مع كتابة هذا المقال تتجاوز جماعة الحوثي الإرهابية الرقم 1000 في استهدافها للمملكة العربية السعودية، بلاد الحرمين وقبلة الإسلام والاعتدال والمستقبل، في تأكيد على المعادلة الصفرية والنتائج الكارثية على بلاد اليمن وأهله بالدرجة الأولى، وعلى استهداف أمن وممرات أهم الصادرات العالمية، وفي مناكفة العاجز ومحاولة الذراع التابعة لملالي طهران لأمن المملكة التي أعلنت منذ اللحظة الأولى أنها لن تتوانى عن استرجاع شرعية اليمن المسلوبة، كما أنها لن تسمح لملالي طهران وأذرعهم بتحويل الخاصرة الهشة في الجزيرة العربية إلى مصدر قلق مستدام.
ما يزيد على 1000 صاروخ باليستي وطائرات مسيّرة «درونز»، وأكثر من 100 زروق لاستهداف الأمن الملاحي على مياه البحر الأحمر، ليس رقماً كافياً للمجتمع الدولي في تصحيح ارتباكه وتناقضاته في توصيف الحالة اليمنية ومنح المزيد من الوقت لملالي طهران وذراعهم النشطة في اليمن لتجريف ما تبقى من الهوية اليمنية، فإذا كانت السعودية وستظل قادرة على إبقاء هذا الاستهداف لأراضيها ومقدساتها في حدود المعادلة الصفرية والفشل المستدام لأن ينال من دفاعاتها الصلبة والقوية رغم تعدد الاستهداف، فإن الكارثة المحدقة هي في الداخل اليمني والرسائل التي تبعث بها الميليشيا الإرهابية بأنها لا تريد سوى المزيد من الدمار وتأكيد ارتهانها ورهاناتها بيد النظام الإيراني ومشروعه الذي يستهدف تقويض منطق الدولة وأمن الإقليم، بل وتهديد أهم جغرافياته وممراته الاقتصادية.
بلوغ الاستهداف الأمني لهذا الرقم الضخم وقدرة السعودية على تحقيق المعادلة الصفرية في عدم تأثير عبث الميليشيا الإرهابية على القيام بعمل مؤثراً على الأرض، يتزامن مع لحظة زمنية فارقة في تاريخ ملالي طهران، حيث انتخاب رئيس إيران من جناح الصقور متشدد يحاول تعميق عسكرة المشروع الإيراني بعد الهزائم الكبرى، ومن المرجح أن يقوم بتشديد قبضته الأمنية على الداخل وتنشيط الأذرع الإرهابية في الخارج.
فوز القاضي إبراهيم رئيسي، حليف المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، الذي يتمتع بالسلطة المطلقة، في الانتخابات الرئاسية، يقابله ارتباك الإدارة الأميركية الجديدة، حيث أطلق الرئيس بايدن حمامات التودد منذ اللحظات الأولى في سباقه الانتخابي، مراهناً على أن خفض الجناح للملالي من شأنه تقويض تأثير سلفه ترمب على السياسة الخارجية في محاولة لبعث الأوبامية في السياسة الخارجية التي كانت كارثية بما تعنيه الكلمة من معنى، حيث يمكن تكثيف انكساراتها في مشهد ما حدث في الربيع العربي وملف الإرهاب واستقرار الدول وسيادتها على حساب شعارات لم تجد طريقها على أرض الواقع، وإنما في أقبية الإرهابيين والمتطرفين ومخابئهم.
نبتة لا يمكن لها أن تعيش في اليمن وفق انسلاخها من جلدها القبلي المناطقي وتحولها إلى تجربة مشابهة لـ«حزب الله»، لكن في بيئة طاردة آيديولوجيا، حيث لا يمكن الاستقلال بهويّة سياسية طائفية.
الأكيد أن مشروع ميليشيا الحوثي الإرهابية في محاولة بعث مشروع العسكرة الإيرانية في المنطقة والتحول إلى أكثر أذرعتها نشاطاً في استهداف المملكة والخليج والممرات الاقتصادية العالمية، مشروع فاشل يستمد حياته من محفزات الفوضى لا غير؛ فوضى الداخل اليمني في حالة عادت باليمن إلى ما قبل الدولة والمجتمعات المعزولة، وفوضى تعامل المجتمع الدولي في ارتباكه تجاه الميليشيا ومقاربة الحالة اليمنية، وفوضى كف يد الإيرانيين إلا من خطابات التنديد مع مد اليد لهم في مشروع الاتفاق النووي مع تجاهل سلوكهم التدميري في المنطقة.
الحوثيون اليوم نبتة سامة لا يمكن لها أن تعيش في اليمن في ظل انسلاخها من جلدها القبلي المناطقي وتحولها إلى تجربة مشابهة لـ«حزب الله» دولة داخل الدولة، لكن مع رافعة تدميرية مضافة تجاه الشعب اليمني وتجريف هويته العربية وتاريخه الضارب بجذوره في عمق التاريخ؛ لذلك هذه النبتة لا يمكن لها أن تنمو في بيئة اليمن الطاردة لها فكرياً واجتماعياً وعلى مستوى الهوية الجامعة التي لا يمكن لها الانحياز الطائفي على طريقة ملالي طهران أو ميليشياتهم في مناطق أخرى.
ما أحدثه الحوثيون في اليمن هو استغلال ارتباك غياب المرجعيات السياسية الكبرى بعد انكسار لحظة الربيع العربي وتذررها لصالح مصالح فئوية ضيقة لا تعي حجم وخطورة ما تفعله ميليشيا الحوثي التي تتحد لتدمير اليمن قبل تهديد جيرانه والمنطقة. هذا الاتحاد على التدمير يقابله نزاعات حادة تعكس حالة شديدة التعقيد والتركيب السياسي في اليمن وأنه أكثر خطورة وقتامة من مجرد ثورات قبائلية ضد انهيار الأوضاع، وما يحتاج إليه التحالف اليوم هو الاستثمار في النقمة المتعاظمة في الداخل اليمني من سلوك الحوثيين التدميري.
اليمنيون اليوم في حاجة إلى خطوات استباقية أكثر ذكاءً في محاصرة ارتباك المجتمع الدولي، وبدعم من التحالف وعقلاء العالم يجب أن يبدأوا بتوثيق مظالم اليمنيين في الداخل من وحشية ما تقوم به ميليشيا الحوثي تجاههم وتجاه المنطقة، ورصد حالة التضخم والعسكرة لميليشيا الحوثي الإرهابية التي لا تعكس حجم أفرادها وإنما تدل بشكل قاطع على مدى ابتلاعها لكل المقدرات السياسية والاقتصادية والبشرية في شمال اليمن عبر التترس بالمدنيين وتجنيد الأطفال وتثوير المدنيين ضد معركة طائفية لا قبل لهم بها.
ما يجب أن تفهمه القوى السياسية في اليمن هو أن مشروع «أنصار الله» الهجين بُني على أنقاض تعثر المشروع السياسي اليمني ورغبة بعض أجنحة النظام القديم في تحالفهم البراغماتي مع الحوثيين في عودتهم إلى الواجهة «عودة الدولة العميقة» في مقابل دولة الشرعية التي تعاني بسبب ارتباك المجتمع الدولي في نصرتها، ولولا لحظة الحزم والأمل التي تصر عليها السعودية لكانوا جزءاً من الماضي اليمني، خصوصاً مع وجود مشروع في المنطقة تقدمه طهران وملاليها وتصمت عنه قوى المجتمع الدولي يتمثل في عودة دولة التحالفات والميليشيات وتنظيمات الإرهاب بحشوده وتكتلاته وقوافل الطامحين للعدمية نصرة لآيديولوجيا متطرفة تخدم مشروع إيران الأساسي الذي يبلغ ذروته اليوم بصعود شخصية سياسية من صقور الملالي إلى عرش الثورة لا الدولة!
*نشر أولاً في الشرق الأوسط السعودية