كتابات خاصة

اليمن حرب تلد أخرى!

*عبدالوهاب العمراني

في كتابه (حرب تلِد أخرى) يعزى الكاتب العراقي سعد البزاز حرب الكويت التي قضت على البوابة الشرقية للوطن العربي بأنها نتاج وإفرازات الحرب العراقية الإيرانية المتقاطعة مع (نظرية المؤامرة) في بيئة عربية متآمرة أيضاً فحصل ما حصل. في كتابه (حرب تلِد أخرى) يعزى الكاتب العراقي سعد البزاز حرب الكويت التي قضت على البوابة الشرقية للوطن العربي بأنها نتاج وإفرازات الحرب العراقية الإيرانية المتقاطعة مع (نظرية المؤامرة) في بيئة عربية متآمرة أيضاً فحصل ما حصل.
الحال يختلف بداهة عن الحرب الدائرة في اليمن لأن الستة الحروب السابقة التي شنها الرئيس السابق على الحوثيين كانت حرب تحريك وليس تحرير، وكانت تعكس صراع على اجنحة السلطة آنذاك.
اللافت أن العشق المحرم بين طرفي الحرب المحليين اليوم يعكس انتهازية مفضوحة فـ”صالح” برجماتي ينحني للعاصفة وقت الحاجة وتحول من عداء إيران إلى داعم لأجندتها، وفي المقابل الحوثي تناسى سلسلة الحروب والتي قتل في الحرب الأولى اخوه حسين، وبدلاً من الثأر ضد صالح تحالف معه، فتخلى عن العقيدة والمبادئ التي يتشدق بها لانتهازية سياسية لأنه أعجز من أن يستولى على الحكم فتحالف الأخوة الأعداء فأنتجت حرباً ضروساً، وعليه وبداهة فأن مسوغات الحرب هي داخلية أكثر منها عامل خارجي، والذي هو مجرد تحصيل حاصل ليس إلا!
إجمالاً إخفاقات ثورات الربيع العربي تعددت الأسباب والمألات واحدة، وقد تختلف فقط في بعض مفردات تفاصيل تلك التطورات، فالعراق بعد سلسلة حروب منذ مطلع الثمانينات وحصار جائر لنحو ثلاثة عشر عاماً، أفرز حالة من المعاناة واحتقان طائفي لقى دعماً وتأمراً خارجياً انتهى بسقوط بغداد، ومن هنا فالحالة العراقية شبه مزمنة، وهو الأمر نفسه في سوريا وليبيا.
في اليمن، ماذا نتوقع من ثلاثة عقود من فساد الطبقة الحاكمة بتحالف (العسكرتارية) مع المؤسسة القبلية والإسلام السياسي بشقيه مرة منذ مطلع التسعينيات بين شركاء الوحدة التي وأدت بيد صانعيها، ومؤخراً مع الشق الثاني للإسلام السياسي في اليمن انتهى بسقوط صنعاء بتأمر (الطُغمة) الحاكمة بما فيها هادي نفسه.
 فبعد حروب نظام صالح بدأ بشركاء الوحدة، وأنتجت حراكاً مِزمناً، وانتهاء بهذه الحرب مروراً بسلسلة حروب صعدة، كل هذه ومع الفساد والحالة الاقتصادية وديماغوجية نظامه أفضى بداهة  لماحاكاة رياح الربيع العربي في نسخته اليمنية فقذفت الأقدار بالرئيس هادي لسدة الحكم  بتزكية ممن يفترض أن الثورة قامت ضده وسماه حينها باليد (الأمينة)، فانسحب زعيم الفساد من السلطة شكلياً وظل يمارس التسلط وغدا المؤتمر مسمار جحا وكأنه صانع المعجزات وتحول من حزب السلطة لحزب التسلط وبقى هادي يمارس الحكم وكأنه لازال نائباً له ، فتداخلت ضعف وعدم كاريزما هادي بهوس سلطة سلفه فأفرزت مرحلة انتقالية مُسخ كانت المبادرة الخليجية تحمل بذور فنائها في طياتها وما بنى على باطل كان بالضرورة باطلاً أيضاً، فاستغلت ميليشيا الحوثي كل هذه التناقضات بالصعود على خلفية أطماع إقليمية إيرانية وطموح المخلوع للعودة للحكم بفرض ابنه وكان ذلك من ضمن الاتفاقات السرية بين أطراف إقليمية و”صالح”.
كل ذلك كان تهيئة لولوج اليمن لمرحلة أخطر وأكثر عنفاً بعد أن شعر الإقليم بخطورة الوضع في اليمن ولكن بعد فوات الأوان لأن “آل سعود” بعد رحيل من كان يهتم بالملف اليمني الثنائي (السديري سلطان ونايف) ظل الملك عبد الله يركز على قضايا ثانوية لا تهم أمنهم القومي كدعم الانقلاب في مصر والتدخل في سوريا مع أن اليمن فعلياً هي خاصرتهم ومحور أمن الجزيرة القومي، وأتيحت فرصة للسديري الثالث (سلمان) الذي استلم المُلك غداة وفاة اخيه الملك عبدالله وتقيض متأخراً لمألات الأحداث في اليمن بعد سقوط صنعاء ببضعة أشهر متزامناً مع تطورات داخلية (استقالة هادي ونائبه) وعلى خلفية  توسع الحوثيين على مساحات واسعة بفرض منطق القوة والأمر، كل تلك التطورات الداخلية والإقليمية كانت بداهة تحصيل حاصل وإفراز طبيعي لاحتقانات وتناقضات يمنية خلال سنوات الربيع العربي التي سبقت يوم 26 مارس يوم انطلاق ما يسمى “عاصفة الحزم” لقوات التحالف العربي.
فالأحداث تتلاحق بصورة درامية مؤسفة وهي تحصيل حاصل فحرب تلد أخرى بالفعل.
تحالف الانقلاب في صنعاء كان كثير من اليمنيين يدركون ويشعرون به لتماهي الخطاب (الحوثي الصالحي) كان ذلك قبل نحو عام من سقوط صنعاء، ولكن بات جلياً لعامة اليمنيين في منتصف العام 2014م وأصبح بحكم المؤكد غداة سقوط صنعاء.
اليوم وبعد نحو عشره أشهر من الحرب التي أشعلها تناقضات الداخل اليمني يبدو شرخاً يتسع كل يوم بين هذا التحالف فبينما يحرص الحوثيون على دور سياسي ولو بسيط في مستقبل اليمن وهو فقط يرمي لحماية أنفسهم مستقبلاً فهذه الحرب الضروس ليست خلاف سياسي حتى يحل سياسياً لمجرد الجلوس على طاولة المفاوضات كي يعودوا للمشهد السياسي وكأن شيئاً لم يكن، فبعد 21 سبتمبر ليس كما بعده، وبعد اندلاع الحرب في مارس ليس كما بعدها..
فلا يعقل منطقياً القبول بمن عبث باليمن لثلث قرن وكذا لمن قفز على الاجماع بانقلاب على مخرجات الحوار أن يفرض شروطه، فبعد تشريد أكثر من مليونين يمني وخسر عدد مقارب لأعمالهم وقتل آلاف وجرح بضعة آلاف آخرين، وهُدمت بيوت وملكيات عامة، وبعد ذلك يدعون لحوار ويعود الحوثيين بحجمهم فحتى لو تركوا السلاح وحجمهم الطبيعي 5% أي ربع مكون آزال فهذا كان مقبولا قبل سقوط صنعاء ولم يعد أمرا مستساغا بعد نحو عام من الحرب.
والرأي العام اليمني غدا يدرك أكثر من أي وقت مضى بأنه في حال استمرار ما سُمى بالحوار بين أطراف الحرب في اليمن أي الانقلابيين والشرعية بنفس الأسلوب والديماغوجية والتدليس وكذا في ظل عدم الشفافية والضبابية فإنها ستلقى مصير لقاء جنيف الأول والثاني، وسيعطي مبرراً لضرورة الحسم العسكري، لان طرفي الحرب يميلون لهذه الرؤية أي إقصاء الآخر، وهو الأمثل بالنظر للمسوغات السابقة، فلا حل لليمن إلا بتحريرها عسكرياً بدليل فشل كل تلك المباحثات.
الم يصرح الزعيم بأن الحرب لم تبدأ بعد، والم يصرح سيد الحوثيين بأنهم سيحاربون إلى يوم القيامة؟!
انتهت زيارة المبعوث الأممي ولد الشيخ بإعلان تأجيل الحوار بين الأطراف لأجل غير مسمى وهذا بحد ذاته مؤشر للفشل ويعكس تباين بين أطراف الانقلاب فبينما يعمل الرئيس السابق على إفشال أي مفاوضات لا يكون طرفا رئيسيا فيها، فإن حلفاءه الحوثيون يريدون السير في المفاوضات مهما كانت نتيجتها لقطع الطريق أمام الحسم العسكري الذي سيكون لصالح الطرف الآخر، المدعوم من قبل قوات التحالف.
لقد بدا من الواضح في المحادثات الأخيرة ذلك الشرخ في علاقة طرفي الانقلاب وما تسرب من رغبة جامحة لدى ممثلي صالح في بحث خروج آمن له في مقابل تنازلات من بينها الاستعداد لفك الارتباط بميليشيا الحوثي.
——-
*دبلوماسي وسفير في الخارجية اليمنية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى