مصاب عدن
أحمد ناصر حميدان
لا تستكثروا على عدن التعبير عن مصابها، وسكانها عن ضيق حالهم، بعد أن فقدوا كل وسائل الحياة, وتهاوت مدينتهم من مصاف رفيع ومكانة اقتصادية وتجارية عالية, إلى مستوى قرية وأدنى من قرى المعمورة.
عدن اليوم ليست بخير, محقونة عصبيات ونعرات, وتعاني من جور فساد الإيرادات, وبسط وسطو الأراضي والمتنفسات, والمعالم التاريخية والإرث والمؤسسات.
ست سنوات والحال من سي للأسوأ، في انهيار مخيف، كان الصبر يخفف لعل وعسى, فكان النفير الأول والثاني, وازداد الحال سواً والاستحقاقات فشنج استحقاقات التمكين على الأرض والمقدرات, وظل الخطاب هو ذلك الخطاب, الذي يدعو للبقاء في تقمص دور الضحية, تصرخ وتعوي, في احتياج لحامي الحمى والرهان, وجرعات من الخطاب المثخن بالجراح, والمزين بالشعارات, ونفس التهديد والوعيد, وينتهي بتسول عودة الحكومة لإنقاذ حال عدن.
خرجت عدن تنتفض, باحتجاجات سلمية, تريد دولة ترعى الحقوق وتنظم الواجبات, تضبط إيقاع الحياة والسلم الأهلي وترسيخ العدالة الاجتماعي, وتشغيل مؤسسات الرقابة والمحاسبة, وتفعيل القضاء والنيابة, ولا تريد الحديث عن تحرير دون تطبيع للحياة, ومقاومة غير قادرة على أن تكون دولة ضامنة على الأرض, وقادة فقدوا الانضباط القانوني لفكرة الدولة وتناهوا مع فكرة العصابات والمليشيات, بنفوس مغلوبة بالمصالح والأطماع والنعرات, تكره وتستحوذ وتنهب وتبسط وتسطو على كل ما يحرك أطماعها دون نازع قيمي وأخلاقي وعقائدي.
خرجت عدن من يأس البديل الأسوأ, ينقلهم من سيئ لأسوأ, وحرمهم من إيراد عدن ومقوماتها الاقتصادية, القادرة على أن تنهض بعدن, عن حق أبنائها في إدارة مرتكزاتها الاقتصادية وتشغيل مؤسساتها الحيوية, لتعود عدن للواجهة الاقتصادية والتجارية.
لو صدقوا في محاربة فسادهم ومفسديهم, وخرجوا من طور الضحية والخطاب البائس, للعمل الإيجابي الذي يصنع تغيير, ويحدث تحول منشود, يلبي استحقاقات الناس, متجاوزا ذرائع الفشل وأعذاره القبيحة, من شيطانة الآخر, وبتبع الصراع السلبي المدمر للحياة.
لكنهم لم يصدقوا, وتعروا أمام انتفاضة عدن, وزادت من سوآتكم, واجهوها ببعض الدمى التي تتقمص دور الضحية وتردد نفس الخطاب البالي والرديء, برداءة مفرداته المسيئة التي تعبر عن ثقافتهم, ورفعوا أصنام من صنع التحالف, وبهرجة الإمارات لخدمة الأطماع, تتحرك وفق المبتغى, لغرض استمرار معاقبة عدن, وإنهاء دورها التنافسي في المنطقة, وتعطيل مقدراتها ومرتكزاتها الاقتصادية لتقبل بدور هامشي مستسلمة للأطماع القديمة والجديدة لذلك التحالف بشقيه الإمارات والسعودية.
في كل مرة تنتفض فيها عدن تكشف عن عورات الكثير من المنافقين الأفاقين, الذين تحسنت أحوالهم حينما جاعت عدن, واثروا حينما أصاب أبناء عدن الفقر والحاجة, وارتفعوا شأنا حينما انهارت سبل الحياة في عدن, وتبقى مطامعهم ببقاء غياب الدولة بعدن, وقالت لبيبة لن يكون غيرهم المتسبب فيما تعاني منه عدن, ولا يخطئ عقل لبيبة يربط الأحدث ويحلل المواقف بحيادية دون تعصب مناطقي طائفي أيدلوجي, يعمي العقول.
لن تستمر بندقيتكم تفرض على عدن واقع, وتأخذ الأسوأ والأدنى والغير صالح من أبناء عدن لخدمتكم في عدن, عدن فيها من الأحرار والكفاءات القادرة على تغيير المعادلة بما يفرض واقع يخدم عدن, قادرين على الاستمرار في انتفاضات واحتجاجات, حتى تتركوا لهم مدينتهم يديرونها بعقولهم وكوادرهم وكفاءاتهم, لإدارة مرتكزاتها الاقتصادية, ومؤسساتها الحيوية لتستعيد عدن ألقها وأيقونتها, ومكانتها بين الأمم, وخصوصياتها الثقافية والسياسية والاقتصادية, وان غدا لناظره لقريب.