وصف باراك أوباما مقاربته للأزمة السورية بأنها النهج “الأكثر ذكاءً وصف باراك أوباما مقاربته للأزمة السورية بأنها النهج “الأكثر ذكاءً”. وطالما أن الحُكم للأفعال لا للأقوال، فإن النتائج التي تحققت من هذه المقاربة تحكي عن نفسها: تعاون نظام بشار الأسد وتنظيم “داعش” على تدمير سوريا، وتآزر الولايات المتحدة وروسيا ونظام الأسد لإلحاق هزيمة بالشعب السوري، وتواطؤ الدولتين الكبريين مع الدكتاتورية والإرهاب لقتل أي طموح عربي بالتغيير… وفي حال كهذه يصحّ القول إن أوباما جنح إلى إهانة الذكاء واحتقاره، لا إلى تمجيده.
في خطاب “حال الاتحاد” الأخير قبل انتهاء ولايته الرئاسية الثانية، كان أوباما منفصلاً فعلاً عن الواقع الذي أسهم في تشكيله، سواء بتردّده أو بـ “استقالته” أو حتى بعجزه المكشوف. كان جميع الذين تحمسوا لوصول رئيس أسود إلى البيت الأبيض يأملون في أن يجري تغييراً في السياسة الأميركية، وقد فعل، إلا أن جديده المرتقب منذ سنين طويلة ظلّ هامشياً ولم يتمكّن من اختراق العقل السياسي لـ “مؤسسة” الحكم. ذاك أن تداعيات سياساته راكمت سوءات أخرى إلى سياسات أميركا الخارجية ولم تؤسس لنهج سلمي عالمي، كما يعتقد. الأسوأ أن عهده تحوّل سريعاً إلى “وقت مستقطع” في الدبلوماسية الأميركية، كما لو أن لا فائدة منه، ولعله على العكس مهّد لعودة الدبلوماسية السابقة بأسوأ ما عندها. وليس صعود دونالد ترامب في الاستطلاعات سوى مؤشر إلى ذلك بغضّ النظر عن انتخابه أو عدمه.
ليس تبسيطاً القول إن عبارة “داعش ليس خطراً وجودياً” لأميركا يختصر عملياً كل تفكيره. فالمهم عنده، في نهاية المطاف، أن أميركا في مأمن من الإرهاب، أما معاناة بلدان وشعوب أخرى من الإرهاب فهي تفاصيل تتسلّى أميركا بـ “مكافحتها”. وليست تبسيطاً، أيضاً، مفاخرته بالقطع مع سياسة أميركية تقليدية قامت على التدخل العسكري. فالصحيح أنه لم يتدخل على الطريقة البوشية، لكن “عدم التدخّل” على الطريقة الأوبامية كان في الواقع تدخلاً بالإنابة يتولّاه فلاديمير بوتن أو “أبوبكر البغدادي” أو “الحوثي” أيٌّ من شذّاذ المارقين.
كانت كل ظواهر الفشل الأوبامي في المنطقة العربية. في عامه الأول نال تصفيقاً عربياً لم يحظَ به أي رئيس أميركي في السابق، إذ أبدى استعداداً استعراضياً للتصدّي للقضية الفلسطينية، ثم تراجع أمام بنيامين نتنياهو الذي لم يتردد ووزراؤه في تحقيره وإهانة إدارته، إلى أن استسلم معلناً أنه في سنته الأخيرة في الحكم سينسى أن هناك قضية لا تزال مركزية في الشرق الأوسط. لم يقتصر الأذى على أن أوباما لم يستطع، مع افتراض حسن النيّة، أن يحرّك “السلام” ومفاوضاته، بل إنه عجز عن الحدّ من جرائم إسرائيل المتمادية ضد الفلسطينيين.
ولعل أوباما شاء الانسحاب الأميركي من العراق نموذجاً للانسحاب من المنطقة بأسره، لكنه اضطر للعودة بحجة الإرهاب، وهي حجة ذات أسماء كثيرة منها الانسحاب التخريبي بعد التدخل/الغزو التخريبي، فكلاهما سلّم العراق إلى إيران ووضعه في لجّة مخاطر لا قاع لها. إلا أن فشله الآخر الكبير كان بالتأكيد في مقاربة “الربيع العربي”، فهماً وتحليلاً وتعاملاً. فالرئيس المثقّف فوّت فرصة تاريخية لعقد “مصالحة” بين أميركا والعرب، وبدل مساعدة الشعوب في تحقيق طموحاتها فضّل إبقاء الأبواب مفتوحة أم إعادة إنتاج الدكتاتوريات.
التالي