يعزز أداء الأمم المتحدة من القول باستخدام الحالات الإنسانية التي تظهرها في بعض الأحيان، في سياق مصالح معينة آنية أو مستقبلية قد لا تبدو نتائجها على المدى القريب، ويقتضي ذلك استمرار تجويع تعز إلى أن تتغير المصالح، إلا أن ذلك يؤكد زيف الضمير الأممي. يمن مونيتور/ خاص/ من هشام المسوري
هل ما يزال المجتمع الدولي يملك بقايا ضمير؟، سياسة الأمم المتحدة ومنظماتها العاملة في اليمني تقول غير ذلك لا سيما فيما يتعلق الأمر بالحصار الإنقلابي المفروض على مدينة تعز التي يقطنها حوالي 300 الف إنسان يتصدر هذه القائمة نسبة كبيرة من النساء والأطفال وكبار السن، بل إن سياسة الأمم المتحدة وربطها لإدخال المساعدات الإغاثية التي تسمح بمستوى معين تحت الحد الأدنى من المعيشة، وهو مستوى يبقى مصنف قانونيا وطبيعيا ضمن لائحة الجوع، لكنه الجوع الذي يبقي الإنسان معذباً بين الحياة والموت، هذه السياسة الأممية تثير تساؤلاً من نوع آخر، هل أصحبت المنظمات الأممية شريكة في الجريمة الشاهدة على مرتكبيها؟
ينقلنا هذا للحديث عن تلاشي سمعة الأمم المتحدة ولصقها من قبل شريحة المحاصرين والمتضامنين إنسانياً معهم إلى كونها أضحت جزءاً من المشكلة، تفسّر السلام الكاذب والأمن المزيف والادعاء الإنساني الذي بات آلية أممية مشوّهة للتستر على جرائم حرب ترتكبها مليشيات طائفية مسلحة ضد مجاميع بشرية من المدنيين، بينما تعز على مستوى الواقع تعزز من ضرب سمعة الأمم المتحدة وتعريها أكثر، وهي تؤكد عدم استطاعة المنظمات الأممية إدخال المساعدات الإغاثية والأدوية الطبية لتعز، وميلها نحو عدم الضغط على المليشيات الإنقلابية المحاصرة للمدينة لإجبارها على السماح لإنقاذ المصابين في المستشفيات والمرشحين لقوائم المجاعة المؤدية للموت النهائي.
على الصعيد المحلي والوظيفي تتكون طواقم العاملين داخل المنظمات الأممية من شخصيات منحازة لأسس عرقية وطائفية تلغي مفاهيم الحق والقانون والمواطنة، هذا بالتأكيد اثر على اداء المنظمات الأممية بشكل عام، وساهم في تقديمها كطرف وانحرف بوظيفتها الإنسانية المفترضة إلى كونها تلعب في إطار السياسة وأجندتها وتوجهاتها، مرتكزة في هذا اللعب على أسس طائفية متأثرة بميولات وتوجهات هؤلاء العاملين، فهناك في محافظة “حجة”، مثلاً، مندوب المفوضية السامية هو نفسه أحد قادة المليشيات الحوثية الذي يتحكم بسير عمل المفوضية في المنطقة وآلية توزيع المساعدات الإنسانية، أما في محافظة “ريمة” جنوب غربي اليمن، فمندوب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في قافلة المساعدات الأكبر التي صادرتها المليشيات الحوثية في أحد مداخل المحافظة في اكتوبر 2015 هو قيادي حوثي ينفذ مهامه طبقاً لتوجيهات قيادة المليشيا التابعة لجماعته، واستطاع فيما بعد تجميد قضية مصادرة الشاحنات لتقوم المليشيات الحوثية ببيعها إلى جانب مشتقات النفط في السوق السوداء. فما الذي يجعل الأمم المتحدة تتفرج على مساعداتها الخاصة باللاجئين وقد أصبحت تباع في السوق السوداء دون اتخاذ اجراءات مواجهة لهذا السلوك، وهل ذلك يليق بمنظمة تدعي رعاية الأمن والسلم الدوليين وحماية حقوق الناس، وكيف سمحت باختراقها اساساً من قبل العاملين في فروع منظماتها في اليمن؟
لو بقي هناك ضمير متسق مع الغاية التي خلقت الأمم المتحدة من أجلها، لما قبلت بالتعايش والانسجام للحظة واحدة مع مليشيات طائفية نفذت انقلاباً على الدولة ولأخضعت قادتها لعقوبات دولية كمجرمين حرب بحسب قرارات مجلس الأمن نفسه الذي يشكل أحد مؤسساتها، ولما قبلت التعاطي والتماهي مع مليشيات ارتكبت جرائم حرب ضد الإنسانية في مدينة تعز المحاصرة التي تقوم فيها المليشيات الإنقلابية بممارسة يومية لعمليات قتل بالجملة تتضمن قتل أطفال ونساء وشيوخ، وقبلها جرائم مشابهة في مدينة عدن ومناطق يمنية أخرى.
جريمة الابادة الجماعية والحصار اللا إنساني والقصف على أحياء مدينة تعز المحاصرة ينبغي أن تسقط كل أوهام الأمم المتحدة في أمل إمكانية التفاهم مع المليشيات الإنقلابية بتلك الطريقة التي ينتهجها موفد الأمم المتحدة الى اليمن اسماعيل ولد الشيخ، الذي لم ينجح في إقناع مليشيا الإنقلاب في السماح له بزيارة المختطفين السياسيين في معتقلاتها السريّة، فهذه الطريقة مخلّة بوظيفة الأمم المتحدة وتشكل انحطاطاً في ادعاءاتها الإنسانية، وتشرعن للجريمة في أن تصبح عقيدة سياسية يمكن التعاطي معها في سياق اليات وتفاهمات السياسة.
تبدو الأمم المتحدة نفسها غير مؤمنة بادعاءاتها ووعودها التي يقطعها مبعوثها إلى اليمن على نفسه إزاء جريمة الحصار والإبادة الجماعية في تعز، إذ أن الأمم المتحدة عبر مبعوثها لم تستطيع حتى الالتزام بتطبيق قرارتها وهي أسيرة لسياسة المداراة وإطلاق التنديدات العائمة والتعميمية دون الإشارة بوضوح للمليشيات الإنقلابية التي تمارس الإرهاب وتحاصر تعز.
يعزز أداء الأمم المتحدة من القول باستخدام الحالات الإنسانية التي تظهرها في بعض الأحيان، في سياق مصالح معينة آنية أو مستقبلية قد لا تبدو نتائجها على المدى القريب، ويقتضي ذلك استمرار تجويع تعز إلى أن تتغير المصالح، إلا أن ذلك يؤكد زيف الضمير الأممي، فعندما يرى العالم مشاهد الحصار والتجويع والقتل في تعز على يد مليشيات طائفية في ظل تجاهل مخزي من الأمم المتحدة، فهل بقي هنا ضمير إنساني في هذه المنظمة الدولية الراعية للأمن الكاذب والسلام المزيف والإنسانية، الكذبة الأكبر في الأمم المتحدة؟!