وأدى تدهور الأمن وانهيار الدولة الينية في العام 2015م وازدياد الجريمة، إلى هروب المستثمرين مع رؤوس أموالهم إلى الخارج، سيما الاستثمارات الأجنبية خاصة في قطاعي النفط والغاز. يمن مونيتور/ خاص/ من محمد الجماعي
أعد قسم التحقيقات بشبكة “يمن مونيتور” الإخبارية حصادا لأسوأ أعوام الاقتصاد اليمني، وهو العام 2015م.
وخلص معدو الحصاد إلى استخلاص أهم ما أدلى به لـ “يمن مونيتور” خبراء الاقتصاد والسياسة وعدد من رجال المال والأعمال والتسويق، وتم استخلاصه في ثلاثة محاور رئيسية، أشارت بشيء من الإيضاح إلى معادلة “إحلال واستبدال” صاعدين جدد في عالم الثروة، على حساب القيم الحقيقية للاقتصاد اليمني الذي انهار في الأشهر الأولى من الحرب التي شنها تحالف الحوثي والرئيس السابق، وما تبعه من حصار وقصف التحالف العربي لإعادة الشرعية.
وهذه المحاور هي:
– قصة اقتصاد ريعي ونفط ضئيل!
– سوق سوداء، اقتصاد أسود
– تصحيح أوضاع العمالة
المحور الأول:
2015 قصة اقتصاد ريعي ونفط ضئيل!!.
في اليوم قبل الأخير من العام 2015 سلمت شركة توتال الفرنسية كامل حقولها للحكومة، مغادرة اليمن نهائياَ، فيما أُسندت حقول توتال لشركة “بترومسيلة” الحكومية المحلية. وتوتال هي واحدة من عشرات الشركات التي غادرت جميعها اليمن مطلع 2015 وأواخر 2014 عقب سيطرة الحوثيين على صنعاء في سبتمبر/ أيلول.
اقتصاديون اعتبروا ذلك نذير شؤم على كل القطاعات الاقتصادية في بلد نفطي صغير, وعليه فقد تعطل إنتاج وتصدير النفط بشكل كامل منذ بداية الحرب في مارس/ آذار الماضي. وتشير تقارير رسمية إلى تراجع إنتاج اليمن إلى 105 آلاف برميل يومياً (في سبتمبر/ أيلول 2014)، بعد أن كان ينتج ما يزيد على 400 ألف برميل يومياً قبل 2011.
وذرف رئيس الحكومة السابق محمد باسندوة – وهو اقتصادي مخضرم – الدموع أثناء اجتماع لجنة تسويق النفط عندما وقع على بيع 105 آلاف برميل فقط، لأن عليه أن يبحث لتوِّه عن نصف موازنة الدولة!!، وهي موازنة تعتمد على ريع الإنتاج النفطي بنسبة 70%.
وأوضح تقرير البنك المركزي اليمني، أن اليمن خسر حوالي مليار دولار من عائداته النفطية، خلال العام 2014، مقارنة بالعام الذي قبله، وهما عاما تخريب خطوط نقل الطاقة وتفجير أنابيب النفط، من قبل مجموعات تبين لاحقاً أنها تتبع نظام الرئيس السابق “علي عبدالله صالح”.
وحسب وزير التجارة والصناعة السابق، والخبير الاقتصادي د. سعدالدين بن طالب، فقد “مر عام 2015 على الاقتصاد اليمني كأسوأ عام منذ عقود طويلة ربما في التاريخ الحديث”.
وأوضح بن طالب في تصريح خاص لـ “يمن مونيتور” أن أهم آثار أحداث 2015 على الاقتصاد اليمني تتلخص في “تراجع كل قطاعات الاقتصاد الانتاجية والخدماتية، وتدمير الكثير من البنية التحتية، وهروب رؤوس الأموال”.. وعقَّب بالقول: “إن أهم قضية هي فقدان الثقة في الدولة التي انهارت، وسيطرة عقلية المليشيات على اتخاذ القرار الاقتصادي”..
عامٌ سيء انعكس على الاقتصاد اليمني حسب الباحث الاقتصادي “فوزي الجرادي”، (قطاع خاص) إذ تسبب الانقلاب الحوثي في نمو أجواء طاردة للاستثمار، وما هروب المستثمرين ومغادرة شركات النفط الأجنبية التي يعيش الاقتصاد بسببها حالة من الشلل التام، إلا واحد من مظاهره الجلية الواضحة.
وأدى تدهور الأمن وانهيار الدولة وازدياد الجريمة من وجهة نظر خبير التسويق مازن الشيباني (قطاع خاص) إلى هروب المستثمرين مع رؤوس أموالهم إلى الخارج، سيما الاستثمارات الأجنبية خاصة في قطاعي النفط والغاز.
ولأن اليمن ضعيف اقتصاديا فقد انعكس ضعفه على جميع الجوانب الأخرى بشكل مباشر.. بدءا بانهيار نظام الحكم، وتداعى البنى التحتية، مرورا بتوقف تدفق المساعدات الدولية، وليس انتهاء بازدهار السوق السوداء، واهتبال “صاعدين جدد” فرصة اللادولة لتوسيع مطامعهم وتقنين الحالة الحربية لتصبح هي الأساس في التعاملات التجارية وليست مجرد استثناء.
وإذ لم تكتف جماعة الحوثي التي سيطرت على مقاليد الأمور بقوة السلاح أواخر سبتمبر/ أيلول 2014، بما هو طارد للمستثمرين النفطيين وإغلاق بند إيرادات النفط نهائيا، فقد ابتكروا كل ما من شأنه إبقاء السوق الداخلي فارغا إلا من “المستثمرين” وفق قواعد الاحتكار التي فشلوا في تحقيقها كاملة أثناء سيطرتهم على الحكم، وواتتهم الآن فرصة الحرب وحصار التحالف لكامل رقعة البلاد بحرا وبرا وجوا، حسب خبير اقتصادي فضل ترميز اسمه بـ (م. ق).
وشهدت الفترة التي انتشرت فيها المليشيات المسلحة خلال العام 2015 أوسع عملية حصار وضرب للمنشآت النفطية (قصف مصفاة عدن لتكرير النفط عدة مرات، قصف ميناء الزيت بعدن، قصف محطة تعبئة الغاز بتعز، حصار خط مرور ناقلات النفط والغاز بين مارب وصنعاء، بسط السيطرة بالقوة على كافة صهاريج وخزانات النفط لمعظم المحافظات اليمنية).
وقدر تقرير رسمي نشرته وكالة سبأ، التابعة لحكومة للشرعية، إجمالي كمية النفط الخام والمشتقات النفطية المحترقة جراء القصف في المرة الأولى (يوليو) بنحو 143 مليون لتر من النفط، فيما بلغ إجمالي الخسائر المادية جراء قصف المليشيات للمصافي 40 مليون وسبعمائة وثمانية وستون دولارا وهو ما يعادل 8 مليار وسبعمائة وخمسة وستون مليون ومائة وثلاثة وستون ألف ريال.
وكرر مسلحو الحوثي و”صالح” قصف ميناء الزيت 3 مرات، بعد أن كانت عدة سفن إغاثية تقترب منه لتفريغ حمولتها لإغاثة أبناء عدن الذين تفرض عليهم المليشيا حصاراً خانقاً بات يهدد حياتهم بشكل حقيقي وينذر بكارثة إنسانية.
تعويم أسعار المشتقات النفطية
في أكتوبر 2015 قررت “اللجنة الثورية العليا” التابعة للحوثيين تعويم أسعار المشتقات النفطية مع الأسعار العالمية، وهو ما يعني فتح الباب واسعا لاستيراد المشتقات بنفس الأسعار الدولية، وهو ما يعني أيضاً ارتفاع السعر الرسمي بما يوازي السعر الذي جيشت المليشيات مسلحيها لاقتحام العاصمة بسببه، ما يشير إلى صوابية قرار حكومة باسندوة.
لقد كان الدعم الحكومي للمشتقات النفطية باذخا ومبالغا فيه إلى الحد الذي جعل كل الحلول الاقتصادية تضع التخلص منه في البند رقم (1)، إذ يكلف خزينة الدولة ما يقارب 3.5 مليار دولار أي 12% من الناتج المحلي الإجمالي في العام الواحد!
وبالنظر إلى الظرف الذي اتخذت فيه سلطات الانقلاب في صنعاء وإقليم آزال قرارا بالتعويم، يمكن حساب الفترة التي سيطر فيها قادة حوثيون وبعض أزلام النظام السابق على الأسواق السوداء وفتحها في معظم شوارع العاصمة، أكثر من ستة أشهر، في بيع المساعدات الأممية، بمعدل يوم واحد بالسعر الرسمي في المحطات المخصصة لذلك، مقابل شهر كامل في الأسواق السوداء وبأسعار مضاعفة.
الأمر الذي دفع بالمسيطرين على صنع القرار إلى تقاسم الفائدة رسميا من خلال “التعويم” وهو ما يعني تحديدا فتح المجال لشركاتهم فقط بالاستيراد، ولاحقا من خلال بيع الوقود بأسعار السوق السوداء ولكن في محطات البيع الرسمي وبكميات متوفرة مع تلاشي مشكلتي الازدحام والطوابير. وهو ما سماه رئيس مصلحة الضرائب السابق “أحمد أحمد غالب” بالسوق البيضاء!!..
خبراء اقتصاديون قالوا إن قرار التعويم قضى على مزاعم ثورة الحوثيين، وأكد كونهم عصابة تحالفت مع أجهزة الرئيس السابق لسرقة الشعب ودولته. ووصفه رئيس مركز الإعلام الاقتصادي مصطفى نصر بـ”أنه أكثر القرارات فداحة بحق الشعب اليمني.
لقد عكس قرار التعويم جحم استفادة قيادات الحوثي وصالح من ازدهار السوق السوداء وحجم العائد الذي يصل إليهم، فمن أصدر القرار إنما هم لوبي الفساد وتجار الحروب ومستغلي الأزمات. حسب رأي الكثيرين، فضلا عن كون الخزينة العامة للدولة حينها فارغة، ولا تستطيع أن تدعم أي شيء، ثم أين هي المشتقات التي كانت ستدعمها، إذا كانت الشركات النفطية وعلى رأسها شركة صافر متوقفة عن الإنتاج! وشركات التكرير وعلى رأسها تعرضت لقصفهم، فضلا عن توقف الاستيراد عبر شركة النفط اليمنية، واعتماد السوق المحلية على المساعدات الإنسانية.. وتساؤلات أخرى أيضا برزت حينها..
المحور الثاني
2015.. سوق سوداء.. اقتصاد أسود!!
القطاع الوحيد الذي نشط هو قطاع السوق غير الرسمية، كتجارة السلاح والتهريب والسوق السوداء، حسب د. سعدالدين بن طالب، لما له من أثر مدمر، من وجهة نظره، على المدى
المتوسط والبعيد.
مضيفا “إن تحويل الاقتصاد إلى اقتصاد حرب، يبني مصالح غير سوية تتغذى على استمرار الحرب وعدم إنهائها، وهذه المصالح المدمرة تعتمد على القوة المسلحة في بقائها وتطرد القوى الاقتصادية البناءة”.
ولقد أدت الحرب إلى تعطل جميع أنشطة تصدير النفط والغاز فضلا عن معظم القدرات التصنيعية الرئيسية وسيكون الأثر الإنساني لهذا السيناريو حادا، لأن انقطاع إمدادات الغذاء والماء والطاقة في جميع أرجاء البلاد أدى إلى تشريد ونزوح مئات الآلاف من اليمنيين..
في 2015 حسب الخبير الاقتصادي (م.ق) “تمت إعادة تموضع الاقتصاد اليمني بشكل جديد، وذلك بتركيز الأموال والأنشطة الاقتصادية في يد مجموعة من الصاعدين الجدد – بسبب طائفيتهم أو عرقهم أو ولائهم- على السوق السوداء، سواء النفطي أو النقدي (الصرف)، أو عبر قدرتهم على التحرك بحرية، لنفس الأسباب السابقة، أو عبر ضرب التجار أو رجال الأعمال المنافسين بأخذ الإتاوات أو تدمير مصادر دخلهم أو بسبب الحصار المفروض عليهم من طرف الصاعدين الجدد” حسب توصيفه..
وقالت نادية السقاف وزيرة الاعلام السابقة – وهي أيضا صحفية مهتمة بالتنمية – إن جماعة الحوثي استفادت من ميناء الحديدة – بعد سماح قوات التحالف بدخول السفن – ملايين الدولارات من الخدمات والجمارك.
وذكرت في حسابها على موقع التدوينات القصيرة “تويتر” أن الحوثيين يستولون على ٦٠ مليون دولار شهريا من جمارك وخدمات ميناء الحديدة.
ولفتت إلى أن الحوثيين يستفيدون أيضاً ٢٠ مليون دولار يوميا من فارق أسعار النفط، ويحولونه لصالح ما أسموه لاحقا بـ”المجهود الحربي”.
هروب الأموال والشركات ورجال الأعمال
في نوفمبر الماضي فتحت مجموعة هائل سعيد أنعم النار على شركة النفط اليمنية واتهمتها بالعجز والتقصير، وأوضحت المجموعة التي تتخذ من مدينة تعز مركزا رئيسيا لنشاطها الصناعي والتجاري وإدارتها العامة إن مصانعها وشركاتها توقفت قرابة شهر كامل بسبب عدم توفر مادة الديزل.
واتهم بيان المجموعة شركة النفط بمنع الشحنة التي استوردتها المجموعة بسبب عجز الشركة عن توفير الديزل بحسب الاتفاق المبرم بينهما بسبب الظروف التي تمر بها البلاد.
وأضاف البيان أن المجموعة لجأت للاستيراد الخارجي وحرصت أيضا على عدم توقف المصانع الأخرى غير التابعة لها فزودتها بكميات كبيرة حرصا على عدم رفد رصيف البطالة بالمزيد من العاطلين وتوقف النشاط التجاري في البلاد.. الأمر الذي حولته شركة النفط إلى اتهام للمجموعة بأنها تبيع ما زاد عن حاجتها للسوق السوداء، وهو ما نفته المجموعة نفيا قاطعا..
خبراء وباحثون قالوا إن سقوط مجموعة تجارية مثل “بيت هائل” أخطر على مستقبل المواطن اليمني من سقوط الحكومة برمتها، نظرا لما للمجموعة من تأثير مباشر على معيشة المواطن اليمني.
وإذا كانت تقارير إحصائية تؤكد أن “الأصول المملوكة لليمنيين في الخارج تفوق مجموع احتياطي النقد الأجنبي للبلاد في البنك المركزي” فإن ذلك يسهل للعديد من النخب التجارية مغادرة البلاد أو تخفيف وجودهم خلال فترة عدم الاستقرار..
مثل ذلك يمكن قوله في مجموعات أخرى كبيرة تم “نهب” أصولها ومبانيها ومنقولاتها مثل مجموعة الأحمر التي يملكها المليادير حميد الأحمر القيادي في حزب الإصلاح، إذ شهدت المرحلة الماضية صراعا امتد إلى المحاكم ورفضت كثير من الوقفات القضائية قبول الدعوى في أحقية أي طرف كان في أي أموال مدعى بها باسم الثورة “الحوثية” وما شابه، وصمدت عدد من شركات المجموعة في وجه تلك التحديات، وعدها خبراء اقتصاديون “صمود لأجل الاقتصاد الكلي للبلد”.
لقد أدى الهروب الجماعي لرأس المال اليمني والكادر اليمني المدرب، إلى فتح المجال واسعا لرؤوس أموال قذرة عبثت بالبلد ومقدراته، ولكادر بسيط يسهل تجنيدهم في المرحلة القادمة، لاستمرار سيطرة الصاعدين الجدد، حسب الخبير (م.ق).
من جانبه يرى د. محمد الغزالي رئيس مجلس إدارة الشركة العربية للأدوية، أن أبرز الأحداث الاقتصادية في 2015 تمثلت في توقف معظم المصانع عن العمل بسبب أزمة الوقود والكهرباء، وتسريح كثير من العمالة وبالتالي ازدياد معدل البطالة، وارتفاع أجور الشحن والنقل والتأمين، وإقفال الموانئ، الأمر الذي أثر على تكلفة البضائع، بالإضافة إلى تدهور الريال وضعف القوة الشرائية لدى المواطن.
يضيف رجل الأعمال الغزالي، “أدى انعدام الوقود وانقطاع الكهرباء إلى عدم استيراد الأدوية التي تحتاج إلى حفظ في برادات كأدوية السكر (أنسولين) وبعض الهرمونات، بالإضافة إلى استنزاف البلد بشراء المولدات في كل محل وبيت وشركة، وهذا استنزاف وإهدار للعملة الصعبة، كونها ستصبح خردة فيما بعد، بالإضافة إلى تلف كثير من المزارع نظراً لانقطاع مادة الديزل، وهي خسائر لا يمكن للمال المحلي تعويضها على المدى القصير”.
وأظهر تقرير اقتصادي صدر في يونيو الفائت أن 2% فقط من أصحاب المنشآت ورؤوس الأموال في اليمن، متفائلون بتحسن مناخ الأعمال، وبأن الوضع الحالي أفضل من السنة الماضية. وفيما قال 3% منهم إن مناخ الأعمال لم يتغير، أكد 95% أن الوضع في 2015 ازداد سوءا.. وأكد التقرير الذي أصدرته وكالة تنمية المنشآت التابعة للصندوق الاجتماعي للتنمية، أن موسم هجرة رجال الأعمال وأصحاب المنشآت في اليمن بدأ بالفعل. وهو ما اعتبره مؤشرا “مقلقا” لبيئة الأعمال اليمنية. حيث أشارت نتائج استبيان استهدف معرفة من “يخططون لنقل أعمالهم خارج اليمن” إلى أن 38% من أصحاب المنشآت فكروا بالمغادرة، وهي نسبة تمثل “ثلث” الأعمال التجارية في اليمن، بالإضافة إلى 28% يخططون للخروج.
واعتبر تقرير صادر عن وكالة تنمية المنشآت في اليمن إن نقل 73% أعمالهم وتجارتهم للخارج سيؤدي إلى فجوة اقتصادية في البلد، وهي إحدى المخاطر التي ستدمر الاقتصاد اليمني برمته.
ويرى د. سعدالدين بن طالب أن قطاع الطاقة أثر كثيرا في الاقتصاد وفي حياة الناس اليومية، مضيفا بأن هناك فرص بديلة كبيرة للاستفادة من الطاقة الشمسية بدرجة أساسية، وقد حقق هذا النشاط تقدما ملحوظا خلال 2015 تحت ضغط الحاجة الناس رغم أسعاره المرتفعة..
انهيار العملة وتنازع قرار المصرف المركزي
حافظ الريال اليمني على مستوى موحد أو قريب من ذلك منذ منتصف العام 2011 حتى أواخر العام 2015 بفضل حزمة سياسات مالية قادها محافظ البنك المركزي محمد بن همام خلال كل تلك الفترة. وبسبب من السحب على المكشوف ونهب الاحتياطي النقدي للبنك المركزي كما يرى مختصون، بالإضافة إلى تدخلات كارثية في مهام محافظ البنك وإدارته، تسارعت عوامل انخفاض الريال إلى أدنى مستوى له، إذ وصلت أسعاره في السوداء إلى 300 ريال أمام الدولار الأمريكي على سبيل المثال، فيما كان سعره ثابتا عند 215 ريالا.
ومن نظر خبراء اقتصاديين فقد ساهم تعويم أسعار المشتقات النفطية وربطها بالبورصة العالمية إلى تدهور قيمة العملة المحلية، بالإضافة إلى ضغوط مارسها مندوبو ما تسمى باللجنة الثورية للحوثيين على المحافظ الذي ضاق ذرعاً بتدخلاتهم، بالرغم من ضرورة بقاء البنك المركزي بمنأى عن الصراعات الحاصلة في البلاد.
ويرى مراقبون إن استئناف مؤسسات الحكومة الاقتصادية والمالية نشاطها من عدن وفي صدارتها البنك المركزي، قد يجنب البلاد مخاطر الانهيار المالي. وأكدت مصادر مصرفية يمنية أن الحكومة الشرعية تستطيع اعتماد فرع البنك المركزي في عدن كمركز رئيسي، في ضوء طلب يقدمه الرئيس هادي للمؤسسات الدولية، أو فتح حساب لدى البنك الأهلي (مختلط ومركزه الرئيس عدن) باسم الحكومة، حسب رأي ثان.
لكن آخرين حذروا من أن خطوة كهذه قد تتسبب بحدوث هلع وتهريب للعملة الصعبة وسحب للأرصدة من قبل القطاع الخاص والمصارف التجارية. حسب أحمد شماخ الخبير المصرفي.
وعلى ضوء ذلك قامت مليشيات الحوثيين بابتزاز أصحاب شركات الصرافة في العاصمة اليمنية صنعاء، عبر فرض إتاوات مالية جديدة حددتها بنسبة 20% من رأس المال المسجل في البنك المركزي، تحت مبرر الحد من المضاربة بالعملة، حسب مصادر فضلت عدم التصريح باسمها.
وأكد أصحاب شركات الصرافة أن الحوثيين أجبروهم على تقديم “ضمانات” لعدم المضاربة بالعملة تتراوح بين 5 ملايين و50 مليون ريال بحسب حجم الشركة”، واعتبروها إجراءات تعسفية لن تؤدي إلى معالجة تدهور العملة المحلية في سوق الصرف، لكنها وبسبب ذلك أغلقت العشرات من محال الصرافة، فيما أخرى على حافة الإفلاس، وأكثر من النصف ما تزال مغلقة، لعدم قدرة ملاكها على دفع مبلغ “الضمانات”. وحسب تقارير غير رسمية، تراجع عدد شركات الصرافة في اليمن من 571 إلى 250 محل صرافة.