لا يمكن حصر ملفات الصراع مع المشروع الإيراني في المنطقة في مقالة، فكل منها يحتاج كتاب لا مقال، من حيث تقديم رؤية ثم توصيات استراتيجية، لمواجهة هذا التمدد العدائي، وخاصة في تقاطعه الحيوي مع الغرب، وهنا أحد أهم الإشكالات الكبيرة في الواقع العربي، والخليجي على الخصوص.
لا يمكن حصر ملفات الصراع مع المشروع الإيراني في المنطقة في مقالة، فكل منها يحتاج كتاب لا مقال، من حيث تقديم رؤية ثم توصيات استراتيجية، لمواجهة هذا التمدد العدائي، وخاصة في تقاطعه الحيوي مع الغرب، وهنا أحد أهم الإشكالات الكبيرة في الواقع العربي، والخليجي على الخصوص.
وهي غياب مراكز الدراسات المتخصصة، التي تنطلق من البعد القومي للدولة وهويتها العربية، ومصالحها السياسية الكبرى، وليس شخصيات أو مراكز مرتزقة تطرح البعد المنافق الذي يضمن تدفق المال لا صحة الرأي.
وهنا لا يُمكن أن تعبُر المنطقة الخليجية هذا المضيق الصعب، دون إعادة تقييم ذكية للمشهد ومعرفة ما لذي حققته طهران من نجاحات، وما هو مستقبل التوافق الغربي معها.
لقد انتهجت إيران برنامجا متوازياً في تحركها وخطابها الإعلامي، فاعتمدت دعم خطوط المواجهة في مواقع نفوذها مركزيا، في حين باشرت خطابا دينيا منفتحا على المسلمين والغرب، وخاصة في الآونة الأخيرة، في ذات الوقت الذي يتدفق عمقها الطائفي، في كل بنية التربية الدينية الجديدة لمشروع تصدير الثورة.
إلا أنها تخلصت من ربط الخطاب الطائفي الميلشياوي بها، وهذا لا يعني غباء الغرب، عن عدم إدراك ذلك، لكن الصورة التي بُنيت للطرف المقابل وغياب الرؤية الإعلامية الاستراتيجية، سهلت ربط خطاب التحريض الطائفي الواسع في منابر المجتمع بعمليات الإرهاب لداعش، في حين غاب هذا الرابط مع ميلشيات إيران المتعددة من اليمن إلى سوريا.
وبات الغرب ينظر إلى هذا التفويج العام، الذي ينتشر في الميدان الاجتماعي المواجه لإيران، والذي ظنه البعض رادعاً مذهبياً سنياً مقابل، كدليل لصعوبة تفاهم واشنطن مع هذا الضخ، الذي يزداد يوميا، في حين تُقدّم طهران رغم كل جرائمها وجرائم الراعي الروسي الجديد، وجبات من خطاب اعلامي يبدو عقلانيا لاحتواء الانفجار الطائفي، وأنها وريثة الحضارة الفارسية، الأقرب للغرب من همجية العرب.
وهنا يرصد الغرب معادلتين مهمتين الأولى، ما يراه من ثبات أكثر في منظومة التفكير الإيرانية ومصالحه معها، وهو ما خاطب به نصر الله مباشرة الأميركيين والغرب، في خطابه وفرص التعاون معهم في تشكيل جغرافيا سياسية جديدة للخليج، وبالتالي ضمان انتقال الخليج إلى وضع توافقي للمصالح المشتركة حتى مع ميلاد خريطته الجديدة، فالتفاهم هنا يؤكده نصر الله لواشنطن مباشرة، فضلا عن خطاب طهران المكثف مع ممثلي البيت الأبيض.
أما المعادلة الثانية، فهي أن المشروع العربي المقابل لإيران، والذي يقوده محور خليجي محدود، لا يملك قواعد كافية للتغيير وصناعة بطاقة توازن، يضطر معها الغرب للتعامل البراغماتي، فمعركة اليمن لم تحسم لإبعاد هادي القوى الشمالية وخاصة القيادات العشائرية والسياسية المركزية.
ودعم ثوار سوريا كان محدودا، ثم تحول إلى التفكير في مستقبل مفاوضات، قطعت موسكو الطريق عليها، ولم يُنفّذ مشروع التغيير الممكن في سوريا عبر الأبعاد الثلاثة، المنطقة الآمنة والتسليح النوعي، ووحدة الثوار كقيادة ميدانية لا وفد تفاوض، نُقض متطلبه الأصلي بقرار روسي.
وهذا يعزّز قوة الطرف الآخر لدى الغرب، فضلا عن أن الغرب ليس راغبا ابداً باستقلال سوريا بنظام ديمقراطي نسبي، لأن هذا قد يُغير قواعد اللعبة خارج مصالحه ومصالح إسرائيل، ولم يتمكن المحور الخليجي من إحراز تقدم بيد الثوار بسبب قلة الدعم، وضعف التنسيق مع تركيا، وهو التقدم لذي تضطر واشنطن للقبول بقواعد لعبة مختلفة فيه.
الوطن القطرية