بقاء “القاضي العمراني” كمدرسة إطار جامع
عدنان هاشم
توفي شيخنا وأعلم أهل اليمن بالفقه والتشريع وعلوم اللغة، توفي شيخ الإسلام العلامة القاضي محمد بن إسماعيل العمراني، بعد قرن من الزمان حرص فيه على تلقين علوم الدين وتحبيب طلاب العلم بالعلم الشرعي بعد أن تركه كثيرون.
رحمة الله “القاضي العمراني”، لا أدري أي حزن جثّم على صنعاء الليلة وأنت بقرب “ربك” الذي أحببته وأخلصت عملك وعلمك له، أحبك الله يا قاضي، فأحبك الناس، رحلت إليه ولم “تغثيّ أحد” فلم تدفع الحزن في قلب أحد من تلاميذك ومن عرفت وعرفوك، كنت مع تلاميذك كصديق مقرب، ومن سكان صنعاء كوالد ناصح.
كان جديّ رحمة الله عليه يقول إن “الله رحم اليمنيين ومنّ عليهم بالقاضي العمراني”، علمهم سماحة الإسلام ووسطية الدين، ولم يجد وسيلة جماهيرية إلا ووجدته يتحدث من خلالها لعموم اليمنيين، بلغتهم البسيطة التي يفهمها الصغير والكبير. وفي الجامعات وفي معهد القضاء كان فقيهاً، عالماً، ومحدثاً، يحدثهم بلغتهم ويوصيهم بالناس وباليمن.
“القاضي العمراني” هو امتداد للإحياء اليمني لمدرسة “محمد بن علي بن محمد الشوكاني” و”الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني”. هذه المدرسة اليمنية التي ترتفع فوق الانقسامات المذهبية والمدارس الفقهية “سنية وشيعية”، هي المدرسة التي جنبت اليمن ويلات الحروب وتمزق نسيجه الاجتماعي على أساس مذهبي، رغم ما فعلته الإمامة والاستعمار باليمن واليمنيين.
إنها “مدرسة العمراني” مدرسة الوسطية والاعتدال، مدرسة فوق المذاهب، هي إطار جامع كهوية الوطن الجامعة، لا يختلف عليها اثنان، ولا تنحني للحكام والجماعات والفِرق، لا للقوة المسلحة الغاشمة، ولا لتديّن الدراويش، هي مدرسة من مدارس العلوم الإنسانية وعلوم الحياة.
يصعب على اليمن الانتقال نحو المستقبل بخلافات المذاهب، لن نواجه الانقلابات والتمردات -حتى وإن كانت مذهبية- ب”السلفية” و”الزيدية” و”الشافعية” بل بمدرسة واحدة هي أعلى من كل تلك المذاهب، هي مدرسة “القاضي العمراني” فبقاءها حتمية لوقف شروخ المجتمع، وتمنع الذهاب نحو حرب هوياتيه على أساس الدين والمذهب.
“مدرسة القاضي العمراني” جديرة بالاتباع لإنهاء خرافة المذهب الذي يتسيّد على الناس، والعائلة التي تريد امتلاك رقاب المسلمين، وتدين الدراويش الذي يؤثر على الفرد والمجتمع والدولة.
ترك “القاضي العمراني” علمه مدوناً في كتب، وفي وعيّ آلاف التلاميذ الذين أجاز معظمهم في فروع الفقه، يمنيون وخليجيون وعرب؛ هذا العلم هو “مدرسة اليمنيين” الجديدة إن أرادوا إطاراً جامعاً يوحدهم لا عصبية مذهبية تفرقهم. ما يؤرق السلاليين وأمراض النفوس أن يصبح “القاضي العمراني” مدرسة جديدة تطيح بأحلام تسيّدهم على الناس، وتؤسس لمواطنة متساوية، وتقف حجر عثرة أمام دروشة المجتمع لبقاء الاستبداد والطغيان في السلطة.
هي مهمة عسيرة لسلطة ودولة وتلاميذ ووطنيين، وجيل جديد لا يعرف الكثير عن هذه “المدرسة العظيمة” التي نشأت من اليمنيين ومنهم.