ارتبط مصير الحضارة اليمنية ازدهارا وانهيارا بمدى قدرة الدولة والنظام السياسي باستثمار موقعها واستغلال موضعها الجغرافي، فاليمن من خلال ساحلها الغربي والجنوبي، وامتدادها على عدة واجهات مائية هي البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي الذي تشرف منه على المحيط الهندي، جعلها من أكثر الدول اتصالاً بالعالم، وأتاح لها أهمية خاصة على خطوط التجارة الدولية بين عالم المحيط الهندي ودول حوض البحر المتوسط. اليمن بوابة الشرق ونافذة الغرب
ارتبط مصير الحضارة اليمنية ازدهارا وانهيارا بمدى قدرة الدولة والنظام السياسي باستثمار موقعها واستغلال موضعها الجغرافي، فاليمن من خلال ساحلها الغربي والجنوبي، وامتدادها على عدة واجهات مائية هي البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي الذي تشرف منه على المحيط الهندي، جعلها من أكثر الدول اتصالاً بالعالم، وأتاح لها أهمية خاصة على خطوط التجارة الدولية بين عالم المحيط الهندي ودول حوض البحر المتوسط.
ضاعف من هذه الأهمية سيطرتها على مضيق باب المندب مفتاح البحر الأحمر الممر العالمي الحساس منذ القدم، الذي يعد (همزة الوصل الملاحية بين الشرق والغرب كما هو وسيلة نقل مثلى للنقل التجاري من الشرق إلى الغرب ثم من الغرب إلى الشرق وأخيراً للنقل المتوازي في الاتجاهين.
فالموقع المتوسط الحاكم والقابض على شرايين التجارة هيأ لليمن وعبر موانيها في الساحل الغربي والجنوبي، وجزرها المنتشرة والمنتصبة في البحار كنقاط مراقبة لسير الأساطيل في أوقات السلم والحرب، مكانة جاذبة بين كل من آسيا وأوروبا وأفريقيا، كما أن (تعرج سواحلها ساهم في ظهور عدد من الموانئ التي اتاحت للدولة امكانية الانفتاح الاقتصادي والسياسي وتقوية علاقاتها الاقليمية والدولية).
زادت من وزن اليمن وثقلها من الناحية الجيبولوتيكية، والجيوإستراتيجية في السياسة الدولية، وأهمية في العلاقات الخارجية، و(جعلها تمتلك بشكل مباشر حصة تدخل في صياغة قيمة الموقع الحاكم للوطن العربي، تمنح أي حكومة مسيطرة عليه استغلاله اقتصاديا بما يعود بالنفع على حياة البلد، ولأجل هذه الأهمية يرتسم أمامنا على طول خط التاريخ منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام اهتمام القوى الدولية بموقع اليمن الجغرافي.
مدى أهميته بالنسبة للدول والإمبراطوريات
تكررت طوال عهود التاريخ محاولة السيطرة على الموقع من قبل العديد من القوى الإمبراطورية منذ الفراعنة والإغريق والرومان، والفرس والأحباش …الخ وليس انتهاءً بالعثمانيين والبريطانيين.
فما من قوة صاعدة على المسرح الدولي تحاول التوسع والتأثير سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، في شرق العالم وغربه إلا وسعت كي تجد لها موطئ قدم على السواحل اليمنية، وتتضاعف أهمية دور الموقع لليمن في إشرافها على مضيق باب المندب الذي يتيح لها التحكم في حركة المرور بين (عالم المحيط الهندي وشرقي آسيا وعالم المحيط الأطلسي الأوروبي والأمريكي).
فعبر مضيق باب المندب الذي تسيطر عليه اليمن، وتتحكم فيه من خلال جزيرة ميون الواقعة في مياهها الاقليمية يمر أكثر من 21000 سفينة في العام الواحد، وأكثر من أربعة ملايين طن من النفط الخام القادم من الخليج وإيران نحو بلدان البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي.
فمن خلال سواحل اليمن يمكن تطويق إيران من الجنوب والتمدد نحو أعماق العالم الإسلامي في الشرق، والانطلاق إلى شرق القارة الإفريقية، والتوسع في بقية شبه الجزيرة العربية، فحين احتل العثمانيون اليمن في القرن السادس عشر امتلكوا (موطئ صالح للوثوب على البحرية البرتغالية في البحار الشرقية، وتطويق أعدائهم الشيعة الصفويين في إيران من الجنوب وتحقيق أحلامهم بمد سيطرتهم شرقاً إلى أقاصي العالم الإسلامي.
فالسواحل التي تملكها اليمن تتيح استغلالها لأي حكومة وطنية في البلد، تحقيق أهداف متعددة – بطريقة مباشرة أو غير مباشرة – في قارات ومحيطات وبحار مختلفة.
غير أن هذا الدور الإيجابي مرهون بمدى الإرادة والقدرة على صيانة استقلاله، وكفاءة الإدارة في استثماره واستغلاله، إذ أن عناصر القوة في أوقات الضعف أو الفشل – وما أكثرها في تاريخ اليمن – تتحول إلى عبء يهدد استقلال البلاد، ويغري القوى الكبرى بالسيطرة عليه والاستفادة من إمكاناته في تحقيق أهدافها اقتصاديا وعسكرياً.