آراء ومواقف

«السيطرة الإيرانية على المنطقة» من عدسة العلاقات الدولية

علي باكير

كتب تريتا بارسي خلال الأيام القليلة الماضية سلسلة من المقالات الموجهة ضد المملكة العربية السعودية في أهم المواقع الإعلامية الغربية كان من بينها وكالة رويترز وهافينجتون بوست والجزيرة الأميركية.

كتب تريتا بارسي خلال الأيام القليلة الماضية سلسلة من المقالات الموجهة ضد المملكة العربية السعودية في أهم المواقع الإعلامية الغربية كان من بينها وكالة رويترز وهافينجتون بوست والجزيرة الأميركية.
لمن لا يعرف تريتا بارسي، فهو يشغل منصب رئيس المجلس الوطني الإيراني-الأميركي، وهو بمثابة لوبي قوي وفعال لصالح إيران في أميركا، ولعب دورا مهما في تقريب العلاقات الأميركية-الإيرانية لاسيما في عهد أوباما وفي الترويج لمكاسب التوصل إلى اتفاق نووي مع طهران.
في مقاله الأخير بعنوان «المنطق خلف تصعيد التوتر في الشرق الأوسط» حاول بارسي أن يفسر ما يجري من خلال عدسة العلاقات الدولية. فكرته الأساسية كانت أن إيران هي قوة صاعدة الآن، وأن السعودية قوة متراجعة، وأن ذلك يدفع الأخيرة -كما يقول التاريخ- إلى افتعال المشاكل في المنطقة واتخاذ السياسات العدوانية والخاطئة، ولذلك من الأفضل لأميركا أن تقف في النهاية مع إيران.
طبعا لا يعطينا بارسي أية شواهد عن حالة إيران كقوة صاعدة ومصادرها، وهل هي الاقتصاد الإيراني؟ أم القدرات العسكرية التقليدية الإيرانية؟ أم النموذج السياسي الإيراني؟ لا شك أن نظرة فاحصة على كل هذه العناصر ستؤكد أن إيران ليست قوة صاعدة على الإطلاق.
ولكن لو افترضنا جدلا أنها كذلك، فتفسير بارسي لهذا الوضع من خلال عدسة العلاقات الدولية جاء منحرفا، فالتاريخ وعلى عكس ما قاله يظهر بأن القوة الصاعدة ذات الأطماع التوسعية والتي تسعى إلى فرض الهيمنة هي التي تتسبب عادة باندلاع حروب كبرى وليس القوة المتراجعة، ذلك أن الأولى تخطئ في حساباتها وفي تقدير الوضع الحقيقي لقدراتها أو تدفع الآخرين للتكتل ضدها.
إيران لم تكن في يوم من الأيام قوة «ستاتيكو»، هي لم ترض ولا ترضى بالترتيبات القائمة في المنطقة؛ لأنها تعتقد واهمة بأن لها حقا تاريخيا مزعوما يفرض أن تكون القوة الإقليمية المهيمنة والمسيطرة على المنطقة (المشرق العربي: الخليج والعراق وبلاد الشام) وأنها تمتلك من العناصر ما يخولها أن تكون متفوقة على جيرانها بما يعكسه ذلك من الشوفينية القومية المتدثرة بغطاء مذهبي.
وعليه، ومن زاوية العلاقات الدولية فهي تعتبر قوة «تغييرية»، ومن الصفات الأساسية للقوة التغييرية أنها لا تشعر بالرضا عن الترتيبات القائمة والنظم الإقليمية والدولية الموجودة، وإنما تعمل على تحديها وتقويضها، والسياسات الإيرانية -حقيقة- مليئة بالشواهد على كونها دولة على هامش القانون إن لم نقل إنها دولة مارقة.
المثير للاستغراب أن ما يبدو للبعض بأنه صعود إيراني لا ينبع حقيقة من عوامل داخلية بقدر ما يأتي نتيجة لتقويض الإدارة الأميركية الدائم والحثيث للتوازن الإقليمي في المنطقة لصالح إيران. فبعد احتلال أفغانستان والعراق حصل خلل كبير سمح لإيران وأتباعها في المنطقة بالشعور بالقوة ما أعطاهم دفعا لتحقيق طموحهم التاريخي بالهيمنة والتوسع، ثم جاءت إدارة أوباما بسياساتها التي سيسجل التاريخ أنها واحدة من أعظم كوارث العصر الحديث لتكرس الخلل القائم في التوازن الإقليمي بل ولتعمق منه أيضا. إيران لم تتوقف يوما عن شن حروبها غير التقليدية على البلدان المجاورة، وما تقوم به ستدفع ثمنه عاجلا أم آجلا.
المصدر: العرب القطرية 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى