على هامش الأزمة الإيرانية السعودية – التي تفجرت بسبب إعدام السعودية لشيخ شيعي يدعىنمر باقر النمر مع جماعة وصفتهم بالمحرضين على الفتنة والخارجين عن النظام – أود أن أشير إلى أهم مرتكزين للصراع السعودي الإيراني، بعيداً عن تفاصيل الحدث الذي جرى ومبرراته، فقد كتب عن ذلك كتّاب بارعون وأشبعوه دراسة وتحليلاً وإدانة وتبريراً .
على هامش الأزمة الإيرانية السعودية – التي تفجرت بسبب إعدام السعودية لشيخ شيعي يدعىنمر باقر النمر مع جماعة وصفتهم بالمحرضين على الفتنة والخارجين عن النظام – أود أن أشير إلى أهم مرتكزين للصراع السعودي الإيراني، بعيداً عن تفاصيل الحدث الذي جرى ومبرراته، فقد كتب عن ذلك كتّاب بارعون وأشبعوه دراسة وتحليلاً وإدانة وتبريراً .
المرتكز الأول: الخلفية الأيديولوجية، التي تحولت من خلافات سياسية تاريخية بين تياري الشيعة والسنة إلى تنافر فكري عقدي وجودي، وهذا يُعد أمراًخَطيراً في خلفيات الصراع؛ لأنه لا يمكن للأنظمة وعقلاء القوم السيطرة عليه؛ خصوصاً بعد أن نفخت فيه طيلة عقود وشبَّعته لسنوات بالنَّفس الطائفي، حتى بات في نظر كثير من الناس سرَّ وجودهم في الحياة.
فالشيعي المتعصب يرى أن لا معنى لوجوده في الحياة إلا لينصر الحق المتمثل فيما ألقى إليه مشايخه في شأن ولاية أهل البيت التي يُصَدِّرونها للعامة ويُفَصِّلونها بالكيفية التي تروق لهم، إلى درجة أنهم يعتقدون أنه لا ينفع إيمان ولا عبادة ما لم يعلن المرء ولاءه المطلق للأئمة المخولين – في نظرهم – بالتعبير عن الدين وتفسيره وإن خالف ما يعرف الناس من ظاهر النص ومعنى الخطاب.
والسُّني المتعصب لا يرى لوجوده معنى ما لم يُطبق ما يتصور أنه شرع الله، ويدفع عن السلف الذين يرى أنهم الأمناء على وحي الله، سواء كانوا من الصحابة أو رواة الحديث، أو أئمة الفقه والفتوى. فهم وحدهم من يفهم الدين لأن مع القرآن – في نظرهم – غيره من روايات سلف الأمة وأخبارهم التي تعتبر متممة للدين وشارحة لكيفيات العمل فيه.
وعلى هذا يرى كل فريق أن الدولة والنظام القائم على ما يراه ديناًهي ما يجب أن يكون ويدوم ويرتفع، مهما كانت التَّضحيات.
المرتكز الثاني: الخلفية الجيوسياسية، فمنطقة الشرق الأوسط والخليج العربي لا تزال محل تنافس وصراع مباشر وغير مباشر، بين أهلها أو بين غيرهم، وغير خفي مساعي إيران للاستحواذ على جغرافيا العراق والشام عن طريق حلفائها الطائفيين المحليين الذين يشكلون بؤراً مزروعة منذ زمن بعيد لتؤدي دورها اليوم أو في أي وقت آخر تتهيأفيه الظروف، وكالعراق والشام اليمن والبحرين والمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية.
وعلى الضفة الأخرى في إيران، تحاول المملكة السعودية أن تمد يديها وتوجد لنفسها تأثيرا ونفوذا في منطقة الأحواز، وأراضي البلوش، والأفغان والأكراد، وأي مكان فيه تواجد سني باعتبارها راعية العالم السني في هذا العصر.
ويلاحظ في هذا الخليط والاشتباك – المستغل في ميدان السياسة – تدخل البعد الديني والقومي والاقتصادي، وهذا ما يجعل الاشتباك فيه وبسببهأكثر تعقيداً وأسوأ كارثية. على أن أكثر البسطاء من شعوب المنطقة يتعاملون مع هذا التنافس على أنه صراع من أجل الدين وفي سبيل الله.
وهذا مما يهدد بوقوع المنطقة في كارثة صراع عسكري مزلزل يدمر كلما بني في المنطقة منذ عشرات السنين، ولن يكون أحد في المنطقة بمعزل عنه مهما أبدى من حياد ونأي بالنفس لأن الفتن لا تُصيب الذين ظلموا من البشر خاصة.
ولأجل منع الكارثة لا بد من العمل على إطفاء حرائق التحريض الطائفي الذي يشتعل ويزداد لهبه كل يوم، وتجفيف منابع التنافس السياسي السلبي الذي لن يمكن هذا ولا ذاك من تجاوز حدوده الطبيعية، وبقدر ما يُقدم للأمة والمجتمع من خدمات إنسانية لا يحضر فيها أي نَفَس فئوي دينيٍ أم قوميٍ أم غير ذلك.