تراجم وتحليلاتغير مصنف

كيف ستكون الحرب السعودية الإيرانية؟

حين يطلب إليّ معالجة السؤال عمّا يمكن أن تكون عليه الحرب بين السعودية وإيران، أول ما يبادر إلى ذهني هو الطلب من القارئ أن ينظر من حوله، فهذه الحرب قائمة بالفعل. وعلى حد ما أشار إليه عالم المستقبليات ويليام جيبسون، «المستقبل هنا – ولكنه ليس موزعًا بشكلٍ متساوٍ». ذلك أن المملكة العربية السعودية وإيران تقتلان منذ الآن الأفرقاء العاملين بالوكالة عن إحداهما الأخرى، لا بل تقتلان مستشاري وجنود إحداهما الآخرى في اليمن وسوريا والبحرين وفي المنطقة الشرقية الشيعية من السعودية.

يمن مونيتور/ مجلة فورين بوليسي/ مايكل نايتس

حين يطلب إليّ معالجة السؤال عمّا يمكن أن تكون عليه الحرب بين السعودية وإيران، أول ما يبادر إلى ذهني هو الطلب من القارئ أن ينظر من حوله، فهذه الحرب قائمة بالفعل. وعلى حد ما أشار إليه عالم المستقبليات ويليام جيبسون، «المستقبل هنا – ولكنه ليس موزعًا بشكلٍ متساوٍ». ذلك أن المملكة العربية السعودية وإيران تقتلان منذ الآن الأفرقاء العاملين بالوكالة عن إحداهما الأخرى، لا بل تقتلان مستشاري وجنود إحداهما الآخرى في اليمن وسوريا والبحرين وفي المنطقة الشرقية الشيعية من السعودية.
ومن المرجّح أن يكون المستقبل على النحو ذاته، على أن يتفاقم النمط القائم ليؤول في نهاية المطاف إلى اشتباك مباشر وجيز وحاد قبل أن يضمحلّ ويعود إلى مستوى الحروب بالوكالة التي تندلع في أراضي الأطراف الأخرى.
لطالما كانت الحرب بالوكالة هي أسلوب النزاع المفضل لدى هاتين الدولتين. فمنذ الحرب المدمّرة التي شنّتها إيران على مدى ثماني سنوات على العراق، أثبتت القيادة الإيرانية تفضيلها الكبير للعمل من خلال الوكلاء أمثال «حزب الله» اللبناني والميليشيات الشيعية العراقية وحركة «حماس»، في حين أن المملكة العربية السعودية افتقرت إلى جيش قوي خلال معظم فترة وجودها فآثرت على النحو نفسه الحرب بالوكالة من أجل توجيه ضربات موجعة لأعدائها وتحديدًا لقوات الاحتلال المصرية خلال الحرب الأهلية اليمنية التي نشبت ما بين 1962 و1970 وضد السوفيتيين في أفغانستان. إذًا فإنّ كلتا هاتين الدولتين الفاعلتين تحاول دفع الآخرين في الغالب للقتال والموت بالنيابة عنها.
والجدير بالذكر هو أن الدعم القوي الذي تقدمه إيران للميليشيات الشيعية مشهودٌ وموثّق. فقد تحوّل «حزب الله» اللبناني إلى ركيزة أساسية من ركائز الثأر الإيرانية ضد إسرائيل، كما أنه لبّى مؤخرًا دعوة إيران إلى توفير قوات برية موثوقة لدعم نظام الرئيس الأسد في سوريا. لكن «حزب الله» اللبناني ليس ميليشيا: فهو يملك صواريخ زلزال-1 التي يصل مداها إلى تل أبيب، كما أنه يملك مخزونًا كبيرًا من الصواريخ الموجّهة المتطورة المضادة للدروع والعبوات الناسفة الخارقة القادرة على اختراق أي دبابة اسرائيلية. أضف إلى أن إيران زودّت «حزب الله» بصواريخ متطورة مضادة للسفن من نوع أس-802، مع الإشارة إلى أن هذه الصواريخ عطّلت سفينة حربية اسرائيلية خلال العام 2006، كما زودته في الآونة الأخيرة بصواريخ مضادة للسفن أكثر تطورًا بعد من نوع «ياخونت».
ويبدو الآن أن إيران زوّدت حلفاءها الحوثيين الشيعة بصواريخ سي-802، وقد استُخدمت هذه الأخيرة في عدد من الضربات التي استهدفت السفن الحربية الإماراتية في الحرب التي تقودها السعودية في اليمن. والواقع أن الحوثيين ينزلون أضرارًا جسيمة بالجيش السعودي ويدمرون أعدادًا كبيرة من دبابات المعارك الرئيسية المقدّمة من الولايات المتحدة وغيرها من الآليات المدرعة، مستخدمين الصواريخ الموجهة المضادة للدروع التي أمدّتهم بها إيران. ناهيك عن أن وكلاء إيران يستحوذون على الأراضي في جنوب السعودية ويرمون صواريخ «سكود» على القواعد العسكرية الواقعة في عمق المملكة.
أما في العراق، فتحظى الميليشيات المدعومة من إيران بمساعدة إيرانية من دعم جوي ومدفعيات ومعدات حربية إلكترونية ودعم طبي، وبالفعل فإن الميليشيا الشيعية الرئيسية في العراق «بدر» قد حاربت كفصيلة عسكرية في نظام المعركة الإيرانية خلال الحرب بين إيران والعراق، وهي اليوم تدير أكبر مؤسسة أمنية في العراق – وهي وزارة الداخلية التي يبلغ عدد أفرادها نصف مليون – بينما يتم تشكيل الميليشيات الشيعية ضمن وزارة مبدئية مشابهة لراعيها «الحرس الثوري الإيراني». هذا ويجري نسخ حالة «حزب الله» في دولتين إقليميتين رئيسيتين على قدمٍ وساق.
لكن الأمر الأكثر إثارةً للقلق بالنسبة للسعودية هو أن الكتلة الإيرانية تتجاهل «الخطوط الحمراء» المرسومة فوق البحرين والمنطقة الشرقية السعودية الغنية بالنفط وذات الغالبية الشيعية. ففي العام 2011، نشرت السعودية والإمارات أعدادًا هائلة من دبابات المعارك الرئيسية وحاملات الأفراد المدرعة من أجل تأمين حماية مباشرة للعائلة الملكية البحرينية بوجه انتفاضات الربيع العربي. ويبدو أن هذه الخطوة العنيفة هزّت طهران في العمق، ما أطلق شرارة المؤامرة المحبطة لاغتيال السفير السعودي لدى الولايات المتحدة عادل الجبير. ويبدو أن تهوّر إيران في البحرين والمنطقة الشرقية في السعودية قد تعاظم خلال السنة الفائتة. فالميليشيات الشيعية العراقية، على غرار «كتائب حزب الله» المتفرعة من «بدر»، عملت مع الخلايا المدعومة من إيران في البحرين والمنطقة الشرقية لاستيراد ذخائر متطورة من العبوات الناسفة الخارقة بكميات كبيرة وذلك لغرض واضح هو تمكين المجتمعات الشيعية من الدفاع عن نفسها ضد أي عمليات قمعية قد ينفّذها الجيش السعودي في المستقبل. ولا شك في أن هذا النوع من التصرفات التي تقلب الموازين هو أحد الأسباب التي دفعت الحكومة السعودية إلى إعدام المعارض الشيعي من المنطقة الشرقية الشيخ نمر النمر في الآونة الأخيرة.
لكن قبل فترة طويلة من نشوء الجلبة الراهنة، كانت المملكة العربية السعودية وسائر دول الخليج العربي السنية تنمّي ببطء شبكة خاصة بها من الوكلاء العسكريين. والمتلقّي الأول والأكبر للمساعدات العسكرية الخليجية هو الحكومة اللبنانية المدعومة من السعودية، فقد أرسلت الإمارات تسع طوافات «غازيل» كاملة التجهيز والطاقم من نوع «أس-أي 342 أل» من أجل مساعدة الحكومة اللبنانية في القضاء على «فتح الإسلام» التابع لتنظيم «القاعدة» في مخيم «نهر البارد» للاجئين في طرابلس خلال شهر أيار/مايو 2007. وفي العام 2009، بعد مرور سنة على مطالبة العاهل السعودي الملك «عبد الله بن عبد العزيز» من الولايات المتحدة بـ«قطع رأس الأفعى» عبر قصف إيران، أطلقت الرياض حملة عسكرية استمرت لتسعة أسابيع ضد المتمردين الحوثيين في شمال اليمن وفقدت فيها 137 جنديًا. وترتّب عن ذلك تكثيف كبير في حجم التدريبات والرواتب والآليات المدرعة والأسلحة التي قدمتها السعودية والأردن والإمارات للميليشيات المعادية للحوثيين في شمال اليمن. واليوم تعمل الدول الخليجية وغيرها من الحلفاء أمثال باكستان والصومال على تشيكل قوات وكيلة جديدة في اليمن من أجل دعم الحملة العسكرية التي تقودها السعودية ضد الحوثيين.
إذًا ما هي الخطوة التالية؟ سوف ترغب كلٌّ من السعودية وإيران في اختبار وإيذاء إحداهما الأخرى، وفي وضع الحدود بدون تكبّد أي دمار في أيٍّ منهما. وسوف تبدأ إيران بإثارة الأحداث العنيفة في المنطقة الشرقية والبحرين، ويمكن أن تبذل جهودًا أكبر لمكافحة وصول الإمدادات بحرًا إلى اليمن عن طريق تعزيز مدافع الصواريخ الساحلية لدى الحوثيين.
من هنا، فإن المرحلة التالية من الحرب السعودية مع إيران ستشهد تصعيدًا في الحرب بالوكالة الدائرة في سوريا، حيث ستخطط الرياض لمعركتها الرئيسية ضد إيران. فمنذ فترة بعيدة تعود إلى آذار/مارس 2012، صرّح وزير الخارجية السعودي الأمير «سعود الفيصل» أن تسليح المعارضة السورية «واجب»، وقد سبق للدعم السعودي والقطري والتركي أن أتاح للثوار في شمال غرب سوريا إنزال خسائر فادحة في مدرعات القوات المؤيدة للأسد بواسطة الصواريخ الموجهة المضادة للدروع. ولعل الخطوة التالية تتمثل بتقديم صواريخ مضادة للطائرات. وإذ يبدو أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة يتراجع عن الحرب ذات الملابسات الأخلاقية غرب الفرات في سوريا حيث تتمثل المعارضة الرئيسية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» وقوات الأسد بالسلفيين المتشديين الذين تعجز الدول الغربية عن التعاون معهم، إلا أن المملكة العربية السعودية وحلفاءها يفعلون الأمر نفسه تمامًا في اليمن منذ نصف عقد، ومن المرجح اليوم أن يسيطروا على الحرب غرب الفرات في سوريا. ويبدو حاليًا أن السعودية تعتبر «تنظيم القاعدة في جزيرة العرب» أهون الشرّين مقارنةً بالحوثيين المدعومين من إيران في اليمن: فكم من الوقت تحتاج لتنظر النظرة نفسها إلى «الفروع المعتدلة» لتنظيمَي «الدولة الإسلامية» و«جبهة النصرة» في غرب سوريا؟
لا السعودية ولا إيران تفكران في حرب تقليدية مفتوحة بينهما – وهي حصيلة وصفها مؤخرًا ول العهد ووزير الدفاع السعودي الأمير «محمد بن سلمان» بـ«الكارثة الكبرى». مع ذلك لا يخلو الأمر من احتمال حدوث مناوشات حدودية على حدودهما الساحلية المشتركة وفي المنطقة المحايدة من الخليج، مع العلم بأن حقول الغاز المشتركة والجزر المتنازع عليها ستشكل حتمًا نقاط اشتباك بينهما.
فيما يحتمل أن تقوم إيران باختبار الصواريخ على مسافة أقرب وأقرب من الخطوط البحرية والسواحل الخليجية، من الممكن أيضًا أن تبدأ الدوريات الجوية باختبار إحداها الأخرى، وهذا ما حدث خلال الحرب بين إيران والعراق على طول ما يسمّى «خط فهد» إلى حين قامت طائرة مطاردة سعودية بإسقاط طائرتين مقاتلتين إيرانيتين في العام 1984.
وكذلك يمكن لإيران (أو لدول الخليج) أن تنخرط في مضايقات قائمة على مبدأ العين بالعين، أو اقتحام السفن، أو حتى استخدام الألغام البحرية بشكل يسهل إنكاره في الطرق التجارية للدولة الأخرى. (وهذا تكتيك استخدمته إيران في ثمانينات القرن الماضي). زد إلى ذلك أن حرب الإنترنت قد تكون هي أيضًا سلاحًا يسهل إنكاره وتختاره كلتا الدولتين.
في مرحلة ما خلال الأعوام المقبلة، من المحتمل أن نرى كلا الطرفين يخطئ في حساباته ويطلق العنان لقوة عسكرية وجيزة وحادة للغاية ضد الآخر. وبذلك يدق جرس الإنذار. فإيران ودول الخليج باتت تملك اليوم أسلحةً أقوى من تلك التي امتلكتها خلال الحرب الإيرانية-العراقية، والقوات الجوية المتطورة لدى السعودية وأبرز حليفٍ لها، أي الإمارات العربية المتحدة، قادرة اليوم على تدمير كل المرافئ الإيرانية تقريبًا ومحطات شحن النفط وأهم صناعاتها بواسطة الذخيرة الموجهة بدقة عن بُعد. في المقابل، يمكن لإيران أن تسقط وابلًا من الصواريخ غير الموجهة على ساحل الخليج وكمًّا من الصواريخ الموجهة البعيدة المدى أكبر من أي وقت مضى.
لكن في العام 1988، أقدمت الولايات المتحدة على تدمير قوات البحرية الإيرانية في يوم واحد من المعارك – وذلك خلال «عملية السرعوف المصلي»، حتى أن يومًا واحد أو اثنين من هذه «الحرب التي تنشب بكبسة زر» سيعتبران بمثابة تذكير للطرفين بالواجب الرئيسي الملقى على عاتقهما، وهو تفادي النزاع المباشر وحصر نزاعهما بالأراضي التابعة للأطراف الثالثة ذات الحظ السيء.
* مايكل نايتس هو زميل «ليفر» في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، الذراع البحثي الإسرائيلي بواشنطن.
ترجمة معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى