أدت الحرب إلى تعطل جميع أنشطة تصدير النفط والغاز فضلا عن معظم القدرات التصنيعية الرئيسية وسيكون الأثر الإنساني لهذا السيناريو حادا، لأن انقطاع إمدادات الغذاء والماء والطاقة في جميع أرجاء البلاد أدى إلى تشريد ونزوح مئات الآلاف من اليمنيين. يمن مونيتور/ خاص/ من محمد الجماعي
أعد قسم التحقيقات بشبكة “يمن مونيتور” الإخبارية حصادا لأسوأ أعوام الاقتصاد اليمني، وهو العام 2015م.
وخلص معدو الحصاد إلى استخلاص أهم ما أدلى به لـ “يمن مونيتور” خبراء الاقتصاد والسياسة وعدد من رجال المال والأعمال والتسويق، وتم استخلاصه في ثلاثة محاور رئيسية، أشارت بشيء من الإيضاح إلى معادلة “إحلال واستبدال” صاعدين جدد في عالم الثروة، على حساب القيم الحقيقية للاقتصاد اليمني الذي انهار في الأشهر الأولى من الحرب التي شنها تحالف الحوثي والرئيس السابق، وما تبعه من حصار وقصف التحالف العربي لإعادة الشرعية.
المحور الثاني
القطاع الوحيد الذي نشط هو قطاع السوق غير الرسمية، كتجارة السلاح والتهريب والسوق السوداء، حسب د. سعدالدين بن طالب، لما له من أثر مدمر، من وجهة نظره، على المدى المتوسط والبعيد.
مضيفا “إن تحويل الاقتصاد إلى اقتصاد حرب، يبني مصالح غير سوية تتغذى على استمرار الحرب وعدم إنهائها، وهذه المصالح المدمرة تعتمد على القوة المسلحة في بقائها وتطرد القوى الاقتصادية البناءة”.
ولقد أدت الحرب إلى تعطل جميع أنشطة تصدير النفط والغاز فضلا عن معظم القدرات التصنيعية الرئيسية وسيكون الأثر الإنساني لهذا السيناريو حادا، لأن انقطاع إمدادات الغذاء والماء والطاقة في جميع أرجاء البلاد أدى إلى تشريد ونزوح مئات الآلاف من اليمنيين..
في 2015 حسب الخبير الاقتصادي (م.ق) “تمت إعادة تموضع الاقتصاد اليمني بشكل جديد، وذلك بتركيز الأموال والأنشطة الاقتصادية في يد مجموعة من الصاعدين الجدد – بسبب طائفيتهم أو عرقهم أو ولائهم- على السوق السوداء، سواء النفطي أو النقدي (الصرف)، أو عبر قدرتهم على التحرك بحرية، لنفس الأسباب السابقة، أو عبر ضرب التجار أو رجال الأعمال المنافسين بأخذ الإتاوات أو تدمير مصادر دخلهم أو بسبب الحصار المفروض عليهم من طرف الصاعدين الجدد” حسب توصيفه..
وقالت نادية السقاف وزيرة الاعلام السابقة – وهي أيضا صحفية مهتمة بالتنمية – إن جماعة الحوثي استفادت من ميناء الحديدة – بعد سماح قوات التحالف بدخول السفن – ملايين الدولارات من الخدمات والجمارك.
وذكرت في حسابها على موقع التدوينات القصيرة “تويتر” أن الحوثيين يستولون على ٦٠ مليون دولار شهريا من جمارك وخدمات ميناء الحديدة.
ولفتت إلى أن الحوثيين يستفيدون أيضاً ٢٠ مليون دولار يوميا من فارق أسعار النفط، ويحولونه لصالح ما أسموه لاحقا بـ”المجهود الحربي”.
هروب الأموال والشركات ورجال الأعمال
في نوفمبر الماضي فتحت مجموعة هائل سعيد أنعم النار على شركة النفط اليمنية واتهمتها بالعجز والتقصير، وأوضحت المجموعة التي تتخذ من مدينة تعز مركزا رئيسيا لنشاطها الصناعي والتجاري وإدارتها العامة إن مصانعها وشركاتها توقفت قرابة شهر كامل بسبب عدم توفر مادة الديزل.
واتهم بيان المجموعة شركة النفط بمنع الشحنة التي استوردتها المجموعة بسبب عجز الشركة عن توفير الديزل بحسب الاتفاق المبرم بينهما بسبب الظروف التي تمر بها البلاد.
وأضاف البيان أن المجموعة لجأت للاستيراد الخارجي وحرصت أيضا على عدم توقف المصانع الأخرى غير التابعة لها فزودتها بكميات كبيرة حرصا على عدم رفد رصيف البطالة بالمزيد من العاطلين وتوقف النشاط التجاري في البلاد.. الأمر الذي حولته شركة النفط إلى اتهام للمجموعة بأنها تبيع ما زاد عن حاجتها للسوق السوداء، وهو ما نفته المجموعة نفيا قاطعا..
خبراء وباحثون قالوا إن سقوط مجموعة تجارية مثل “بيت هائل” أخطر على مستقبل المواطن اليمني من سقوط الحكومة برمتها، نظرا لما للمجموعة من تأثير مباشر على معيشة المواطن اليمني.
وإذا كانت تقارير إحصائية تؤكد أن “الأصول المملوكة لليمنيين في الخارج تفوق مجموع احتياطي النقد الأجنبي للبلاد في البنك المركزي” فإن ذلك يسهل للعديد من النخب التجارية مغادرة البلاد أو تخفيف وجودهم خلال فترة عدم الاستقرار..
مثل ذلك يمكن قوله في مجموعات أخرى كبيرة تم “نهب” أصولها ومبانيها ومنقولاتها مثل مجموعة الأحمر التي يملكها المليادير حميد الأحمر القيادي في حزب الإصلاح، إذ شهدت المرحلة الماضية صراعا امتد إلى المحاكم ورفضت كثير من الوقفات القضائية قبول الدعوى في أحقية أي طرف كان في أي أموال مدعى بها باسم الثورة “الحوثية” وما شابه، وصمدت عدد من شركات المجموعة في وجه تلك التحديات، وعدها خبراء اقتصاديون “صمود لأجل الاقتصاد الكلي للبلد”.
لقد أدى الهروب الجماعي لرأس المال اليمني والكادر اليمني المدرب، إلى فتح المجال واسعا لرؤوس أموال قذرة عبثت بالبلد ومقدراته، ولكادر بسيط يسهل تجنيدهم في المرحلة القادمة، لاستمرار سيطرة الصاعدين الجدد، حسب الخبير (م.ق).
من جانبه يرى د. محمد الغزالي رئيس مجلس إدارة الشركة العربية للأدوية، أن أبرز الأحداث الاقتصادية في 2015 تمثلت في توقف معظم المصانع عن العمل بسبب أزمة الوقود والكهرباء، وتسريح كثير من العمالة وبالتالي ازدياد معدل البطالة، وارتفاع أجور الشحن والنقل والتأمين، وإقفال الموانئ، الأمر الذي أثر على تكلفة البضائع، بالإضافة إلى تدهور الريال وضعف القوة الشرائية لدى المواطن.
يضيف رجل الأعمال الغزالي، “أدى انعدام الوقود وانقطاع الكهرباء إلى عدم استيراد الأدوية التي تحتاج إلى حفظ في برادات كأدوية السكر (أنسولين) وبعض الهرمونات، بالإضافة إلى استنزاف البلد بشراء المولدات في كل محل وبيت وشركة، وهذا استنزاف وإهدار للعملة الصعبة، كونها ستصبح خردة فيما بعد، بالإضافة إلى تلف كثير من المزارع نظراً لانقطاع مادة الديزل، وهي خسائر لا يمكن للمال المحلي تعويضها على المدى القصير”.
وأظهر تقرير اقتصادي صدر في يونيو الفائت أن 2% فقط من أصحاب المنشآت ورؤوس الأموال في اليمن، متفائلون بتحسن مناخ الأعمال، وبأن الوضع الحالي أفضل من السنة الماضية. وفيما قال 3% منهم إن مناخ الأعمال لم يتغير، أكد 95% أن الوضع في 2015 ازداد سوءا.. وأكد التقرير الذي أصدرته وكالة تنمية المنشآت التابعة للصندوق الاجتماعي للتنمية، أن موسم هجرة رجال الأعمال وأصحاب المنشآت في اليمن بدأ بالفعل. وهو ما اعتبره مؤشرا “مقلقا” لبيئة الأعمال اليمنية. حيث أشارت نتائج استبيان استهدف معرفة من “يخططون لنقل أعمالهم خارج اليمن” إلى أن 38% من أصحاب المنشآت فكروا بالمغادرة، وهي نسبة تمثل “ثلث” الأعمال التجارية في اليمن، بالإضافة إلى 28% يخططون للخروج.
واعتبر تقرير صادر عن وكالة تنمية المنشآت في اليمن إن نقل 73% أعمالهم وتجارتهم للخارج سيؤدي إلى فجوة اقتصادية في البلد، وهي إحدى المخاطر التي ستدمر الاقتصاد اليمني برمته.
ويرى د. سعدالدين بن طالب أن قطاع الطاقة أثر كثيرا في الاقتصاد وفي حياة الناس اليومية، مضيفا بأن هناك فرص بديلة كبيرة للاستفادة من الطاقة الشمسية بدرجة أساسية، وقد حقق هذا النشاط تقدما ملحوظا خلال 2015 تحت ضغط الحاجة الناس رغم أسعاره المرتفعة..
انهيار العملة وتنازع قرار المصرف المركزي
حافظ الريال اليمني على مستوى موحد أو قريب من ذلك منذ منتصف العام 2011 حتى أواخر العام 2015 بفضل حزمة سياسات مالية قادها محافظ البنك المركزي محمد بن همام خلال كل تلك الفترة. وبسبب من السحب على المكشوف ونهب الاحتياطي النقدي للبنك المركزي كما يرى مختصون، بالإضافة إلى تدخلات كارثية في مهام محافظ البنك وإدارته، تسارعت عوامل انخفاض الريال إلى أدنى مستوى له، إذ وصلت أسعاره في السوداء إلى 300 ريال أمام الدولار الأمريكي على سبيل المثال، فيما كان سعره ثابتا عند 215 ريالا.
ومن نظر خبراء اقتصاديين فقد ساهم تعويم أسعار المشتقات النفطية وربطها بالبورصة العالمية إلى تدهور قيمة العملة المحلية، بالإضافة إلى ضغوط مارسها مندوبو ما تسمى باللجنة الثورية للحوثيين على المحافظ الذي ضاق ذرعاً بتدخلاتهم، بالرغم من ضرورة بقاء البنك المركزي بمنأى عن الصراعات الحاصلة في البلاد.
ويرى مراقبون إن استئناف مؤسسات الحكومة الاقتصادية والمالية نشاطها من عدن وفي صدارتها البنك المركزي، قد يجنب البلاد مخاطر الانهيار المالي. وأكدت مصادر مصرفية يمنية أن الحكومة الشرعية تستطيع اعتماد فرع البنك المركزي في عدن كمركز رئيسي، في ضوء طلب يقدمه الرئيس هادي للمؤسسات الدولية، أو فتح حساب لدى البنك الأهلي (مختلط ومركزه الرئيس عدن) باسم الحكومة، حسب رأي ثان.
لكن آخرين حذروا من أن خطوة كهذه قد تتسبب بحدوث هلع وتهريب للعملة الصعبة وسحب للأرصدة من قبل القطاع الخاص والمصارف التجارية. حسب أحمد شماخ الخبير المصرفي.
وعلى ضوء ذلك قامت مليشيات الحوثيين بابتزاز أصحاب شركات الصرافة في العاصمة اليمنية صنعاء، عبر فرض إتاوات مالية جديدة حددتها بنسبة 20% من رأس المال المسجل في البنك المركزي، تحت مبرر الحد من المضاربة بالعملة، حسب مصادر فضلت عدم التصريح باسمها.
وأكد أصحاب شركات الصرافة أن الحوثيين أجبروهم على تقديم “ضمانات” لعدم المضاربة بالعملة تتراوح بين 5 ملايين و50 مليون ريال بحسب حجم الشركة”، واعتبروها إجراءات تعسفية لن تؤدي إلى معالجة تدهور العملة المحلية في سوق الصرف، لكنها وبسبب ذلك أغلقت العشرات من محال الصرافة، فيما أخرى على حافة الإفلاس، وأكثر من النصف ما تزال مغلقة، لعدم قدرة ملاكها على دفع مبلغ “الضمانات”. وحسب تقارير غير رسمية، تراجع عدد شركات الصرافة في اليمن من 571 إلى 250 محل صرافة.