(تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟
يمن مونيتور/ وحدة التحقيقات/ خاص::
**حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل اليدوية.
**إذ ما يزال “ملف الخلافات” على مكتب زعيم الجماعة ويحظى باهتمام واسع، بعد أن تحوّل الخلاف إلى أجنحة تتصارع على الثروة والقوة والتحكم بمصير الجماعة. ويكافح “عبدالملك الحوثي” والدائرة الضيقة حوله لمنع توسع وتتزايد الخلافات، وظهور خلافات أجنحة أخرى للعلن.
بدا “عبدالملك الحوثي” زعيم الجماعة التي تحمل الاسم ذاته، غاضباً في خطابه الأخير – خطاب عيد الغدير 28 يوليو/تموز الماضي-، مطالباً باستمرار تطهير المؤسسات الحكومية من “المدسوسين” ما ينبئ عن “مرحلة جديدة” لحكم الجماعة في المناطق الواقعة تحت سيطرتها.
يأتي خطاب زعيم الحوثيين في ظل حمى صراع بين قيادات الجماعة المسلحة -التي تحولت إلى أجنحة، للسيطرة على “الوظيفة العامة” في مؤسسات الحكومة حيث يتبادلون: الانتقادات، والاتهامات، وتهديدات، والإقصاء، والتهميش، واستغلال المعركة للسيطرة – بل وحتى فرز أعضاء وقيادات الجماعة “المؤمنين” عن “المنافقين”-. حيث يسعى “جناحين”، على الأقل، لتعزيز السيطرة داخل تلك المؤسسات.
ظهرت بعض خلافات “الجناحين” إلى العلن- في حالة نادرة للغاية- على شبكات التواصل الاجتماعي، وتصريحات متبادلة، شملت قيادات في الصف الأول، وحتى برلمانيين موالين للحوثيين في صنعاء، الذي دعا “عبدالملك الحوثي” أيضاً -في خطابه الأخير- لمواصلة تطهير “البرلمان”.
يعتقد مسؤولون في مؤسسات الدولة وقيادات في الصفين الثاني والثالث للجماعة أن “خطاب التطهير” الجديد يتعلق بالصراع داخل الجماعة لا بالموظفين الحكوميين غير الموالين للجماعة الموجودين في المؤسسات الأخرى. كما يأتي تعليقاً “ملف” مطروح أمامه منذ أشهر بشأن تصاعد الخلافات.
الصراع يتمحور بين “أحمد حامد” مدير مكتب رئاسة المجلس السياسي الأعلى -توازي مؤسسة الرئاسة- وعدد من القيادات بينهم “مهدي المشاط” رئيس المجلس السياسي الأعلى، ووزراء ومسؤولون في “المؤسسات الإيرادية” (المؤسسات الرسمية الخاضعة لسيطرة الحوثيين التي تتحصل منها على إيرادات)؛ و”محمد علي الحوثي” القيادي الحوثي النافذ وأحد أقارب “عبدالملك الحوثي”، و”عبدالكريم الحوثي” عمّ عبدالملك الحوثي ووزير الداخلية في إدارة الحوثيين (غير المعترف بها) وأحد أبرز القيادات التي ظلت تدير الجماعة ومناطق سيطرة الجماعة منذ 2014م.، و”يحي الحوثي” شقيق زعيم الجماعة ووزير التعليم في إدارة الحوثيين، “وعبدالخالق الحوثي” شقيق زعيم الجماعة وأحد أبرز القادة العسكريين والمشمول بقرار عقوبات من مجلس الأمن الدولي.
تحدث لـ”يمن مونيتور” في “هذا التحقيق” أكثر من عشرة مصادر وقادة حوثيين مطلعين على خلافات “حامد” و”الحوثي”. وأكثر من 18 موظفاً ومسؤولاً حكومياً ومصدراً مطلعاً على تفاصيل متعلقة بموضوع التحقيق. تحدثوا مع ضرورة تأكيدهم على عدم الكشف عن هويتهم.
مشهد خلاف جديد في صنعاء
في جلسة “مقيّل” في مدينة صنعاء القديمة التاريخية خلال عيد الأضحى المبارك (نهاية يوليو/تموز الماضي)، التقى ثلاثة من القيادات التنظيمية العليا وقرابة 15 شخصاً آخر في “ديوان كبير” يمضغون “نبته القات” المخدرة المعروفة في اليمن، بينهم مؤيدين وحلفاء إما ل”حامد” أو “عائلة الحوثي”.
قال أحد الثلاثة -مقرب من حامد- إن “مدسوسين يسعون للتحالف مع السعوديين لضرب الجبهة الداخلية ويرفضون القرارات التي يصدرها الرئيس (مهدي المشاط) وكأن الدولة حقهم بالوراثة”، يعتبر حامد الشخصية الأكثر نفوذاً في صنعاء ومناطق الحوثيين من خارج عائلة الحوثي ويحظى باحترام وتقدير من “عبدالملك الحوثي” الذي يعتقد كثيرون أنه قد يفضله على “آخرين” من داخل العائلة.
كان الحديث صادماً وينذر بانفجار “قنبلة خلافات” في محيط متوتر و”مجلس/ديوان” مليء بالأسلحة، فالجميع حضروا ببنادقهم المليئة بالرصاص وقنابل معلقة فوق رؤوسهم أو وسطهم بجانب أشرطة رصاص أخرى -فيما يطلق عليها “الجعبة”- عدا المرافقين والأقارب الموجودين في “ديوان” مجاور والباحة الخارجية للمنزل.
ساد الصمت -مع تمته ينتقل فيها ما قاله الرجل بين الحضور- ثوانٍ حتى ضحك القيادي الثاني ويدعى “أبو زيد” وقال محاولاً الخروج من الموضوع “أتركنا نخزن (نمضغ القات) يا أبو “تراب” لا يوجد مدسوسين كلنا بيت ومسيّرة واحدة”.
رجلٌ آخر في مكان قريب قال مقطعاً: “الذي يصدر القرارات لأصدقائه وأصحابه والناس في الجبهات يقاتلوا هو المدسوس وإلا كل الناس مؤمنين بالمسيرة”.
“احتدم الحديث والكل يتحدث، ويبدو الانقسام كبيراً”، يشير كثيرون باحترام إلى زعيم الحوثيين بكونه الحكم الفصل في “الخلاف” باعتباره “الأساس والقائد الملهم الذي يجب تنفيذ ما يأمر به” – حسب ما أفاد اثنين من الحاضرين في ذلك المجلس لـ”يمن مونيتور”.
قال مسؤول في الجماعة في الجلسة لشخص في جواره إن “حامد” هو المسؤول المباشر على “مهدي المشاط” (داخل تنظيم الجماعة)، وأن قرارات “المشاط” الحكومية تُتخذ في هذا الدائرة الضيقة التي يديرها “حامد”. هزّ الرجل رأسه موافقاً.
في تقرير لمجلس الأمن الدولي (2020) ذكرَّ أن “حامد” هو الشخص المدني الأكثر نفوذاً في مناطق الحوثيين من خارج “عائلة الحوثي”.
حسب مصدر مطلع من داخل الجماعة تحدث لـ”يمن مونيتور”، فإن “ملف الخلافات” ورسائل الطرفين على طاولة مكتب عبدالملك الحوثي ودائرته المقربة منذ أشهر، وأن اجتماعات مستمرة أدت إلى تشكيل لجنة “داخلية” منبثقة من لجنة ضبط يديرها جهاز “مخابرات خاص” مرتبط بشكل مباشر بزعيم الحوثيين ومكتبه. ويتعلق نشاط “جهاز المخابرات الخاص” بمراقبة سلوك القيادات و”العائلات الهاشمية” ومحاسبتها. و”العائلات الهاشمية” هي العائلات التي تعتمد عليها “جماعة الحوثي” في الحرب وإدارة المناطق التابعة لها.
شَكَلَ عبدالملك الحوثي لجنة داخلية للتحقيق منبثقة عن “لجنة ضبط” يديرها جهاز “مخابرات خاص”يتبعه بشكل مباشر.
خلافات تتوسع
الخلافات الأخيرة بين “حامد” و”عائلة الحوثي” تأتي إثر قيام “حامد” بتعيينات لمئات المقربين منه في مؤسسات إيرادية (اتصالات، بريد، جمارك، مالية، ضرائب..الخ)، وهو ما أثار غضب القيادات الأخرى، كما أقصى واستبدل عشرات القيادات (المشرفين والمسؤولين) الذي عينوا بقرارات من القيادات مثل “محمد علي الحوثي” و”عبدالكريم الحوثي”. حسب ما أفادت المصادر لـ”يمن مونيتور.
وأخبر “مسؤول كبير” في وزارة الاتصالات والبريد اليمني “يمن مونيتور” إن “حُمى التعيينات في الوزارات و”المؤسسات الإيرادية” تصاعدت خلال الأشهر الماضية، وأن الموظفين الجدد المعينون يتم تعيينهم بالولاء تبعاً للقيادات”. مشيراً إلى أن “التعيينات السابقة كانت تمضي ببطئ منذ 2019 وتسارعت تدريجياً”.
التعيينات تشمل كل الإدارات، حتى في الهندسة والمتابعة والتقييم والحراسة، يشمل ذلك “يمن موبايل” و”المؤسسات المختلطة الأخرى”.
يشير المسؤول إلى أن موظفين سابقين -عينهم الحوثيون قبل 2017- باتوا يتعرضون للتهميش على الرغم من كونهم تابعين للجماعة، بمعينين جُدد “لكن السلوك ما يزال واحدا: اجتماعات تنظيمية داخل المؤسسة وتقارير داخلية ترفع، وإدانة موظفين وعرقلة مستحقاتهم المالية”.
بجانب “أحمد حامد” يوجد “عبدالمحسن الطاووس” وهو قيادي بارز في جماعة الحوثي، ويرأس ما يسمى المجلس الأعلى لتنسيق المساعدات والتعاون الدولي (سكامشا) الذي يتحكم ب”الإغاثة في مناطق الجماعة”، ويُتهم بكونه يحوّل المساعدات الدولية لجهود الحرب الحوثية في جبهات القِتال.
وكان “محمد عبدالسلام” كبير المفاوضين الحوثيين قد ثار غاضباً ضد “الطاووس” خلال الأزمة المتعلقة بفرض 2% من موازنة أي مشاريع إغاثة دولية لصالح المجلس الذي يترأسه عام2018، والذي تسبب بغضب دولي كبير أجبر “الطاووس” بعد أشهر على التراجع. عندما رفضت دول ومنظمات استمرار تمويل مشاريع الأمم المتحدة في اليمن لأنها ستذهب لصالح أسلحة الحوثيين.
وتلقت الأمم المتحدة حوالي 3 مليارات دولار في عام 2019 في شكل تبرعات دولية لحملتها، أقل من هدفها البالغ 4.2 مليارات دولار. وبطلب الحوثي للحصول على 2 في المئة من تلك الميزانية سيحول من 60 إلى 80 مليون دولار إلى خزائن الجماعة.
وقال مسؤول حوثي بارز مطلع على الموضوع لـ”يمن مونيتور”: إن عبدالسلام أبلغ زعيم الحوثيين بأن ما يفعله “الطاووس” يؤثر على محادثات -كانت قائمة في ذلك الوقت- مع الأوروبيين في مسقط، وأن بعض الدبلوماسيين قد يقاطعون اتصالاته بسبب “الطاووس” الذي يرفض حتى مناقشة “إمكانية تراجعه” عن قراره.
بجانب “أحمد حامد” يوجد “عبدالمحسن الطاووس” وهو قيادي في جماعة الحوثي، يرأس مجلس (سكامشا) الذي يتحكم بالإغاثة في مناطق الجماعة، ويُتهم بكونه يحول المساعدات إلى جهود الحرب الحوثية
بعد أسابيع من النقاش-يقول المصدر- إن “حامد” و”المشاط” التقوا “عبدالملك الحوثي” الذي أبلغهم بأخذ المساعدات ومراقبة ما يقومون به عمال الإغاثة إذ يحتمل كونهم جواسيس، وعملاء مخابرات، بمن فيهم العاملين اليمنين في المنظمات، والتراجع عن النسبة وإيجاد طرق أخرى للحصول على تمويل “عبر المنظمات بطريقة ذكية”.
وحتى بعد توقف نسبة (2%) قالت مصادر لـ”يمن مونيتور” إن “المنظمات الدولية تدفع نسبة متفاوتة بشكل سري ل(سكامشا) لتجنب العراقيل التي يضعها الحوثيون على مساعداتهم، ومع ذلك العراقيل مستمرة”.
في ذلك الوقت كان “محمد علي الحوثي ويحيى الحوثي (شقيق عبدالملك الحوثي) وعبدالكريم الحوثي”، ينتقدون سلوك “الطاووس” و”حامد”: “محاولة للتأثير على “حامد” والتشكيك في قرارته” – كما أفاد المصدر المطلع.
يملك “عبدالسلام” (متحدث الحوثيين) شركات يديرها أفراد عائلته من بينها شركة “استيراد مشتقات نفطية وغاز” ويخشى أن تتضرر بالصراع القائم.
مع ذلك -حسب المصدر- فإن “عبدالسلام” لا يتخذ موقفاً مؤيداً لأي شخص أو طرف! ويركز على المفاوضات، ويرِجع الأمر إلى زعيم الجماعة لحل المشكلات. ويملك “عبدالسلام” شركات يديرها أفراد عائلته من بينها شركة “استيراد مشتقات نفطية وغاز” ويخشى أن تتضرر بالصراع القائم.
يملك “الطاووس” تاريخاً حافلاً بالخلافات مع بقية قادة الحوثيين -علاوة على ملفات فساد ضخمة قدمها قادة حوثيون لمكتب “عبدالملك الحوثي” أكثر من مرة-. يقول مصدر مطلع في محافظة ذمار -التي كان يحكمها الطاووس قبل (سكامشا)- إن الرجل ما يزال الأكثر نفوذاً في المحافظة عبر عشرات القيادات الحوثية الموالين له والذين يرفضون عمل “محمد علي البخيتي” محافظ المحافظة المعين من الجماعة.
يملك “الطاووس” تاريخاً حافلاً بالخلافات مع بقية قادة الحوثيين -علاوة على ملفات فساد ضخمة قدمها قادة حوثيون لمكتب “عبدالملك الحوثي” أكثر من مرة
شكا “البخيتي” من سلوك “الطاووس” أكثر من مرة، ومن تحكمه بالمحافظة بما في ذلك شكوى إلى “زعيم الحوثيين”، في واحدة من الشكاوى هدد “البخيتي” بالاستقالة والاعتزال في قبيلته بمديرية “الحدا”، لكن دون جدوى. كما أفاد المصدر المقرب من “البخيتي”.
قوة الإيرادات
تُعتبر محافظة ذمار “مخزناً للمقاتلين الحوثيين وتنتشر فيها معظم معسكرات تدريب الجماعة حيث الجبال والوديان التي تحمي من الغارات الجوية”، والتأثير عليها يعطي قوة كبيرة مؤثرة في مناطق الحوثيين. ويزور “محمد علي الحوثي” مديرياتها بشكل دائم لتفقد المجندين، كما يحضر تشييع قتلاها في جبهات القِتال.
لا يسيطر “حامد” على معظم “المؤسسات الإيرادية” وحدها مثل الجمارك والضرائب، ويتحكم بالإغاثة، بل أيضاً “الهيئة العامة للزكاة” حيث أنها مرتبطة مباشرة بمكتبه، ويضم في ولاءه رئيسها “شمسان أبو نشطان” والتي ارتفعت إيراداتها إلى أكثر من 75 مليار ريال خلال 2020م- حسب مسؤول في الهيئة. خصصت معظم هذه الأموال لعائلات المقاتلين الحوثيين في الجبهات أو لعائلات أسراهم إلى جانب الإفراج عن سجناء معسرين انضموا للجماعة المسلحة، كما يظهر الموقع الرسمي للهيئة.
يسيطر “حامد” على إيرادات: هيئة الزكاة وقطاع الاتصالات ومصلحة الضرائب ومصلحة الجمارك وقطاع الصحة والأدوية وأسس مراكز مالية جديدة
فرضت الهيئة الجديدة التي تأسست عام (2018) جبايات “زكاة” على التجار منذ مطلع 2021م، بناء على التقارير المالية والمحاسبية الخاصة بهم، فعيّنت مسؤولاً من الهيئة لمراجعة البيانات المالية كاملة -تدفع الشركة التجارية التكاليف- وتقديم تقرير حول الزكاة المفروضة.
يقول المسؤول في “الاتصالات” لـ”يمن مونيتور” إن إيرادات قطاع الاتصالات تصل سنوياً منذ 2015 إلى أكثر من 250 مليون دولار، متنوعة من: مبيعات خدمة الإنترنت، وخدمة الاتصالات، وضرائب الأرباح على شركات الاتصالات العامة والخاصة، وضرائب جديدة على كروت الشحن وفواتير الهواتف.
وأفاد تقرير لمجلس الأمن الدولي (2020) أن أكثر من ملياري دولار عام 2019 حصل عليها الحوثيون من إيرادات الضرائب والجمارك (وحدها) تحولت إلى جهود الحرب ضد الحكومة اليمنية.
“القطاع الصحي” يرتبط أيضاً ب”أحمد حامد” الذي يضم في فريقه “طه المتوكل” وزير الصحة في حكومة الحوثيين غير المعترف بها دولياً، وتعد إيرادات القطاع الصحي الخاص في مناطق الحوثيين والجبايات المفروضة على المستشفيات الخاصة عشرات الملايين من الدولارات، إضافة إلى قيام الحوثيين بإعادة خطوط انتاج بعض الأدوية المحلية بدعم من صندوق الأمم المتحدة الإنمائي عام 2018م.
في مطلع 2021 قام “حامد” و”المتوكل” بتصنيف المستشفيات، وفرضوا جبايات على المستشفيات الخاصة، كما أقاموا مراكز مالية جديدة لشخصيات تابعة لجماعة الحوثي المسلحة لاستيراد الأدوية من الخارج، وسحب تراخيص مستوردين حاليين.
“يقوم الحوثيون ببناء مراكز مالية جديدة، في كل القطاعات بما في ذلك استيراد الأدوية”
رجل أعمال سحب الحوثيون ترخيصه لصالح رجل أعمال موالِ لهم
وقال مستورد لـ”يمن مونيتور” شريطة عدم الكشف عن هويته إنهم “سحبوا ترخيصه لصالح رجل أعمال تابع للحوثيين افتتح شركته عام 2019 وقدم منتج بديل عن الوكالة التي أقدمها”. بررّ الحوثيون -حسب المستورد- أن قيمة الدواء مرتفعة “مع أنها القيمة طبيعية ولا يوجد في الدواء نوع من الاحتكار فالبدائل موجودة”.
يقول إنه “رفض فرض جبايات على شركته، وإضافتها في أسعار الدواء خشية إرهاقه وإفلاسه وخسارة زبائنه في ظل البدائل المستوردة الجديدة السيئة التي يقدمها المستوردون الحوثيون لإنشاء مراكز مالية جديدة في هذا القطاع”.
يرأس “أحمد حامد” الوحدة التنسيقية للأجهزة الرقابية على “المؤسسات الإيرادية” والحكومية في مناطق الحوثيين، وهي هيئة تقول إنها “تراقب المال العام” وتضم “الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد” لذلك فهو المسؤول الأول عن تسلم الإيرادات وهو المسؤول أيضاً عن رقابتها!
عدة أجنحة
منذ ما بعد مقتل “علي عبدالله صالح” (2017) كان الفرز داخل جماعة الحوثيين في جهتين إلى ثلاث مستمراً. حيث كان يتفق “حامد وآخرين يوالونه” و”عائلة الحوثي” -التي تنتمي إلى محافظة صعدة- على طرف آخر قيادات في الجماعة كانت قبل 2015 قريبة من السعودية وهي عائلات “هاشمية” تسكن معظمها صنعاء.
وتُثار أحاديث سرية للغاية في “مجالس القات” -الأكثر خصوصية في صنعاء- عن تصفيات تواجههم بعدة طرق: إزاحتهم من جانب زعيم الحوثيين والمنظومة الرئيسية الناظمة للجماعة، وإما بدفعهم إلى خطوط القِتال الأمامية للقتال أو إرسال أقاربهم وأفراد عائلاتهم إلى تلك الجبهات حتى لا يكون لهم أفراد قادرين على المعارضة والتأثير في صنعاء إذا ما دعت الحاجة.
وصراع آخر مرتبط بالمنطقة التي يأتي منها القيادات إذ أن قيادات الجماعة من “صعدة” هي الأكثر ولاء وتحكماً بالقرارات ومنها ينتمي “أحمد حامد” و”مهدي المشاط” و”عائلة الحوثي”، من بقية القيادات في “صنعاء” و”ذمار” على سبيل المثال، وعادة فإن درجة تأثير قيادات -وسطى أو عليا داخل الجماعة- مرتبط بمدى قربها من قيادات الحوثيين القادمين من صعدة.- كما أخبر قيادي في جماعة الحوثي من محافظة صنعاء “يمن مونيتور”.
حسب القيادي يُحاول “حامد” تقريب تلك العائلات منه لقدرتها على مساعدته في السيطرة على الإيرادات وإدارة مؤسسات الحكومة، فمعظمهم عملوا في “عهد صالح” في مؤسسات الدولة، ويخشون سلوك “عائلة الحوثيين”!
بالمقابل تملك “عائلة الحوثي” وموالوها القوة العسكرية والأمنية في مناطق الحوثيين، والتي يبدو أنها تعتمد في معظم تسييرها على “الإيرادات” التي يقدمها “حامد”. وهو ما يقول قيادي آخر في الجماعة أن “عائلة الحوثي” تشعر بالارتهان ل”حامد” الذي يستغل ذلك لتوسيع نفوذه وسيطرته على مؤسسات الدولة على حساب نفوذهم، و”أحقيتهم في الإدارة والحصول على جزء من تلك المكاسب والإيرادات”.
لذلك فإن “حامد” يُبعد الموالين لخصومه وتعيين تابعين له حتى لو قام بإنشاء مؤسسات موازية كما في “وزارة الأوقاف والإرشاد” التي أراد السيطرة على حسابها وفشل بسببهم عرقلتهم، لذلك أنشأ “الهيئة العامة للأوقاف” وضمها تحت سلطة الرئاسة (كما يقول مصدر في الوزارة).
حامد صنف جماعته إلى جناحين: “المؤمنون”- الموالون له-، و”المنافقون” -خصومه-
حملات التأثير
يبدو أن “مجالس القات” الخاصة بالحوثيين في صنعاء تثير التوتر المتصاعد-وما يخرج للعلن أقل بكثير مما يحدث فعلاً- الذي يكشف عن مرحلة “جديدة” في صراع الحوثيين على النفوذ داخل المؤسسات الحكومية التابعة لهم.
ففي يوليو/ تموز الماضي (2021) كانت الخلافات يقف خلفها برلمانيون، وقيادات تابعة للحوثيين في مهاجمة “حامد” لصالح “عائلة الحوثي”، ويقف موالون ل”حامد” دعماً له ولإجراءاته التي يعتبرونها تمضي ب”سلطة الدولة”. بينهم “عبده بشر” وأحمد سيف حاشد، وسلطان السامعي، وجميعهم برلمانيون تابعون للحوثيين والأخير عضو المجلس السياسي الأعلى، ويملك خلافات متزايدة مع “أحمد حامد” وتربط “بشر” و”السامعي” علاقة جيدة بإيران.
وفي خضم الجدل الحاصل صنّف حامد على صفحته في تويتر يوم (22 يوليو/تموز) الجماعة إلى صنفين، الأول: “جناح المؤمنين” التابع له. والآخر “المنافقين والأعداء” في إشارة إلى البقية الذي يتصارع معهم. بما في ذلك جناح “عائلة الحوثي” والآخرين.
قال حامد: “إن المنافقين والمرجفين يسعون بكل جهد لأن يصنعوا في الساحة نسخاً من نوعيتهم، لتتسع دائرة نفاقهم، وينطلي على البسطاء خداعهم لضرب الجماعة من الداخل»، مشيراً إلى أن «المنافقين ينزعجون من أي كتابة تفضحهم، حتى لا يظهروا إلى السطح فينكشف خداعهم وتضليلهم ومؤامراتهم”.
وحول طبيعة الحملات ضده قال حامد: “إنهم يمارسون الإرهاب الإعلامي كي يُخيفوا أشخاصاً، ويحيّدوا آخرين، وتخلوا الساحة لهم ولنفاقهم وتضليلهم”.
حاول “يمن مونيتور” التواصل مع “المكتب السياسي للحوثيين”، ورفض مسؤول التعليق على الخلافات، وهدد بمطاردة الناشرين. ولم يتمكن من الوصول إلى “أحمد حامد” للرد.
لكن “أحمد حامد” – ووسط حملة ضده من قِبل خصومه- أعلن في يوليو/تموز الماضي تقديم إقرار “الذمة المالية” إلى “هيئة مكافحة الفساد”، فيما يبدو لإسكات الأصوات التي تتهمه بالفساد والسيطرة، على الرغم من كون “حامد” يرأس الهيئة من خلال لجنة “التنسيق الرقابية”!
“صراع آخر مرتبط بالمنطقة التي يأتي منها القيادات إذ أن قيادات الجماعة من “صعدة” هي الأكثر ولاء وتحكماً بالقرارات ومنها ينتمي “أحمد حامد” و”مهدي المشاط” و”عائلة الحوثي”، من بقية القيادات في “صنعاء” و”ذمار” على سبيل المثال”
قيادي في جماعة الحوثي
مراحل التطهير
سيطر الحوثيون في سبتمبر/أيلول 2014 على مؤسسات الدولة في صنعاء، واعتمدوا على تحالفهم مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح في السيطرة على تلك المؤسسات حيث اعتمدوا على الموظفين السابقين في تسيير أمورها، لكنهم خاضوا حملات “تطهير من المؤسسات” على مرحلتين اثنين الأول (2015-2017): بإقصاء وإزاحة منتقدي الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي العام (حزب صالح). ولعبت اللجنة الثورية العليا (التي يقودها محمد علي الحوثي) دوراً كبيراً. والثانية (2017-2020): “الطابور الخامس” والذي استهدفت أنصار علي عبدالله صالح خاصة بعد أن قتله الحوثيون نهاية 2017م.
يقول أعضاء في المؤتمر الشعبي العام (من الموالين لصالح) -ما يزالون في المؤسسات الحكومية في صنعاء- إن آلاف من قرارات “الفصل التعسفي، والحذف من سجلات الخدمة المدنية” تعرضوا لها منذ2018، وهي تهديدات مستمرة للباقين. كما قام الحوثيون بتعريضهم “للكثير من أجل إيصالهم للتخلي عن وظائفهم: تقليص الصلاحيات، وضع نواب لرؤساء الإدارات من الحوثيين ليصدروا كل القرارات، الالتزام بالحضور بما في ذلك فعاليات الجماعة (الطائفية) والتظاهر، والإجبار على العمل دون راتب”.
قال مسؤول في “الضرائب” كان موالياً ل”صالح” إنه جرى إجباره على الجلوس في المنزل هو وعشرات آخرين، واستبدالهم بمسؤولين حوثيين مطلع عام 2018. مضيفاً: لاحقاً عبر أقارب وأصدقاء عرضوا على العودة للعمل مقابل الدخول في دورات “ثقافية” وتقديم الولاء للجماعة بالكامل وعندما رفضت تخلوا عن الأمر.
“الدورات الثقافية” التي يقوم بها الحوثيون هي دورات “دينية” -يقول معارضوهم إنها طائفية- تؤهل الأشخاص للانضمام إلى الجماعة المسلحة، قد يستغرق الأمر عدة دورات.
يضيف المسؤول لـ”يمن مونيتور”: لم يعد أحد يعمل إلا حفاظاً على وظيفته العامة ألا يفقدها وهؤلاء يجلسون في مكاتبهم والجماعة تدير كل شيء كعصابة، أو تابع لجماعة الحوثي المسلحة يقوم بالعمل في أطره التنظيمية أكثر من ممارسة الوظيفة العامة.
يتفق كثيرون بما في ذلك مشرف حوثي سابق عمل في وزارة “الاتصالات” أن ما يحدث الآن هي تصفية داخل الحركة بناء على “درجة نفوذ المسؤول في مؤسسات الدولة وخاصة الإيرادية”.
يضيف المشرف الحوثي الذي يقوم الآن بالإشراف على مديرية لحشد المقاتلين لصالح الجماعة في العاصمة لـ”يمن مونيتور”: أن الموظفين والأشخاص من “المؤمنين” -يقصد أعضاء الجماعة- لكن يبدو مؤمن عن مؤمن يختلف بناء على المسؤول الأعلى منه.
وتابع: يسعى “أبو محفوظ” -كنية أحمد حامد- إلى إزاحة كل ما عُرف باللجنة الثورية العليا وهو نهج كان “صالح الصماد” يسعى للقيام به.
طريقتان تزيد الصراع
وقتل “الصماد” بغارة دون طيار في 2018 وهو رئيس المجلس السياسي الأعلى السابق. في اجتماع عام 2017 مع مسؤولين ووكلاء ووزرات في صنعاء أبدى غضبه من سلوك “اللجان الثورية التي اعتبرها تعرقل العمل الحكومي”- حسب ما أفاد وكيل وزارة حضر الاجتماع الذي كان في رمضان في ذلك العام لـ”يمن مونيتور”. وهو ما اتفق معه حلفاءه في حزب المؤتمر الشعبي العام في ذلك الوقت، لذلك جرى الحديث عن تقليص مهامها إلى “المراقبة والإشراف”، لكن عملياً استمر سلوك المشرفين الحوثيين كما هو.
وكيل الوزارة الذي تحدث لـ”يمن مونيتور” قال إن “عائلة الحوثي ركزت على وضع مشرفين وما يشبه (الإدارات الموازية)، لكن “حامد” يقوم بتعيين الحوثيين في مؤسسات الدولة كموظفين رسميين، وهو أمرٌ سيخلق صراع داخل المؤسسات نفسها”.
ويقول مسؤول يعمل في رئاسة الوزراء عند سؤاله حول ما ذكره وكيل الوزارة: إن ذلك يحدث بالفعل، لكن حتى محمد علي الحوثي وأشقاء زعيم الجماعة يرسلون قرارات تعيين للوزرات والمؤسسات لتعيين موظفين، خاصة في المؤسسات المسؤولة عن الإيرادات.
يتفق المسؤولان ومعظم من تحدث لهم “يمن مونيتور” من الموظفين الحكوميين أن “الحوثيين انتهكوا الوظيفة العامة، وحوّلِت إلى غنيمة حرب توزع بين أنصار الجماعة وأعضائها”.
واشترطت المصادر التي تحدثت لـ”يمن مونيتور” عدم الكشف عن هويتها لحساسية الموضوع وخشية “انتقام الحوثيين”.
مراحل استحواذ الحوثيين على "الوظائف العامة" في مناطق سيطرتهم وصولاً لصراع قياداتهم الأولى عليها pic.twitter.com/iKeHatwotu
— يمن مونيتور (@YeMonitor) August 31, 2021
الموظفون من خارج ولاء الجماعة
في المؤسسات الحكومية في صنعاء حيث ما يزال يسيّر آلاف الموظفين الحكوميين شؤون الإدارات على الرغم من عدم تلقي معظمهم الرواتب منذ عدة أعوام، يتم تهديدهم باستمرار بإزالتهم من قوائم الخدمة المدنية، والاستغناء عنهم واستبدالهم بموالين للجماعة المسلحة، لذلك فإن الحديث عن الانتقاد داخل هذه المؤسسات لجماعة الحوثي أكثر صعوبة حيث الموظفون الجدد من الحوثيين يعملون كمخبرين في أُطر تنظيمية خاصة بالجماعة- كما قال عشرة موظفين ومسؤولين في ثلاث مؤسسات مختلفة (رئاسة الوزراء- الإعلام- الاتصالات).
وقال مسؤولان (أعضاء في حزب المؤتمر الشعبي العام) يعملون في رئاسة الوزراء الخاضعة للحوثيين إنه جرى تعيين نواب لهم من الحوثيين هم من يديرون مهامهم، وأنهم فقط يقومون بالموافقة على ما يمليه نوابهم، وكل الإدارات بالمثل.
وحول خطاب عبدالملك الحوثي قال المسؤول الأول “محمد” -الذي طلب الإشارة لاسمه الأول خشية انتقام الحوثيين- إن الخطاب يشير إلى “حملة تطهير جديدة، كانت هناك حملات ضد أعضاء حزب المؤتمر الموالين للرئيس الراحل (علي عبدالله صالح) منذ مقتله في 2017م”، مضيفاً: لكن كنا نُسمى قبل تلك الأحداث وبعدها “الطابور الخامس” وليس المدسوسين!
اختفى “حزب المؤتمر” (جناح صالح الذي بقيّ في صنعاء) في عباءة الحوثيين منذ مقتله. يقول قياداته المجودون في صنعاء (سراً) إنهم تعرضوا للتجريف والتهريب وأنهم “يريدون بقاء الحزب والتخفيف من ضغط الحوثيين على أنصاره في مناطقهم”، لكن هذه القيادات لم تقم تفعل الكثير لحماية أعضاءه منذ مقتل “صالح” ولم تدافع حتى عن وظائف أعضاء الحزب -كما قال هؤلاء الموظفون لـ”يمن مونيتور”.
مدير إدارة وثلاثة موظفين -من إدارات مختلفة- في وزارة الإعلام -التي كان يديرها في السابق أحمد حامد- قالوا إن “من يقوم بكل السياسات هم الحوثيون، والبقية مجرد أدوات، وهؤلاء الموظفين الجُدد لا يجيدون أي عمل معظمهم كانوا مقاتلين وممن تخرجوا من الثانوية أو خريجون جدد لكنهم أكثر ولاء وتطرفاً لصالح الجماعة”.
وقالت موظفة في التلفزيون اليمني الذي يديره الحوثيون لـ”يمن مونيتور” إن “موظفة عينها الحوثيون تنتقد حتى طريقة اللباس، وإطالة الأظافر وصبغها”!
ويتفق الموظفون العشرة الذين استطلع “يمن مونيتور” آرائهم خلال يوليو/تموز وأغسطس/آب أنهم “لا يعملون، فهم مجرد أدوات، ومن مصلحة الحوثيين بقاءهم لا طردهم، فسيفشلون في إدارة وتسيير الأمور”.
ويقولون إن “الخلافات التي تظهر بين الحوثيين داخل المؤسسات، والإقصاء والتهميش واستبدال بعضهم، هي حالة احتقان لا يستطيعون إخفاءها”.
يقول موظف في وزارة الاتصالات إن “هناك بالفعل تغييرات وصدامات بين الموظفين الحوثيين، واستبدالهم بآخرين لكنهم يقومون بنفس السلوك ضد الموظفين والعمل كجواسيس، وعرقلة العمل، واشتراط الاطلاع وموافقتهم المسبقة على كل صغيرة وكبيرة”.
لذلك يتفق معظم من استطلع “يمن مونيتور” آرائهم أن “خطاب عبدالملك الحوثي” الأخير هو إعلان مرحلة تطهير ثالثة تستهدف “الجماعة” من الداخل، بناء على صراع الأجنحة والقيادات، لا باقي الموظفين الحاليين.
وتصاعدت الحرب في اليمن منذ عام 2014، عندما سيطر الحوثيون على صنعاء ومعظم محافظات البلاد ما أجبر الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته، المعترف بها دوليا، على الفرار من العاصمة صنعاء. وفي مارس/أذار2015 تشكل التحالف بقيادة السعودية لدعم الحكومة الشرعية ومنذ ذلك الوقت ينفذ غارات جوية ضد الحوثيين في أكثر من جبهة.
ويشن التحالف غارات جوية بشكل مستمر على مناطق سيطرة الحوثيين، ويطلق الحوثيون في المقابل صواريخ على المملكة العربية السعودية.
وقتل عشرات الآلاف نتيجة الحرب وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى سقوط أكثر من233 ألف يمني خلال السنوات الست. كما تسبب القتال الدائر في البلاد بأسوأ أزمة إنسانية في العالم، إذ يحتاج نحو 24 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية أو الحماية، بما في ذلك 10 ملايين شخص يعتمدون على المساعدات الغذائية للبقاء على قيد الحياة.