كتابات خاصة

حكايات من قلب المقاومة (3)

أحمد عثمان

دخلت جماعة الحوثي وصالح احدى قرى القبيطة دون مقاومة واتجهت مباشرة الى الجبل …. كان الوقت ليلا والجو ملبداً بالغيوم، والقرية يلفها الحزن والقهر وعيون النساء والأطفال ترقب بهلع الكائنات الغريبة والتي يبدو عليها الجلافة والغطرسة والوحشية. ضاحة الرباح
دخلت جماعة الحوثي وصالح احدى قرى القبيطة دون مقاومة واتجهت مباشرة الى الجبل …. كان الوقت ليلا والجو ملبداً بالغيوم، والقرية يلفها الحزن والقهر وعيون النساء والأطفال ترقب بهلع الكائنات الغريبة والتي يبدو عليها الجلافة والغطرسة والوحشية.
 الحجة (زينب) كان صوتها يسمع الى خارج المنزل: (الله يسلط عليكم الهوام ويقهركم يا قادر يا كريم.. ذلحين مو جاؤوا يدوروا مننا)؟
صعدت المجموعة المسلحة إلى منتصف الجبل حيث الموقع الهام ليبدأوا بحفر الخنادق وترتيب الموقع ووضع الأسلحة الرشاشة في أماكنها، بدأوا فوراً بإطلاق النار لإرعاب الناس، كانوا منتشين، فلا وجود للمقاومة هنا، ولقد نجح العملاء بإقناع القرية بـ(الحياد)، ومنع تواجد المقاومة، وبعد يومين احضروا الحوثيين إلى القرية تحت عنوان (الحياد).
بالمناسبة (الحياد) أصبح عنوانا للخيانة والغدر منذ اعلان (حياد) الجيش وفتح العاصمة للمليشيا وتمريغ الشرف العسكري في وحل هذا (الحياد) السافل؟
كانت قمة الجبل منطقة عسرة لا يسكنها سوى الرباح، والمعلومات التي اتتهم من المتحوثين، بأن الجبل خالي …. ليبدأوا ليلتهم  بالزوامل و(الشعار)..الموت لأمريكا…الموت لإسرائيل.
كان الجبل يكاد ينفجر من الغيظ تماشيا مع حالة معظم سكان القرية المغلوبين والذين هرعوا إلى الدعاء، وبدأت الحجة ( زينب) ترفع صوتها ( الله يكسركم مثل ما كسر حمار أحمد غالب من راس الضاحة .. وما يلقطوكن إلا بالجواني .. ذلحين اليهود عندنا؟)
 قبل منتصف الليل هدأت حركة المسلحين وضجيجهم، وبدأوا يستعدون للنوم والراحة والحراسة؛ اشتد ظلام الليل وبدأ الغيم يتكثف أكثر ومعه اقبلت الوحشة التي يتنفسها الجبل، والغيظ الذي يفيض من القرية يتسلل بشكل غريب ونادر إلى نفوس المسلحين، وغاب النوم عن عيونهم وأخذوا يتحسسون أسلحتهم مستشعرين خطراً ما، يسأل بعضهم بعضاً عن شعور الخوف الذي داهمهم، ليجزموا أن هجوماً قادماً على وشك الوقوع واعتبروه حدساً مرسلاً من (السيد) ككرامة!
 كان موقعهم مخيفاً ومحصناً، الجهة الوحيدة المفتوحة هي أعلى الجبل لكن متحوثاً يدعى “مهيوب العسيق” الذي أدخلهم وهو أحد أعيان القرية المجاورة، كان قد أكد لهم استحالة الهجوم من أعلى الجبل، فهو صعب وعسر، والمدخل الممكن لصعوده هو مكان الموقع نفسه.
ومع زيادة القلق رفع قائد الموقع التلفون ليجري المحادثة التالية مع المتحوث العسيق:
— كيف حالك أيش الأخبار؟ ما فيش هجوم ولا أخبار من هانا وإلا من هانا؟
— لا.. اطمئن يا بو صالح.                            
— وقمة الجبل ياعسيق؟                            
— عليا قمة الجبل عليا.                                              
— قسما لو جاء شيء وإلا شيء منها لا يكون الثمن إلا راسك يا ثعل؟
— أنا فداك يا “بو صالح” .. احنا خدامينكم هنا، الله المستعان مو جاء مننا أنا يهمنا رضاكم، أنا (حميس) أنا (فدا) يا شيخ يا فندم يا سيدي ياااا..
— بس بس ارقد ارقد ياخضعي ، يغلق التلفون ؟
الوقت تجاوز منتصف الليل والجماعة تتأقلم مع الظلام ووحشة المكان، وبدأ بعضهم يأخذ مكانه للنوم والآخر لخدمة الحراسة …لم يمر سوى وقت قصير ليستيقظوا على صراخ أحد الحراسة (هجوووم )…  استعدوا هجوم من طالع الجبل.
نهضوا مذعورين على أصوات الجبل وهو ينحدر بسيل من الصخور وأحجار قاتلة وبكميات كبيرة ويلحق الصخور أصوات انحدار لأقدام مقاتلين وهمهماتهم بصورة تبدو معها النجاة أمراً مستحيلاً!!
قال أبو صالح: خانونا أولاد الكلب، وهو يهرول نحو أسفل الجبل فاراً بجلده، سبقه ولحقه أفراد المجموعة تاركين معظم السلاح والذخيرة، فالهجوم النازل من قمة الجبل مرعب، وواضح أنه كمين محكم، هكذا فهمت الجماعة المرعوبة فأعطت لأقدامها العنان ليمروا فارين مذعورين متحاشين الدخول وسط القرية فكل حركة يعتبرونها كميناً يوجه إليهم.
“أبو صالح” أفرغ عشرين رصاصة وأكثر ليقتل حمار (محمد سعد) الذي كان مربوطاً في (حوية) جانب المنزل، بمجرد أنه عطش عطشه (تش)، قفز بعضهم فوق بعض يصرخون يسقط أحدهم من جدار ويكسر رجله مستغيثاً، فلم يلتفت إليه أحد فالفرار كان سيد الموقف ليبقى الرجل   يتوجع ويصرخ (قلي يا أبو صالح ما جاء بنا إلى هانا وين اليهود الآن با تهرب وتسيبني …الله المستعان …آه ما هذه المصيبة التي أصابتنا)؟!
 الحجة “زينب” ما زالت مستيقظة وصعدت إلى سطح المنزل وهي تسمع وترى فرارهم بغير الصورة المتعجرفة التي صعدوا بها؛ هم الآن أقرب إلى الفئران الشاردة من القطط الجائعة!
 قالت وهى تتابع صراخهم: (خذلكم الله! الله قدير شخزيكم ربي أنتم والّلي جابكن
القرية .. الله يكسركم ويذرذر دمكم بالمخالف والشعاب)!
الموقع مع الفجر خاليا من المسلحين الذين نجوا بأعجوبة، لكنه كان ممتلئ بالسلاح والعصائر والأكل والقات ومؤنة تكفي لإدارة معركة لأيام طويلة.
 لقد تركوا كل شيء وفروا من أمام الهجوم المنحدر من الجبل؟
أما المهاجمين من أعلى الجبل، فلم يكونوا سوى الرباح (قرود) الجبل !!…  ومن يعرف قرود الجبال التي تسكن الأماكن العسرة لا يستغرب ما حدث؛ فهي تفر من الوادي أمام النساء والأطفال لكنها تدافع عن أماكنها الشاهقة؛ و (ضاحة الرباح) بشراسة، وكلما كان المكان صعب ازدادت ضراوة القرود ضد أي قادم، وعندما يحسون بمن يقترب من (ضاحة الرباح) خاصة في الليل يقومون بإلقاء ودحرجت الصخور، وهي هنا خطرة وقاتلة كما تقوم هذه القرود بحركة جماعية كر وفر وصعود ونزول وهذا معروف؟
وهي الحركة التي أرعبت الغزاة واعتقدوها هجوما كثيفا وجيشاً نازلاً من قمة الجبل، وفي بلاد لا يعرفون تضاريسها؛ ليفروا من هلاك محقق ومفاجئ تاركين خلفهم كل شيء.
 وهنا تسجل ( قرود) تعز أغرب معركة، وتثبت بأنها شاركت في المقاومة وطرد جيش العنصرية الغازية، وبدأ الجبل والقرية والحجر والشجرة والقرود والحيوان والإنسان وكأنها جسم واحد ينبض بالحرية وينشد نشيد المقاومة، ليصعد خمسة من الشباب إلى الموقع ويستولون على السلاح، ويُكوّنون أول نواة للمقاومة في القرية التي خدعت بأكذوبة (الحياد) الغادرة، وافتتحوا مقاومتهم  بروح معنوية عالية، بينما بدأت الحجة “زينب” أشبه بقائد توجيه معنوي تحرض النساء والرجال على المقاومة: (دافعوا على شرفكم مثل خلق الله يا عيالي.. مشجيوش الرباح أحسن مننا)
لقد كان نصرا بلا مقاتلين، وغنيمة في معركة غريبة سموها معركة (الرباح)، وبدأت شعارات (كلنا مقاومة) وكأنها قوة سحرية تنطلق من النساء والرجال والأطفال، وتكتب بكثافة على الصخور والبيوت و(ضاحة الرباح) التي أصبحت مفخرة لأبناء القرية ومحل اعجاب وتعجب؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى