حتى العنب.. ينزف في اليمن
يمن مونيتور/الأناضول
ككل شيء في ما كان يُعرف بـ”اليمن السعيد”، يعاني مزارعو العنب من تداعيات حرب مستمرة منذ نحو 7 سنوات، ما أثر سلبا على هذه الفاكهة، التي كانت تنتظرها أسواق الداخل وأخرى خارجية.
“عنب اليمن” كان له 40 صنفا، تقلصت حاليا إلى حوالي 20، وأكثرها شهرة وشيوعا ثلاثة أنواع، هي “الرازقي” ذو اللون الأبيض، وهو الأجود على الإطلاق، و”العاصمي” نسبة لزراعته في ضواحي العاصمة صنعاء (شمال)، إضافة إلى “الأسود والأحمر”.
لكن هذه الزراعة العريقة في اليمن تتأثر منذ سنوات بسبب وضع البلد وأزماته العصيبة، التي لا تكاد تنتهي حتى تبدأ من جديد، إذ بات ينزف هو الآخر مع تعرضه للعطش وضعف رعايته وفقدانه مساحات واسعة.
كما أدت أزمة شح الوقود إلى عجز المزارع عن ري العنب، إضافة إلى غياب المبيدات الفاعلة في الأسواق اليمنية، حيث طغت عليها منتجات مستوردة ومهربة بلا ضمانة ولا رقابة ولا فاعلية.
ويستمر موسم حصاد العنب في البلاد بين يوليو/تموز ونوفمبر/تشرين الثاني من كل عام.
** شح الوقود
على مشارف صنعاء، وفي منطقة بني حشيش الشهيرة بزراعة العنب، التقى مراسل الأناضول مع عوض العزب، وهو يزرع هذه الفاكهة.
وقال “العزب” للأناضول إن “الوضع الحالي للبلاد أعاق المزارع من التصدير إلى المدن الأخرى، مثل عدن (جنوب)؛ بسبب ارتفاع أجور النقل وغلاء المشتقات النفطية، ما يفقدنا ثلث قيمة العنب في تلك الأجور ونفقات السفر الطويل، مما جعل المزارع في عناء”.
وتابع: “كما يبدو فإن شجرة العنب بدأت تقل وقد تنقرض؛ بسبب زيادة النفقات وعدم توفر المشتقات النفطية، سواء للري أو النقل، وكذلك عدم توفر المبيدات الفعالة، والتي حل محلها في الأسواق المواد المزيفة”.
** 163 ألف طن
وبحسب تقارير سابقة صادرة عن الاتحاد التعاوني الزراعي التابع لوزارة الزراعة، فإن اليمن ينتج من العنب ما يزيد عن 163 ألف طن سنويا.
وتفيد إحصاءات بأن زراعة العنب تحتل المركز الأول بين مختلف أصناف الفاكهة في اليمن، إذ يبلغ متوسط المساحة المزروعة به نحو 35 بالمئة من إجمالي المساحة المزروعة بالفاكهة.
ويُزرع العنب في المناطق ذات الطقس البارد المعتدل، ومنها المناطق المحيطة بمدينة صنعاء، وبينها بني حشيش (30 كم شرق صنعاء) وهي من أخصب مناطق زراعته.
وكذلك مناطق بني الحارث، ووادي ظهر (شمال صنعاء)، ومحافظة صعدة (شمال)، ومنطقة خولان (جنوب شرق)، وتستحوذ صنعاء وحدها على 80 بالمئة من زراعة العنب.
ومنذ سبتمبر/ أيلول 2014، تسيطر جماعة الحوثي، المدعومة من إيران، على محافظات يمنية، بينها صنعاء، ما أشعل حربا مستمرة مع القوات الحكومة، المدعومة منذ مارس/ آذار 2015 بتحالف عسكري، تقوده الجارة السعودية.
** القات والعمران
وقال عبد المجيد الإهجري، مواطن يمني، إن “العنب اليمني يعتبر من أفضل وأجود أنواع الأعناب في العالم؛ نتيجة ما أظهره المزارع اليمني من قدرة على العناية بها والاهتمام بشجرتها، وكذلك لأنه لا يحتوي على مواد كيماوية أو عملية تهجين.. العنب اليمني يؤكل كما خلقه الله”.
واستدرك “الإهجري” قائلا للأناضول إن “الحرب والأزمة التي نمر بها أثرت تأثيرا جذريا على الجميع، بمن فيهم المزارع”.
وأوضح أن “هناك من المزارعين من قد انتهى ولم يعد لديه شي (أرض مزروع بالعنب) وآخرين تقلصت زراعتهم من زراعة 100 لبنة (البنة الواحدة تساوي 44.4 متر) إلى 50 لبنة، ولا يزالون في حاله كفاح مستمر”.
وتابع: كذلك مع الزحف العمراني، باع مزارعون كثيرون أراضيهم (لبناء مساكن)؛ بسبب الكثافة السكانية المتزايدة، بالإضافة إلى تضاعف نفقات وخسائر زراع العنب، وعدم تحقيق عائد مرض، ما أدى إلى عزوف كبير ومخيف من أرباب زراعة هذه الفاكهة.
وفي عام 1996، بلغت المساحة المزروعة بالعنب في اليمن نحو 21 ألفا و209 هكتارات (الهكتار يساوي 10 آلاف متر مربع)، لكنها تراجعت إلى النصف جراء بناء العقارات السكنية وتزايد الجفاف وشح المياه، وفي وزارة الزراعة.
واستطرد: “كما أن هناك إهمال من جانب الحكومة في استصلاح المساحات الشاسعة، ومساعدة المزارع في توفير احتياجات زراعته من مبيدات وأسمدة وغيرها وكذلك عمل السدود المائية، لغرض تعزيز صمود هذه الفاكهة أمام تحديات توسع شجرة القات (مخدر)”.
واختتم “العزب” حديثه بدعوة كل من وزارة الزراعة والمنظمات المعنية إلى ضرورة “دعم المزارع للاستمرار في زراعة العنب، هناك مزارعون حولوا زراعتهم من العنب إلى شجرة القات، التي تنتج عدة مرات في العام وتُكسب المزارع أكثر، بينما العنب يُحصد مرة واحدة سنويا”.
وأودت الحرب في اليمن بحياة أكثر من 233 ألف شخص، وبات 80 بالمئة من سكانه، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على المساعدات، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.