم فهو التزاحم على أيّهم أمهر نفاقاً وأكثر تكاذباً؛ والتنافس هنا محتدم وشرس، غنيّ عن القول!

* صبحي حديدي كاتب سوري مقيم بباريس

المصدر | القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى