آراء ومواقف

ما الذي يجري في مأرب؟

زكريا الكمالي

تدعو الولايات المتحدة مراراً لوقف الهجوم على مدينة مأرب اليمنية، لاعتبارات إنسانية، وفي ذات الوقت، تقدّم تأييداً ضمنياً للمضي في “قلب الحقائق على الأرض”، بعد أن وصفت جماعة الحوثيين بأنها “لاعب شرعي حققت مكاسب لا يمكن إنكارها”. هل شاخت السياسة الأميركية، وفقدت الرؤية الصحيحة في كيفية تعاملها مع اليمن وخصوصاً جماعة الحوثيين، أم أن ما يجري من تناقض، سواء فيما يتعلق بالشطب عن قوائم الإرهاب، ثم العودة لفرض عقوبات فردية، أو تشجيع شرعية المكاسب على الأرض بعد التنديد بالهجمات الوحشية، هو مخطط مقصود؟

تعامل الحوثيون مع التصريحات التي أصدرها المبعوث الأميركي إلى اليمن، تيموثي ليندركينغ، أواخر الأسبوع الماضي والتي أعلن فيها اعتراف واشنطن بالحوثيين كلاعب شرعي على الأرض، كما لو أنها فيتامينات، وقاموا بتنفيذ هجمات انتحارية غير مسبوقة على مدينة مأرب، بهدف إقناع الولايات المتحدة، أنهم أكبر من مجرد لاعب.

لا تفضّل واشنطن سقوط مدينة مأرب في قبضة الحوثيين ولن تسمح بذلك، كما صرحت الخارجية الأميركية أخيراً، لكن من الواضح أن الاستنزاف الحاصل لطرفي النزاع اليمني في مناطق صحراوية وجبلية، أمر مرغوب بالنسبة لها، طالما أن معارك الأرض المحروقة، كما وثقتها عدسات الإعلام الحربي خلال الأيام الأخيرة، ما زالت بعيدة نسبياً عن التجمعات السكانية وأماكن إيواء النازحين.

خلال عمر النزاع اليمني الممتد منذ أكثر من ست سنوات، لم يحدث أن تحولت مساحات جغرافية محدودة إلى ثقب أسود يلتهم المقاتلين، كما يحصل في جبهات مأرب الغربية منذ أكثر من عام. وعندما تكون معارك “الكر والفر” هي العنوان البارز لما يدور في صرواح ومدغل مع بداية ونهاية كل جولة تصعيد، فهذا يعني أن الاستراتيجية الأميركية والسعودية لا هدف لها سوى إنهاك الطرفين، وتشييد بحيرة دم لليمنيين، تجاور بحيرة سد مأرب المائية.

بمقدور مقاتلات التحالف اصطياد التعزيزات الحوثية القادمة من صنعاء أو الجوف قبل أن تصل إلى صرواح ورغوان، لكنها لا تريد، ولا تتدخل سوى بعد الاشتباك المباشر مع القوات الحكومية وسقوط عشرات القتلى من الجانبين، وساعتها يأتي دور الضربات الجوية لتعيد المكاسب الحوثية إلى نقطة الصفر.

تعرضت جماعة الحوثيين لكمين مُحكم في صحاري مأرب، وبدلاً من التقاط الدعوات الدولية للجلوس على طاولة الحوار، تغرق يوما بعد آخر في مستنقع صرواح. والتصريحات الأميركية الملتبسة، لن تمنحهم الشرعية التي يحلمون بها، ولن تجعل واشنطن تقوم بتهريب سفير إلى صنعاء كما فعلت طهران، بل تقودهم إلى محرقة يُساق إليها الأطفال الأبرياء.

كانت التصريحات الأميركية في صالح الحوثيين بدرجة رئيسية، ورسائل مباشرة للحكومة الشرعية بأن عليها التعامل مع هذا الواقع الذي يرغمها على التنازل عن شروط الحل والمتمثلة بـ”المرجعيات الثلاث”، لكن من يقنع جماعة فاشية تريد إدارة مناسك الحج في مكة وليس المدن اليمنية بأكملها فحسب، بأن ما قاله ليندركينغ فرصة ذهبية لن تتكرر ربما؟

أن تحظى بموقع لاعب شرعي في طاولة حوار اليوم، هو خيار أفضل من أن تحجز مساحتك في مقبرة مزخرفة على الطريقة الإيرانية، لكن الغرور والصلف لا يقود إلا إلى التهلكة.

*نشر أولاً في صحيفة “العربي الجديد”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى