تنتهي معركة الجندي بانتهاء المواجهة، طالت أم قصرت، يقاسمه الصحفي بعض تفاصيلها، فإذا سكتت أفواه المدافع والاليات وكل قاذفات حمم الموت، أثنى الجندي البطل ركبتيه وأسند ظهره إلى ما تبقى من ركام مترسه، ثم يمسح الغبار عن سلاحه وجبينه الذي يتصبب عرقا، ويودع رفيقه المحارب بلا رصاص، يلوح بعضهم لبعض بأياديهم وقد اختلطت ارواحهم وتوثقت أخوتهم برائحة البارود. هذه صورة محبوسة للحظة قصيرة أقصر من لمعة برق أو قل بمقدار برقة فلاش!
كانت هذه بعين الصحفي المصور الزميل سليمان النواب وكان خلف الكاميرا رعب وشظايا وسليمان بجسده النحيل وقلبه الشجاع وقد حبس اللحظة لزميليه يوسف يحيى وعلي الحبيشي وأبطال من الجيش الوطني والمقاومة الشعبية على أدنى خطوط النار في قمة جبل هيلان.
بحساب الزمن فإن لحظة التقاط الصورة لا يتجاوز الثانية، وفي أقل من الثانية يظهر الزميل يوسف حازب مصور قناة سكاي نيوز عربية وهو يقفز باتجاه رفيقه الزميل علي الحبيشي الذي يقف بجوار أحد أبطال المقاومة وكلاهما متشح بسلاحه، ذخيرة أحدهما رصاص والآخر يحبس اللحظات يوثقها بعدسته في أول خطوات المعركة للجبهة الموازية في حرب المقاومة المفتوحة.
تنتهي معركة الجندي بانتهاء المواجهة، طالت أم قصرت، يقاسمه الصحفي بعض تفاصيلها، فإذا سكتت أفواه المدافع والاليات وكل قاذفات حمم الموت، أثنى الجندي البطل ركبتيه وأسند ظهره إلى ما تبقى من ركام مترسه، ثم يمسح الغبار عن سلاحه وجبينه الذي يتصبب عرقا، ويودع رفيقه المحارب بلا رصاص، يلوح بعضهم لبعض بأياديهم وقد اختلطت ارواحهم وتوثقت أخوتهم برائحة البارود.
حينها يعود رفيقه الصحفي ممتنا لرفاق السلاح يحدث الناس عن بطولات الجنود وصمودهم، ويخوض شوطا جديدا من معركته الساخنة في نشر الصور إلى فضاء الإعلام وإظهار البطولات العملاقة، فيطمئن اقواما ويهزم آخرين، ثم يحتفظ بملف ضخم من أرشيف الحرب للتاريخ والأيام المقبلة!
الصورة المحبوسة أمامكم كانت لمعة فلاش لكاميرا شاب نحيل اسمه سليمان سقطت بجواره قذيفة هاون ظهيرة الجمعة في أعالي جبال هيلان الشاهقة والممتدة نحو 20 كلم، تحاشاها الرفاق المحاربون بعناية الله، وبعد دقائق قريبة سمعوا فحيح قذيفة اخرى أعقبها سقوط مدو تطايرت منه الشظايا بخبث وحقد اصيب بجزيء صغير منها زميلنا الحبيشي، كان ذلك وسط تساقط احاد القذائف قال الزملاء انها بين سبع أو تسع وما بينهما! ليس من مهامهم عد القذائف الساقطة، فحين تشاهد ما احتفظت به عدساتهم ترزح تحت نوبة دهشة ورعب قد لا تجرؤ على إعادة مشاهدتها فرحا بنجاة الزملاء ورفاقهم في جبهة؛ لكن السؤال عن نفسية الذي أطلق زخات القذائف على جنود مشاة وزملاء مصورين لن يتوقف..
عاد الأصدقاء بسلامة المولى وقد تيقنوا أن فلسفة الحروب تقول إن من يشارك في القتال آلاف فيما لا تخطف الرصاص سوى ارواح من حانت ساعة رحيله وهم قليل، مع أن كل روح إنسان عالم بمفرده وخسارتها لا تهون.
تهدد الصحفي مخاطر فنجاته من خطورة الموت لا تعني سلامته، لقد تعرض الزميل سليمان مثلا لسرقات، البعض يسرق صوره حتى قبل أن تهدأ أنفاسه المتسارعة؛ لا يزال البعض في الوسط الإعلامي بكل اطرافه يحتاجون إلى جرعة ضمير لتكتمل عندهم أخلاق المهنة.
همس لي مصور صحفي أن القلق ليس من الموت في جبهات القتال، “نحن نركب الخطر ونحمل رؤوسنا على أكفنا” لكنه سدد سهمه نحوي بنظرات موجعة وتمتم:” لكن القلق يحضر على من خلفنا من أسرنا فأي جهة يمكنها رعاية أسرة الصحفي الشهيد؟!”.
سؤال صعب.. أي طرف يملك إجابته يا ترى؟!