عدن وصراع النفوذ
احمد ناصر حميدان
احداث اشتباكات الشيخ عثمان في عدن , لم تكن كما يصورها انصار الانتقالي من النشطاء والإعلاميين , على انها مجرد زلة افراد او سوء تدبير او فهم .
بل هي نتيجة طبيعية لصراع النفوذ الذي يقوده الانتقالي، لتثبيت سلطته على أرض الواقع، والخوف الذي يعتريه اليوم أكثر من أي وقت مضى من السقوط، وانهيار سلطته , خاصة بعد أن فقد سيطرته على جزءا كبيرة من الجنوب , وانحصر في مثلث ضيق , بانحصار العقلية التي ترتكز على نفوذ مناطقي اكثر من نفوذها السياسي والفكري .
لم يأتي ذلك الخوف من فراغ، بل هو نتيجة طبيعية للتقصير تجاه القضية والمواطن، فالخوف من ردات فعل الناس , نراه في منع الاحتجاجات , ورفض أي تكتل معارض , ولو كان مدني او اجتماعي , مما يؤكد عجزه على المنافسة الديمقراطية , وفقدانه لوعي المراجعة السياسية , ليكن سلطة خادمة للجمهور ونابعة منه , لا ترعبه ولا يرعبها , فضل ان يبقى مصدر رعب , تحت وهم إخضاع الناس لسلطته وتسلطه , ويؤسس له نفوذ ضامن للبقاء أكبر وقت ممكن سلطة أمر واقع .
فتجربة اليمن الجنوبي وخاصة عدن مريرة مع سلطة الاستبداد , والجماهير في الجنوب وعدن أكثر حساسية من تلك السلطة , تعرفها وتعرف سلوكياتها جيدا وثقافتها و تفكيرها , تعرف شكل نفوذها الذي يتشكل , وتعرفها جيدا بالوعود ونقض العهود , تعرفها في شكل وحجم الشعارات التي ترفع , اللافتات والرايات التي تعلق في الشوارع والساحات , ورفع صور الزعيم , وصناعة الاصنام , وشراء الذمم , واللقاءات مدفوعة الثمن لتشكيل رعاع , يقدسون الصنم , ويرددون الاعذار والمبررات , ويعرفون نهايتهم الوخيمة من الخذلان .
الشعور بالعجز لسلطة الأمر الواقع في عدن , في تحريك والسيطرة على الجماهير , وازدياد الاحتجاجات ضد ممارساتها وسلوكياتها وانتهاكاتها , كان لابد لها من خوض معركة تثبيت النفوذ , لضمان السيطرة والتمكين , فإذا بها تعيد لذاكرة الجماهير نظام صالح بكل تفاصيله وتحالفاته , وهي نتاج طبيعي لذلك النظام , سوء بما خلفه من تراكمات سلبية في عقول ونفوس البعض , وما حقنه من ثقافة وسلوكيات في أنصاره , الذين هم اليوم جزءا اصيلا من سلطة الأمر الواقع .
منذ الوهلة الأولى لتشكيل سلطة الأمر الواقع , بدعم من دولة الإمارات الحليف الرئيسي لنظام صالح , والشريك في ثروات صالح المنهوبة , واطماع الإقليم والعالم الغربي والصهيوني باليمن والجنوب وعدن , والصادقون والعقول الراجحة والنفوس الفطنة , تشعر بان الوطن يفخخ , بعدد من التشكيلات المناطقية والجهوية والمذهبية , تشكيلات يتم تسليحها , وتسليمها لقادة ولائهم للمال والاجندات الخارجية , ونفوذهم مناطقي فئوي عقائدي واثني ,يمكن ان تتفجر في أي لحظة في وجوهنا .
واليوم تعيش تلك المكونات صراع نفوذ على السلطة والثروة , صراع السيطرة والتمكين , تفاصيله تحدث هنا وهناك , لتصفية عناصر , وتصفية ثكنات عسكرية , حسب التغير في الولاء , بما يخدم السلطة المركزية , لتثبيت نفوذها على الأرض , وتبديد مخاوفها من الانقلاب عليها , ومساندة الإرادة الشعبية التي تتشكل اليوم في عدن , التي ليست لصالح هذه السلطة , مع وجود صراع حقيقي على الإيرادات والمال , صراع الاحتكار لمصادر الثروة والشركات التي تشكلت والمرتكزات الاقتصادية لعدن , صراع نهب وفساد , والبسط على الأراضي والمتنافسات والمعالم , والسيطرة على المربعات الأمنية في عدن .
سنرى من إعلاميين ونشطاء وقيادات سلطة الأمر الواقع , تتبرى من ما يحدث , ويمكن ترمي التهم على افراد , سنرى كبش فداء , للتغطية على حقيقة الصراع , وخلط الأوراق , وسنرى من يطالب القيادة باتخاذ موقف مشرف , لمزيد من تصفية الخصوم والغير مرغوب فيهم , وسنرى صلح دون أي اعتبار لما خلفته الحوادث من ضحايا وخراب ودمار , سيتصالح القتلة والمجرمين , وستبقى الام تبكي ابنها والزوجة تبكي زوجها , والأطفال تيتموا , وفقدوا مصدر كرامتهم ورزقهم والحضن الدافئ , دون عقاب ستتكرر الحوادث , ويزداد حجم التراكمات والتصدع والشروخ , حتى تسقط قلعة الاستبداد , بتكلفة عالية , أتمنى ان تكون اخر تكلفة في حياة الأمة والوطن , لننتقل لمصاف الدول المحترمة .