آراء ومواقف

النظام السياسي العربي ومسألة الولاء

شفيق الغبرا

تثار مع كل أزمة عربية مسألة ولاء الأفراد وفئات المجتمع من الطوائف والقبائل لقرارات حكوماتهم وأنظمتهم، يقع هذا دون الأخذ بعين الاعتبار تثار مع كل أزمة عربية مسألة ولاء الأفراد وفئات المجتمع من الطوائف والقبائل لقرارات حكوماتهم وأنظمتهم، يقع هذا دون الأخذ بعين الاعتبار بأن قرارات كل حكومة وسلطة تحتمل الصواب والخطأ، ففي القرارات المصيرية حربا أو سلما قد تميل كفة الناس بهذا الاتجاه أو ذاك وبنسب مختلفة. فمنذ زمن طويل لم تعد المجتمعات تجمع، إلا في القليل من المسائل، على سياسة ذلك لأنها أكثر تعددا واختلافا عما كانت عليه في السابق.
ومنذ بدء الحرب ضد داعش والحرب قبلها ضد تيار الاخوان المسلمين وحرب اليمن بكل أبعادها سرعان ما طرحت قضية الولاء، بل وتطرح عند بروز حراك سياسي أو ثورة أو إرهاب أو قرارات حكومية نهائية.
ويزداد الأمر تعقيدا وتداخلا إن كانت الحركة السياسية أو الإرهاب تحتوي على أعضاء من طائفة أو من قبيلة أو من عائلة ممتدة من المواطنين.
في هذا يكون المواطن، وليس حكومته دائما في خانة الاتهام. ففي بلادنا تضع السلطات، عبر مسألة الولاء، الضغط المضاعف على الأفراد والمثقفين والكتاب والمهن.
وقلما يسأل السؤال الآخر: لمن يجب أن يكون ولاء المواطن؟ هل يكون ولاؤه للدولة بصفتها الوطن أم للسلطة السياسية بصفتها نظام سياسي يحتمل الصواب والخطأ؟ سؤال قلما يسأل في المناخ العربي الذي يسيطر فيه النظام السياسي على الدولة والشعب وقلما يستمع لرأي مخالف. لكن من جهة أخرى: هل النظام السياسي يحمل ولاء حقيقي للوطن يشبه ولاء المواطن لذات الوطن؟ من هو الذي يعيش حالة الشك المواطن الذي لا يملك قوة أو نفوذا وتأثيرا ولا يخط سياسة ولا يعتمد على مجتمع مدني مؤثر ولا يقرر شؤون الهجرة والدفاع والاقتصاد والتعليم أم النظام السياسي الذي يملك المال والقدرات والأجهزة ويتخد كل القرارات التي قد تدمر الدولة وقد ترهن الوطن/ الدولة للعالم الخارجي؟ لننظر في الحالة السياسية العراقية والسورية لنرى كيف يمكن للنظام ان يكون ضد الدولة والوطن.
هناك فوارق يجب توضيحها بين الدولة بشكلها الأوسع وبين النظام السياسي بشكله المحدد. فالدولة إطار يحوي الناس والالوان والفئات، لكن النظام السياسي آلية تشغيل يمكن أن تتبدل بتبدل الأيام والاحوال. في الغرب وصلوا لطريق سلمي لتغير هذا المحرك الذي يسمى النظام السياسي عبر آليات انتخابية دورية. أما في الشرق العربي فمازلنا نخشى من تغير النظام السياسي، فقلما يقع التغير إلا عبر الانقلاب أو الثورة أو العنف أو الانهيار البطيء. وفي النتيجة يصبح كل نظام سياسي في حالة خوف من أعداء بسبب انتزاع مكانه في السلطة من خلال القوة وليس الانتخاب. في هذا المجال يشعر النظام السياسي أو جزء فعال منه بأن المواطن النشط هم العدو الحقيقي. هكذا تموت التنمية وتتعاظم آليات القمع والملاحقة التي تقوي السلطة في المدى المنظور وتدمر الدولة في المدى البعيد.
الأصح أن يكون ولاء الناس في المجتمع أولا لأوطانهم ولأنفسهم ولحقيقتهم، وأن تخشى السلطة من ضعف الاليات الديمقراطية. فكل الانظمة التي طلبت الولاء السياسي كشرط رئيسي للمنافع والفوائد والأمن مقابل مصادرة الحرية والحقوق والتمثيل الحقيقي، فاجأها التاريخ كما حصل في أوروبا الشرقية أو كما حصل في الثورات العربية ومعظم دول العالم. ففي الدول الأكثر ديمقراطية أصبح الولاء الأهم هو ذلك الذي يحمله النظام السياسي لبرنامجه ولسياساته وللمواطن وللدولة بصفتهما الأوسع.
لقد تحولت قضية الولاء في العالم العربي لمحاكم تفتيش، والمقصود في ذلك ابتزاز من يختلف مع النظام السياسي في النهج والقرار وذلك بهدف إبقاء السلطة في يد جناح أو فئة أو مجموعة عسكرية دون التزام بانتخابات دورية وقواعد شعبية وفصل سلطات وحريات وحقوق ونزاهة. يجب قلب قضية الولاء رأسا على عقب ليصبح السؤال: مدى ولاء النظام السياسي لبرنامجه ولوعوده لمواطنيه ولشعبه. لو حصل ذلك لما شكك احد بولاء الأفراد والمواطنين.
الوطن القطرية 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى