ليس عقد المقارنة هنا يهدف إلى المشتركات والمفترقات من الناحية العقائدية وتفصيلاتها، فهذا محله الأقسام الأكاديمية لمقارنة الأديان والمذاهب المعاصرة، بل يهدف إلى كشف الحالة «الجيوسياسية» في اليمن وأفغانستان لاستخلاص الدروس والعبر، فالبلدان الجبليان يمران حالياً بمرحلة المرور عبر عنق الزجاجة، ويواجهان ضغوطاً دولية لحل أزمتيهما، وكلاهما طال أمد أزمتيهما مما تسبب في تحول البلدين إلى دولتين فاشلتين. والدولة الفاشلة مثل المريض في حال الغيبوبة الطويلة؛ لا هو مع الأصحاء فيكون معهم في حياة طبيعية، ولا هو مع الموتى فيخف العبء على ذويه ومحبيه. وكلا الفصيلين المؤثرين في أزمة البلدين؛ طالبان في أفغانستان والحوثي في اليمن، مؤدلجان عقائدياً، وكلاهما منطلقان من ضرورة المرجعية المذهبية في حكم البلدين. وكلا الفصيلين ميليشيات عسكرية تمنحهما الوعورة الجبلية مزايا في تحقيق انتصارات على طريقة «اضرب واهرب»، وكلاهما وإنْ حققا سيطرة وهيمنة على المناطق التي يحكمانها، لكنهما غير قادرين على إدارة شؤون الدولة بصورة حضارية طبيعية، وكلتا الحركتين في اليمن وأفغانستان تواجهان تهمة الإرهاب وتسببتا في ارتباك المجتمع الدولي، ومن ثم الانقسام بين الدول في تثبيت التهمة، أو اقتصارها على أفراد فيهما.
إحدى أبرز المفارقات بين طالبان أفغانستان وحوثي اليمن أن الأولى تنطلق من مناطقها الواسعة للهجوم على العاصمة، والثانية تنطلق من العاصمة لاحتلال المناطق الواسعة، والمفارقة الأخرى ان الحوثي من الناحية المذهبية قلة قليلة تكاد يتحول تشيعها «الجارودي» إلى المذهب الشيعي الجعفري الاثني عشري أو ربما تحول، في دولة سوادها الأعظم سنة شافعية وشيعة زيدية، على خلاف طالبان التي تتماهى مع الشعب الأفغاني في سنية الانتماء العقائدي وحنفية المذهب الفقهي، مما سهل عليها أن تكون قوة سياسية وعسكرية مؤثرة من دون الاعتماد بشكل كامل على الدعم الخارجي، وهذا ما أقلق الولايات المتحدة وجعل من وجودها العسكري الداعم للحكومة الأفغانية «الهزيلة» عبئاً اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، جعلها تقدم على قرار الانسحاب الصعب، الذي سيقلب الكفة لصالح طالبان، على خلاف الحوثي في اليمن الذي تعتمد ميليشياته على الدعم العسكري والمالي والاستخباراتي من طهران، تماماً كما تدعم ميليشياتها وأذرعتها؛ «حشد» العراق و»حزب الله» في لبنان.
المحصلة هي أن صاحب الفكرة، أحبه الناس أم كرهوه، يمسي عصياً على الاجتثاث ما لم تنازله فكرة قادرة على التسلل لجذور الفكرة المنافسة لإماتتها ثم اقتلاعها، وإلا من كان يصدق أن حركة طالبان التي آوت ونصرت «القاعدة» وحاربتها بسبب ذلك القوة الأعظم في العالم بأشد الأسلحة فتكاً وشراسة، تستعيد قوتها ونفوذها وتفرض نفسها رقماً صعباً في أية مفاوضات تتعلق بتسوية الملف الأفغاني.
*نشر أولاً في صحيفة الشرق الأوسط