آراء ومواقف

الغش الدوائي في اليمن.. حرب أخرى غير معلنة

د. أحمد السعيدي

في الحقيقة ليست الحرب العسكرية التي تشنها المليشيات على شعبنا هي الوحيدة، بل إن هناك حروباً أكثر فتكاً بمجتمعنا اليمني الصابر، ابتداءً من حرب التجهيل المتعمد من قبل مليشيات منظمة لا تريد لهذه البلاد خيراً، وصولاً إلى غزو السوق الاستهلاكية بمنتجات مدمرة ومتهالكة ومنتهية ومزورة، وهذه تعد حرباً أخرى غير معلنة تشنها عصابات ليست أقل إجراما من مليشيات القتل والإرهاب المعروفة، بل إنها أشد خطراً. في الحقيقة ليست الحرب العسكرية التي تشنها المليشيات على شعبنا هي الوحيدة، بل إن هناك حروباً أكثر فتكاً بمجتمعنا اليمني الصابر، ابتداءً من حرب التجهيل المتعمد من قبل مليشيات منظمة لا تريد لهذه البلاد خيراً، وصولاً إلى غزو السوق الاستهلاكية بمنتجات مدمرة ومتهالكة ومنتهية ومزورة، وهذه تعد حرباً أخرى غير معلنة تشنها عصابات ليست أقل إجراما من مليشيات القتل والإرهاب المعروفة، بل إنها أشد خطراً.
إن العالم يعتبر اليمن مكب للنفايات الكيمائية والمنتجات المنتهية، هذا أمر جلل ولكن الأكثر ألما ومصيبة عندما تلاحظ أن من أبناء هذا الوطن من يعمل على غش المنتجات بغرض البيع متناسياً كل الكوارث الصحية والإنسانية التي تكون ضحية لمثل هذه الأعمال الإجرامية.
إن كل الديانات السماوية والشرائع الوضعية تحرم الغش وتشدد على عقوبة مرتكبيه، ديننا الإسلامي جاء في مقدمة الرافضين لهذا السلوك فقد قال نبينا ومرشد ديننا محمد (ص): (من غشنا ليس منا) كإشارة على التبرؤ من الغاش وأن لا دين له ولا ذمة.
الرسول صلى الله عليه وسلم يقول أيضا (من تطبب بالطب فهو ضامن) أي أن من وصف دواء دون علم أو غش دواء بعلم أو بدون علم فمثله كمثل القاضي الذي يحكم بالإعدام على بريء ويتحمل وزره يوم الدين.
دعونا نتناول بعض الحقائق العلمية كنماذج بسيطة على الغش الدوائي في اليمن :
نموذج (1) قبل فترة كنت في مركز الأبحاث بجامعة العلوم والتكنولوجيا – صنعاء وجدت أحد الباحثين هناك يقوم بفصل عينات جمعها من محلات العطارة والسوبر ماركات سألته حول الموضوع وقال لي أنه قام بجمع عينات من ما يسمى خلطات العرسان وشوكولاتة العرسان وقام بفصلها وتحليلها فوجد أن هذه الخلطات تحتوي على مادة “التادلافيل” أو “السيلدنافيل” أو “الفيردنافيل” والكارثة الأكبر أن بعضها تحتوي على كل المركبات المذكورة التي هي موجودة في الصيدليات كأدوية تستخدم لعلاج ضعف الإنتصاب عند الذكور.
خلطة العرسان اذاً عباره عن خلطة خطيرة من ناحية أن المتعاطي لها لا يعرف محتواها بينما يذهب الى الصيدلية ويأخذ أحد أدوية ضعف الانتصاب على الأقل لديه إدراك بتأثيرات هذا الأدوية إلى جانب أن الجرعة تكون منضبطة، بينما إذا أخذ الخلطة لا يوجد دقة في الجرعة وقد تكون عالية جداً و ذلك يعود أيضاً لعدم وجود أدوات خلط دقيقة لدى العطارين، وهذا قد يؤدي إلى أن يمكن أن تجتمع 3 جرعات في ملعقة شاي أثناء تناول الخلطة، وبالطبع هذا سيؤدي إلى مضاعفات مفاجئة للبعض، تبدأ بهبوط ضغط الدم ثم تشنجات، و تنتهي بوفاة المريض (إن لم يتم تداركه سريعاً) وبالذات إذا كان لدية تاريخ مرضي مع أمراض القلب المختلفة.
 
نموذج (2) وفي الأيام القليلة الماضية لفت انتباهي بحث علمي لأحد طلاب جامعة عدن في الدراسات العليا حيث وجد الباحث بعد فصل وتحليل عينات المنتجات العشبية الصينية (للتسمين) والمتواجدة في الصيدليات اليمنية أنها تحتوي على مادتي “السيبروهيبتادين” و”الديكساميثازون” الأولى مركب دوائي معروف يقوم بفتح الشهية مركزيا والثاني مشابه لهرمونات الكظر ويستخدم بشكل مراقب، أي أنه يجب أن يعطى تدريجيا جرعات صغيرة حتى يصل إلى المستوى المطلوب، ثم إذا أراد الطبيب أن ينسحب المريض من العلاج يقوم بسحبه تدريجياً حتى لا تفشل الغدة الكظرية التي بدورها ستفشل الجهاز البولي.
هنا يذهب المستهلك وفي تصوره أن هذه الأدوية تستخدم للتسمين وهو لا يعرف أنها مغشوشة ثم يذهب بعد أسبوع يراقب الوزن ويجد أن وزنه قد زاد قليلاً، يزيد فرحاً ويذهب لشراء كمية أخرى وهو لا يعرف أن هذه الزيادة التي حصلت عنده هي نتيجة طبيعية لوجود الغش والمتمثل في “الديكساميثازون” الذي بطبيعة عمله يقوم بحجز السوائل والأملاح في الجسم، مما يؤدي إلى زيادة في الوزن.
بينما المستهلك غير مبالٍ بما يتناوله ويلاحظ الضغط والسكر في الدم ارتفعا، ثم يلاحظ أن أعراض الفشل الكلوي قد بدأت، وذلك نتيجة لأخذه جرعات كبيرة من مشابهات هرمونات الكظر وهو لا يعرف أن ذلك أدى إلى ضمور الغدة الكظرية والكلية.
سوف يتساءل البعض، من الذي يجب عليه أن يوقف هذا العبث رسمياً؟
وهنا نختصر الإشارة إلى أن هناك أدواراً هامة رسمية ومجتمعية، أما الرسمية فهي تتمثل في الهيئة العليا للأدوية والتي يتسم دورها بالضعف في مراقبة السوق بل ربما تكون متواطئة أحيانا وبالذات إذا كان التجار من كبار العصابات المخربة في البلاد.
لنفترض جدلا، أن الهيئة تبرر التقصير بعدم توفر التقنيات اللازمة للتحليل، الحل بسيط وهو إرسال أي أدوية جديدة إلى مختبر موثوق في أي دولة عربية ولا يتم قبول أي دواء إلا بعد التأكد من محتوياته العلمية والشهادات التحليلية.
أما الدور المجتمعي فهو يتمثل في المؤسسات الدينية والتعليمية والتوعوية والذي يقف على عاتقهم مسئولية كبيرة في إعداد برامج توعوية ضد هذا السلوك الخاطئ لأن المستهلك البسيط لا يدري بما يجري، فهو ضحية حين يمسي وحين يصبح، والتوعية المجتمعية سيكون لها دورها في مكافحة آفة الغش المدمرة.
أخيراً، ومن خلال هذا المقال البسيط أوجه رسالة للمعنيين من مسؤولين حكوميين وصيادلة وعامليين في مجال السوق الدوائية وأقول: إن الدفاع عن الوطن لا يحتاج إلى الجندي المرابط في ميادين الشرف والبطولة فحسب، بل يحتاج أن يكون الجميع جنوداً لوطنهم وكلاً على ثغره فإياه أن يؤتى شعبه من قبله، وإذا تهاون في واجبه فإن ذلك يعد خيانة لا تقل شأنا عن الخيانة العسكرية في ساحات القتال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى