عندما نسمع دعوات الحوار، نتفاءل خيرا، تفاؤل مشوب بالحذر، لكل مستوعب دروس وعبر الماضي، وتجارب الأمم.
لدينا نماذج تتكرر على مسرح الحياة، ويبلغ الصراع فيها بين المتحاربين أوجه، من تربعوا بالعنف على سلطة ما، وبلغوا من المصالح ما كان لهم أن يبلغوها في حالة من السلم والاستقرار، والسلم والاستقرار معاييره المنضبطة بمنظومة سياسية ونظم إدارية، وقوانين تحق الحق، أكثر مما ترسخ باطل العنف، الذي لا حق فيه لغير من يحمل البندقية، ويشكل بطانة شديدة التعصب والغلو ل مصالحها ومكاسبها، تقف عائق أمام أي حوار يعيد تقييم العود، وتصحيح المسار، والتراجع عن قرارات العنف، واختيارات الطيش.
كل من يدعو للحوار، عليه أن يقدم ضمانات بمستوى من الوعي الذي شكل قناعات الحوار كاستراتيجية للحل، لا كتكتيك ومراوغة.
لا أمان من حوار يستند على البندقية، والتشدد في الرأي والمشروع، والتمسك بخلفية الكره والقهر والظلم للأخر، لن يكون غير حوار بلسان تلك الأدوات، التي توجه السهام لصدر الآخر، وما لم تستطيع إخضاعه بالعنف، تعتقد أنها ستخضعه بحوار تكتيكي.
تعتقد قوى العنف، أنها بالعنف ترصف الساحة لحوار يخدمها، بعد أن تسيطر على أهم مرتكزات المشهد، ولم يبقى لها غير أن تشرعن ما تم، وتدعو لحوار المنتصر، لإخضاع الآخرين للقبول بسلطته، حوار تحت مظلته، وإدارته.
أخذت دعوة الحوار مساحة واسعة من النقاش، وكلا أدلى بدلوه، مناصرين أشادوا بالدعوة واعتبروها خطوة وطنية للأمام، وفرصة لا تعوض أمام الآخرين للقبول بها، قبل أن يفوتهم القطار، والمقصود هنا قطار الاستسلام للأمر الواقع.
وآخرين نظروا للحوار من زاوية الوعي والشراكة، وتهيئة الساحة لحوار ندي، وصادق كأداة حل ووسيلة خير، تترجم وعي وعقل يكتنز الحب والسلام.
لا يمكن الحديث عن حوار، دون تصحيح مفاسد العنف والطيش، وتهيئة الأجواء، ورصف الساحة بحالة من التسامح والتصالح والإخاء، ولن يتم ذلك دون اعتراف بالأخطاء والخطايا، دون تقويم منظومة العدالة، واستعادة روح العدالة، دون إنصاف ولو جزئي للضحايا، بفتح ملفات الاغتيالات، وإطلاق سراح المعتقلين، وتبيان حالات المخفيين قسرا، إلى جانب انصاف للمؤسسات التي تم اقتحامها بالبندقية، وإهانة كرامة كوادرها، وفرخوا كيانات طارئة بديلة، بهيئات لا علاقة لها بالمهنة والمهمة، دون كفاءات وخبرات وتجارب، غرس فاسد لإفساد المؤسسة والمنظمة أو المرتكز الاقتصادي والمؤسسات الحيوية، لتنفيذ سياسات الاستحواذ والاستئثار.
على سبيل المثال لا الحصر، والأسف أن يخطط لحوار، ممن اقتحم الاتحاد العام لعمال الجمهورية بقوات مسلحة، وحطم إقفال المكاتب، ودمر ممتلكات النقابات، واستولى على العرش، وهو لا يعرف أبجديات العمل، واليوم يبحث عن أدوات تثبيت سلطته، ووجد في قمامة النظام السابق أدوات جاهزة للانصياع والطاعة، ويتحاور مع ذاته وأدواته، والشرفاء والصادقون الرافضون للانصياع، وصفهم قوى متشددة، بعنجهية العقلية، وحوار العنف لشرعنة الاقتحام والبسط على الاتحاد، والأمثلة كثيرة في اقتحام مسلح لمؤسسات إعلامية وثقافية ومنابر صحفية كصحيفة أكتوبر ووكالة سبأ للأنباء، ودمرت فساد وعبث.
حوار كهذا هو حوار المنتصر لإخضاع ما لم ينكسر بالعنف، لن يجدي لمنفعة، بل يشرعن للعنف وقواه العفنة، للاستئثار والاستحواذ على المؤسسات والسلطات، وتعطيلها بما يخدم أجندات المخرج، بل حوار يؤزم أكثر مما يصحح، حوار استمرار العنف في هدم أسس البناء الحضاري، وتعزيز سياسة الإقصاء والتهميش، لغرض السيطرة والتمكين، ولله في خلقه شؤون.