رحيل الفنان اليمني عبدالكريم مهدي.. “ليالي الجحملية” بلا “حنش”
صدام الزايدي
استيقظ الوسط الثقافي والفني وجمهور الدراما اليمنية، يوم الأحد، 16 أيار/ مايو 2021، على نبأ رحيل الفنان المسرحي والشاعر الغنائي، عبد الكريم مهدي، (1964)، متأثرًا بأزمة قلبية، نقل إثرها إلى المستشفى الجمهوري في مدينة تعز، حيث فارق الحياة، بعد رحلة عطاء استمرت أكثر من ثلاثة عقود، توزعت بين الدراما والمسرح والعمل النقابي وكتابة الشعر الغنائي.
في اثنين من الأعمال الدرامية الرمضانية اليمنية، هذا العام، ظهر عبد الكريم مهدي، هما “ليالي الجحملية”، في جزئه الأول، والذي بثّته قناة “يمن شباب”، ومسلسل “مخلف صعيب”، على قناة “السعيدة”، متقمّصًا، في “ليالي الجحملية”، شخصية رجل يقود عصابة للسرقات وبيع مقدّرات الوطن ومكنوزاته، حاملًا اسمًا دراميًا- “الحنش”، مجرّدًا من أي اسم ثان أو لقب، مؤدّيًا دورًا خطيرًا لكنه مع ذلك، نجح في دور الرجل “الثعبان”، الذي هو على استعداد لتنفيذ أي ممارسات سرقة أو نصب واحتيال وبيع ممتلكات وطنية لقوى خارجية، لا يهمه إلا مصلحته الذاتية والمزيد من المال. أما في مسلسل “مخلف صعيب”، فقد قدّم دور “العم فارع”، ضمن مجموعة (ممثلين) ركاب حجزوا للسفر داخليًا بين مدينتين يمنيتين على متن باص لنقل الركاب “جماعي”، وبينهم جماعة تقودها مطالب غير مبرّرة إلى اختطاف الباص بمن فيه، تحت قوة السلاح، بهدف الحصول على فدية أو تحقيق مطالب وحقوق يزعمون أن الحكومة الغارقة في الفساد، لم تحقّقها لهم.
منذ الحلقة الأولى حتى الحلقة رقم 29 (الأخيرة)، تتوالى مشاهد المسلسل/ يوميات الخطف والاعتقال خارج القانون، وتستفيد منظمات إرهابية معتمدة على عناصر لها كانوا ضمن الرحلة، فتدخل طرفًا ثالثًا في المفاوضات، مستفيدة من غباء الخاطفين (رجل وزوجته)، وتتواصل تحركات وإجراءات أجهزة الأمن، وتتم مفاوضات مع خاطف يملك جاهزية تقنية في غرفة عمليات غير معلوم موقعها. ومن خلال تبادل للرصاص بين الشرطة التي تحاصر محيط الباص، يخالف رجل أمن طائش توجيهات قيادته فيطلق رصاصة أخطأت جسد أحد الخاطفين لترتد من مدخل الباص الحديدي إلى الذراع الأيمن للعم فارع، الذي يحظى بإسعاف أولي في الموقع ذاته، وتتطوع “عهود” ابنة أحد الركاب (وهي طالبة على وشك إنهاء دراسة الطب في الجامعة)، لمعالجة جرح العم فارع. ويكشف العم فارع أنه يداوم على أكل العسل والسمن والمأكولات الشعبية، ساخرًا من جيل الشباب اليوم، وواصفًا إياهم بـ”جيل” السندويتشات والمأكولات السريعة التي لا تحفز على الزواج من اثنتين وثلاث وأربع! يعالج المسلسل إجمالًا، قضايا الخطف واستهداف المسافرين الآمنين وتحويلهم إلى رهائن مقابل تمرير مخطّطات وجرائم إرهابية تنخر في جسد المجتمع وتعطّل جهود التنمية وتضرب جهود إنعاش السياحة الوطنية.
“ما يميّز عبد الكريم مهدي أنه نجح في أن يكون مخلصًا لموهبته، متجدّدًا في أدائه وقدراته، متواصلًا مع جمهوره على مدى ثلاثة عقود، فقد كان حاضرًا في مواسم الدراما الرمضانية، وفي مجال المسرح”
وغير بعيد، أطلّ الفنان الراحل عبد الكريم مهدي، ضمن مسلسل “ليالي الجحملية”، مؤدّيًا دور رجل خطير يدعى “الحنش”، وقد شكّل هو والممثل عامر البوصي، صاحب شخصية “سعد الخفيف”، ثنائيًا، وبالتالي يدفع الحنش، سعد الخفيف، للقيام بسرقات واقتحام دكاكين وبيوتا بغرض السرقة، بناءً على طلب رجلين أجنبيين قدما إلى اليمن لسرقة كنز تركه جد أحدهما في مكان ما داخل “البيت الكبير” في إحدى حارات مدينة تعز (جنوب غربي اليمن)، على أن خريطة مخبوءة في إحدى نوارات البيت الكبير (فانوس إضاءة)، بالخط “المسند” اليمني القديم، هي من يرشد إلى مكان الكنز بداخل البيت وقد انتقلت ملكيته إلى سبعة من الورثة.
ما يميّز عبد الكريم مهدي، كممثل درامي وفنان مسرحي، أنه نجح في أن يكون مخلصًا لموهبته، متجدّدًا في أدائه وقدراته، متواصلًا مع جمهوره على مدى ثلاثة عقود، فقد كان حاضرًا في مواسم الدراما الرمضانية، وفي مجال المسرح، أيضًا، إذ كان من أهم نجومه، منذ 1986، سنة التحاقه بالمسرح الوطني، كما أنه عرف بكتابته للشعر الغنائي (قصائد باللهجة الشعبية ذات طابع غنائي)، تمحورت في معظمها حول الوطن والحبيبة.
مهدي النقابي
التحق “مهدي” بالمسرح الوطني اليمني سنة 1986، وتدرّج في وظائف إدارية ونقابية منها: رئيس قسم المسرح في تعز، عام 1987، ومدير مكتب الثقافة بمديرية القاهرة- تعز، عام 2002، وأمين عام نقابة الفنانين للمهن التمثيلية في تعز، قبل أن يتقدّم بطلب إعفائه من العمل (النقابي) ليتفرّغ للعمل الدرامي والمسرحي. شارك في عدة أعمال درامية، آخرها كما ذكرنا “ليالي الجحملية” و”مخلف صعيب”، في رمضان المنصرم، وقبلها كان واحدًا من نجوم الأعمال الدرامية التلفزيونية اليمنية: “حكاية دحباش”؛ “همي همك”؛ “حاوي لاوي”، إضافة إلى مشاركته في فيلم “الهروب إلى الموت” الذي حاز المركز الثالث في مهرجان اليمن الثاني للأفلام، على هامش الاحتفاء بتعز عاصمة للثقافة اليمنية، قبل سنوات. وفي المسرح أيضًا، شارك في عدة أعمال مسرحية، منها “مسرح الشارع” في تعز.
“المسرح اليمني بدأ مؤخرًا حالة من المغامرة والتعافي عبر مسرحيات الشارع، متحفًا الجمهور بأعمال ومبادرات تعيد الروح إلى المسرح، لكن الحرب بكابوسها المرعب وتبعاتها، حوّلت مدينة تعز إلى مسرح للاقتتال والدمار”
نعاه الوسط الثقافي والفني اليمني، بأسف شديد، عادًّا رحيله مفاجئًا ومبكرًا بالنسبة لفنان عرف عنه ديناميكية حضوره المتمكن وقدراته في تقمّص أدوار درامية بعضها يتطلّب احترافًا. وأشير إلى أنه انحاز للإبداع والفن وكان على تواصل مستمر مع أصدقائه، سواء أصدقاء الوسط الثقافي من شعراء وكتاب ومثقفين، أو الوسط الفني (الدرامي والمسرحي)، في ظروف الحرب العاصفة، التي توقف معها نشاط المسرح اليمني ولا سيما “مسرح الشارع”، في تعز وعدة مدن يمنية، بعد أن كان بدأ مؤخرًا حالة من المغامرة والتعافي عبر مسرحيات الشارع، متحفًا الجمهور بأعمال ومبادرات تعيد الروح إلى المسرح، لكن الحرب بكابوسها المرعب وتبعاتها، حوّلت مدينة تعز إلى مسرح للاقتتال والدمار، جاعلة منها أكثر مدن البلاد تضررًا. فما تزال حتى الآن مسرحًا لمعارك ومناوشات يومية بين طرفي الصراع الدائر في اليمن، للعام السابع.
عاد مهدي من العاصمة الأردنية عمان، حيث أنجزت أعمال تصوير الجزء الأول من مسلسل “ليالي الجحملية”، واستعدادًا لإجازة عيد الفطر، كان بمعية زميله الفنان عامر البوصي، شاركا في عرض فني توعوي نفّذه مكتب الثقافة في تعز بمشاركة أطفال يؤدون مقطوعة غنائية بمصاحبة الموسيقى، يتحدّون فيها الكورونا، بمطلع نشيد: “يا كورونا مشتهزمناش” باللهجة التعزية الدارجة (مشتهزمناش، تعني: لن تستطيع أن تهزمنا). وظهرا وهما يتلقيان اللقاح في العرض التوعوي المسجّل، إلا أن ظهورهما في هذا العمل التوعوي دفع ببعض محرري الصحافة اليمنية للقول بأن الفنان مهدي توفي متأثرًا بإصابته بكورونا، الأمر الذي نفاه مدير مكتب الثقافة بتعز، عبد الخالق سيف، مبينا أنه توفي متأثرًا بذبحة صدرية تعرّض لها ثالث أيام عيد الفطر، ومشيرًا إلى معاناة مهدي من أمراض القلب منذ سنوات.
إلى ذلك، يضع رحيل عبد الكريم مهدي القائمين على مسلسل “ليالي الجحملية” في مأزق فني غير متوقع، إذ يتساءل الجمهور، بعد سماع نبأ موته: من سيخلفه في دور “الحنش” في الجزء الثاني المرتقب في رمضان القادم، الذي سبق أن صوّرت بعض مشاهده مع أعمال تصوير مشاهد الجزء الأول؟
وداعًا كريم
نعت وزارة الإعلام والثقافة والسياحة في حكومة عدن، الفنان مهدي، منوّهة في بيان لها، بأنه من أوائل الفنانين الكبار الذين قدّموا أعمالا فنية في ثمانينيات القرن الماضي. وكان كاتبًا وشاعرًا غنائيًا وممثلًا مسرحيًا، وله العديد من المشاركات والمهرجانات الفنية الداخلية والخارجية. ولفت بيان الوزارة إلى أن أهم الأعمال التي شارك فيها مسلسلات: “دحباش”، و”همي همك”، وفيلم “الهروب إلى الموت” الذي حاز على المركز الثالث في مهرجان اليمن الثاني للأفلام، وكان آخر أعماله مسلسلا “ليالي الجحملية” و”مخلف صعيب”، ومن مؤلفاته المسلسل الإذاعي الدرامي “عريس عرطة”، وله ديوان شعر غنائي تحت الطبع.
ونعاه صديقه الروائي عليّ المقري، المقيم حاليًا في فرنسا، في منشور له على فيسبوك: “يا للفجيعة! رحل الفنان القدير عبد الكريم مهدي، الذي ملأ حياتنا بهجة وضحكًا، صديق العمر ورفيق الكتابة والفن. لم أره في أي يوم إلا مبتسمًا؛ كان فنانًا على المسرح وفي الشاشة والحياة، وهو بعض ذكريات مدينة تعز الجميلة، التي صار القتلة يعبثون، كل يوم، بأحلامنا التي ولدت فيها”.
المصدر: ضفة ثالثة