رغم إقبال المغتربين.. لماذا يتقاعس اليمنيون عن أخذ لقاح فيروس كورونا؟!
يمن مونيتور/ وحدة الرصد:
نشر موقع إخباري سويسري تقريراً عن المعوقات التي تواجه حملات التلقيح ضد فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في اليمن حيث فَقد المجتمع اليمني ثقته بالسلطات والعالم الخارجي.
وأشار موقع (SWI ) التابع لهيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية في تقرير كتبته “جوليا كرافورد” إنه في 31 مارس/أذار المنصرم، تلقى اليمن 360.000 جرعة من لقاح “أسترازينكا” من خلال مرفق “كوفاكس” (COVAX) التابع لمنظمة الصحة العالمية،
وأضافت الكاتبة البريطانية أنه في بلد مزقته النزاعات لأكثر من ست سنوات، وتضررت فيه مرافق المياه والصحة، ويسجّل أحد أعلى معدلات سوء التغذية في العالم، تعاني شريحة واسعة من السكان من هشاشة الأوضاع وترديها.
حيث أن هناك أيضاً ما يقدر بنحو أربعة ملايين شخص اضطروا للهروب من مناطق الصراع، والنزوح إلى مناطق أخرى داخل البلاد، بالإضافة إلى ما لا يقل عن اثنين وثلاثين ألف مهاجر ممن تقطعت بهم السبل، ومعظمهم من إثيوبيا والصومال، يحاولون اللجوء إلى المملكة العربية السعودية.
وتقول أوليفيا هيدون، مسؤولة الإعلام والعلاقات العامة في المنظمة الدولية للهجرة في اليمن: “تُعتَبر أزمة اليمن بالفعل أسوأ أزمة إنسانية شهدها العالم، وجاءت جائحة كوفيد -19 لتزيد من تفاقم الوضع”.
ولفتت إلى أن المنظمة الدولية للهجرة تقدم في خمسة من مراكزها الصحية الموجودة في البلاد كنقاط تلقيح، وقد جرى تدريب الأطباء العاملين لدى المنظمة على إعطاء اللقاحات. وتقع هذه المراكز بشكل رئيسي في المناطق التي يوجد بها العديد من النازحين، ولكن يتم تقديم اللقاح أيضاً للسكان المحليين وفقاً لهيدون التي تقول أيضاً إن هذه المبادرة سيتم تعميمها لتشمل المزيد من المراكز “حسب الطلب وعلى ضوء إمكانية وصول الجرعات إلى تلك المواقع”.
وتشرح هيدون أن مجرد توصيل اللقاحات إلى المراكز هو أمر بغاية الصعوبة، وتقول: “إن إدخال أي شيء إلى اليمن يمثل تحدياً لوجستياً، أضف إلى ذلك أن العمل يتم أيضاً مع سلطات مختلفة في الشمال والجنوب؛ ويتوجّب عقد اتفاقيات مع مختلف الأطراف لإدخال اللقاحات إلى البلاد، وهذا الأمر يشكل بالنسبة لنا التحدي الأول. بعد ذلك، تأتي عملية نقل هذه اللقاحات إلى المراكز الصحية، بما تعنيه من مخاطر، لا سيّما وأن هناك أكثر من أربعين جبهة نشطة في اليمن. وعادة ما يكون أي طريق تسلكه غير آمن”.
لا شك أن التدابير الأمنية تُعتَبر مشكلة كبيرة في أي بلد يعاني من النزاعات. فعلى سبيل المثال، يقع أحد مراكز التلقيح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة في مدينة مأرب، على بعد حوالي 170 كيلومتراً شمال شرق العاصمة صنعاء وعلى بعد بضع كيلومترات فقط من خط المواجهة بين أطراف النزاع. وتشرح هيدون قائلة: “لذلك، وفي أي وقت، يمكن أن تكون عملية التلقيح برمتها معرّضة للتهديد وتتوقف بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة العامة”. وتضيف أن “العاملين الصحيين في اليمن هم في الخطوط الأمامية من حيث التصدي لانتشار جائحة كوفيد – 19، لكنهم أيضاً يُعرّضون حياتهم للخطر أثناء العمل في المناطق القريبة جداً من مناطق الصراع”.
التقاعس في أخذ اللقاح
التحدي الكبير الآخر هو تقاعس السكان الذين أنهكتهم الحرب والظروف الصعبة التي يعيشونها عن أخذ اللقاحات، بحيث ينتابك شعور بأن جائحة كوفيد- 19 هي آخر ما يُثير قلقهم. هذا الوضع يعني في نفس الوقت تقاعس الأشخاص المصابين بكوفيد- 19 عن المبادرة في الذهاب إلى المستشفيات. ونشير هنا إلى أن أعراض الجائحة تختلف عن أعراض وباء الكوليرا السابق التي كانت أكثر وضوحاً ويمكن التعرف عليها بسهولة (الإسهال المائي الذي يصيب الأطفال بشكل خاص). ونتيجة لذلك، لا تزال حالات كوفيد-19 المسجلة في اليمن منخفضة نسبيّاً مقارنة بالدول الأخرى، لكن الأدلة على أرض الواقع تشير إلى أن نسبة انتشار الفيروس “قد ارتفعت منذ الموجة الثانية في شهر مارس الماضي”، بحسب هيدون.
إن التقاعس والإحجام عن أخذ اللقاحات يغذيهما عدم الثقة بالسلطات والعالم الخارجي. وتقول هيدون: “بعد ست سنوات من الصراع، هناك شعور لدى السكان بأن العالم أجمع قد تخلى عنهم. ولذا، تنتابهم الشكوك في صحة بعض المساعدات التي تأتي من الخارج، وإمكانية التلاعب بها من الداخل”. وتضيف أن الشكوك حول اللقاحات قد غذتها وسائل الإعلام المحلية، مضيفة أن المنظمة الدولية للهجرة والأمم المتحدة تعملان على تزويد الناس “بالمعلومات الصحيحة”.
في السياق، تم رصد مخاوف مماثلة في مناطق أخرى تشهد صراعات. فعلى سبيل المثال، فإن هذا التردد والتقاعس في أخذ اللقاح، ورد ذكره كأحد أسباب القرار الذي اتخذته جمهورية الكونغو الديمقراطية بإعادة 1.3 مليون جرعة لقاح قدمها لها مرفق “كوفاكس”، مبرّرة ذلك بعدم قدرتها على القيام بعملية التلقيح قبل انتهاء صلاحية اللقاحات في يونيو 2021. ومن الجدير بالذكر أيضاً، بأن تردد الناس وإحجامهم عن أخذ اللقاح تغذيه بلا شك، مخاوف متعلقة بإمكانية حدوث جلطات في الدم لاحقاً، ولكنه نابع أيضاً من عدم الثقة في السلطات والشعور بأن وباء كوفيد-19 أقل تهديداً من الأمراض الأخرى مثل الإيبولا والحصبة. وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية أيضاً، لعب انتشار معلومات خاطئة حول اللقاح على وسائل التواصل الاجتماعي دوراً في ثني الناس عن أخذ اللقاح.
إقبال كبير
وباتت مختلف مراكز التطعيم في المناطق الواقعة تحت سلطة الحكومة، تعاني من الازدحام الشديد للمواطنين الذين قدم العديد منهم من المحافظات الواقعة تحت سيطرة جماعة “الحوثي، التي رفضت استلام اللقاحات.
وقبل أكثر من شهر انطلقت حملة التطعيم ضد كورونا في اليمن، لكن السلطات شكت حينها من عزوف كبير في الإقبال على اللقاح. لكن تزايد الإقبال على المراكز يأتي بعد اشتراط السعودية من اليمنيين الداخلين إلى أراضيها سواء للعمل أو الحج والعمرة، أخذ لقاح كورونا كشرط أساسي للعبور.
وإثر ذلك عاد العديد من اليمنيين من معبر “الوديعة” الحدودي مع السعودية إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة لأخذ اللقاح، سواء في محافظة حضرموت (شرق)، أو في محافظات مأرب (وسط) وتعز (جنوب غرب) وعدن (جنوب).
مشاكل الإمداد
يبقى أن القضية الأساسية، من دون أدنى شك، هي توفير اللقاحات. فقد تلقت اليمن الدفعة الأولى وهي عبارة عن 360.000 جرعة من “أسترازينكا”، كجزء من 1.9 مليون جرعة من المفترض أن يتم تقديمها في عام 2021. ونظراً للتهديدات الحالية التي تواجه عمليات الإمداد لهذا اللقاح، والتي تُعزى أسبابها في جزء منها إلى أزمة تفشي كوفيد -19 في الهند المنتج الرئيسي، فإن اللقاحات قد لا يتم تقديمها كما هو مقرر سلفا. وحتى لو تمّ كل شيء على ما يرام ووصلت اللقاحات إلى البلد، “فهذا الأمر لن يكون كافياً لعدم تعرّض الملايين للإصابة بالفيروس؛ فاليمن لم يكتسب بعد مناعة القطيع”، كما تشير هيدون. ذلك أن 1.9 مليون جرعة (مطلوبة على دفعتين) هي الكمية التي يجرى تخصيصها لبلد عدد سكانه يقارب ثلاثين مليون نسمة.
في الآونة الأخيرة، وصف المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس غيبريسوس النقص الحالي في اللقاحات الموجهة للبلدان الفقيرة بأنه “ظلم فاضح”، بينما دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى “مزيد من التضامن الدولي بشأن إمداد اللقاحات”.