كتابات خاصة

ثقافة التراحم والعفو 

 

ما الذي نحتاجه اليوم؟، لنخرج من هذا البؤس والشقاء، ونوقف آلة الطحن المستمرة لحياة المواطن وحقه في حياة كريمة، لنحد من استثمار قلة قليلة من البشر لما لديهم من قوة، لقهر الآخرين وإذلالهم ومهانة .

ما القاسم المشترك في كل مراحل الفشل والخذلان؟!

أسئلة مهمة، الإجابة عليها تحتاج لنظرة فاحصة لرواسب الماضي، ومراجعة حقيقية لمرحلة ما بعد الاستقلال، وآثارها النفسية والروحية، الثقافية والفكرية، على حياة الناس واختياراتهم ومواقفهم السياسية .

نحتاج لدراسة علمية، ومراجعة صادقة، للسياسات و تراكماتها وآثارها السلبية، على الحاضر والمستقبل، ونتجنب تكررها بغباء الثأر وحالة الانتقام  .

القاسم المشترك في كل مراحل الفشل والخذلان،  هي فقدان ثقافة التراحم والعفو،  فقدان الرحمة والحب والود والتعاون المشترك،  والعفو عند المقدرة،  فطغت  حالة من الثأر والانتقام السائدة اليوم،  هي حالة إنسان فقد الحب والود والرحمة،  وتوحش،  وفقد روح العفو عند المقدرة،  عاجز على ان يفهم أبسط أمور التعايش مع الآخر،  يفهم موازين هذا التعايش،  و قيم واخلاقيات العلاقات مع من يعيش معهم،  تحت سقف وطن يستوعب كل أبنائه،  وحياة منضبطة بأعراف ثم نظم وقوانين وشرائع وضعية وسماوية،  وكلها تحث على الرحمة والود والإخاء،  بما يعني التعايش والسلام والعيش الكريم للجميع دون استثناء .

توحشنا،  حتى صار وطننا ساحة للحروب والصراعات السلبية، والمؤامرات القذرة،  والتي تواجه رفض ، رفض العنف، والاستبداد والهيمنة،  والظلم والقسوة، وما تسببه تلك من نتائج وتداعيات،  ومنها صعود الخطاب المدمر للهوية، وتفكيك الأواصر، والمحدث الشروخ والتصدعات داخل المجتمعات، مما يقتل أي روح إيجابي، لتبرز الروح السلبية القاتلة،  وتتحول قضايانا المصيرية مزايدة سياسية، تنتج زوبعة من خلط المفاهيم وخروجها عن سياقها القيمي والأخلاقي،  فيها من الخبث والدسائس، المؤسف ان معظم من يتبعها ببراءة العواطف،  والأحلام والتطلعات التي تنهار على رؤوس أصحابها .

في مخاض كهذا ليس غريباً أن ينجح الاستعمار في قولبة حبّ الأوطان إلى عنصرية مقيتة تفتِّت وحدة الأمَّة وتعيق تماسكها وقوّتها ونهضتها.

فزعم حبّ الوطن، والانتماء له، والحرص على سيادته واستقلاليته، ظهر بعض -الوطنيين- ليفرّقوا بين أبناء الوطن الواحد، ويعطوا الناس شهادات في الوطنية، ويوزّعوا عليهم الأوصاف التي تناسب أمزجتهم؛ كالانتماء، والخيانة، والعمالة وغيرها.

تفننوا في تخوين الآخر، واتهامه وتكفيره وتتفيهه، والحقيقة انهم جزءا من الماضي، وتاريخهم قذر، هم الوجه الآخر لذلك الماضي العفن، انظر لتحالفات اليوم ستعرف حجم المأساة التي نحن فيها، والتاريخ يعيد نفسه، يعيد تكرار الفشل، وضياع الحلم، مأساة أن الخلف هو السلف، وأن تغير الرداء، وارتدى الفاسق توب العفة والفاسد توب النزاهة، والجلاد توب الضحية، والنتيجة الصادمة أن العمالة اليوم تباهي، لها مبرراتها الوقحة، أن ابتلوا بها لا يستتروا.

ما أمسنا اليوم لحاجة من الوعي والتنوير بالقضايا المصيرية، الحفاظ على ثوابت القيم والأخلاقيات، لنكن أناسا متراحمين نحب بعض ونود بعض، متعاونين شركاء في وطن يجمعنا، فاين قوى الحداثة والتنوير والوعي؟  فهل مسها الضر، وتصدعت بتصدعات وطن، منقسمة بين أدوات العنف والصراع، تحمل معول الثأر والانتقام، تصفي حساباتها مع خصوم الماضي، فتاهت عن إحداث مستوى من الوعي في التغيير والقبول بالأخر، واستدعائه لحلبة الضبط المؤسسي والقانوني، يمارس حقه المكفول، ويحد من تجاوزات هذا الضبط، لنتفق على وطن نتعايش فيه شركاء متراحمين و متصالحين ومتسامحين، والله الموفق .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى