كتابات خاصة

خروج اليمن عن الاهتمام الدولي

أمجد خشافة

لا شيء يُثير القلق لدى المجتمع الدولي مما ينبعث من اليمن سوى ما له علاقة بالخطر الأمني الذي قد تصل شظاياه إلى أمريكا أو إلى باريس أو أي دولة أخرى فاعلة في جزء من هذا النظام العالمي. لا شيء يُثير القلق لدى المجتمع الدولي مما ينبعث من اليمن سوى ما له علاقة بالخطر الأمني الذي قد تصل شظاياه إلى أمريكا أو إلى باريس أو أي دولة أخرى فاعلة في جزء من هذا النظام العالمي.
كتب الأسبوع الماضي وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مقالا بعنوان “البناء على انجازات 2015م ونحن نتطلع لعام 2016م”، يتحدث فيه بلغة الدولة المتسيدة على العام عن الانجازات التي حققتها بلاده خلال السنة الماضية على المستوى الداخلي والخارجي ومنها ملفات في الشرق الأوسط.
يقول كيري إننا أنجزنا خلال العام في المنطقة الاتفاق مع إيران ومنعها من الحصول على القنبلة النووية، أما التحديات فهي مواجهة وهزيمة “داعش” في العراق وسوريا ومنع تمدد العنف في الشرق الاوسط، ونزع فتيل الصراع في سوريا وعزل “الإرهابيين”.
هذه التحديات هي ملفات أمنية بحته، بمعنى أن أمريكا لا تنظر لجغرافيا الصراع في المنطقة العربية إلاّ من خلال من سيكون حليف ممتاز للحد من هذا الصعود المتسارع للأفكار والجماعات الجهادية التي تهدد المجتمع الدولي في القرن الواحد والعشرين كما أفرد للفكرة، هذه، في مقال سابق عن هذا “الخطر المتصاعد”.
“كيري” رسم خارطة لاهتمام بلده للعام الجديد، أي أن بلاده ستهتم بسوريا. البلد الذي في حين وصل عدد اللاجئين السوريين 800 ألف تجاوز عدد النازحين في اليمن أكثر من 2مليون نازح وأكثر من مليون لاجئ خارج البلاد، وفقا لإحصائية الأمم المتحدة.
الكارثية في اليمن، على الأقل، توازي ما يحدث في سوريا، لكن اليمن لم تعد في سلم قائمة أمريكا، حسب ما طرحه وزير خارجيتها، وربما سيترك اليمن المجتمع الدولي ما دامت وهي لم تصل إلى حد الخطر الذي تطاير من سوريا والعراق، ومعقل الجماعة التي تتوسع وتسيطر وتُقيم دولة بنفس الوقت تهدد الأنظمة العربية والأنظمة الكولينالية.
ربما ترك المجتمع الدولي وعلى رأسه أمريكا اليمن للرياض ورجمت بملف الصراع وحل المشاكل في حضنها، ولو لم تكن اليمن قطعة بجنوب الجزيرة العربية ومجاورة لأغنى دول نفطية في العالم لتُركت للضباع وشبح الحرب الأهلية.
السعودية، بدورها، تدخلت في اليمن لأنها وجدت صبيان إيران ينصبون راجمات صواريخ في الحدود، وبدأت إيران تفرك يدها بلؤم بأن لديها قوة فتية تلوح بها في وجه الرياض وتبتزها كلما حاولت المملكة التسيد في المنطقة.
لكن التدخل في اليمن جاء في ظرف تعصف الأزمة الاقتصادية دول العالم بفعل انخفاض برميل النفط من 60 دولار إلى 40 دولارا، ودولة كالسعودية التي تعتمد 90% من دخلها على النفط لا فرق عندها بين خطر الحوثيين في اليمن وبين هذا التصدع الاقتصادي داخلياً.
حين تقول تقارير دولية إن ما حدث من عجز في ميزانية السعودية في 2015 بلغت 98 مليار دولار سيتكرر في عام 2016 وذلك بفعل استمرار تهاوي سعر البرميل النفطي هو ما سيجعل المملكة أمام أكبر تحدٍ استراتيجي على المدى البعيد، وهو الأمر ذاته الذي يجعلنا في اليمن نؤمن أن لا خيارات اقتصادية أو تنموية تدعم البلد في العام القادم إلاّ ما كان في حدود الحد من تنامي الكارثة الإنسانية ليس إلاّ.
يذهب أنصار الحوثي وصالح، بكل خفة، إلى القول إن هذا العجز المالي نتيجة للحرب على اليمن، ولا يعرفون أن التحالف يقصفهم بصواريخ مكدسة من حرب الخليج مطلع التسعينيات، ولا شيء يخسرونه سوى من فقدوه من رجال عسكريين خلال الحرب، أما العجز فقد توقعته تقارير عند انهيار النفط، أي قبل بدء الحرب على الحوثيين في اليمن.
دولة أخرى في التحالف العربي رغم ما قدمته من مساعدات إنسانية خلال الحرب بلغت 1.62 مليار درهم إلاَّ أنها مشغولة أكثر بكيفية إعادة صياغة المجتمع اليمني من جديد، وفقا لتحسسات مسبقة ممن لهم صلة فكرية بالإخوان المسلمين، بمعنى فرز المجتمع وفقا لـ” هذا مرغوب فيه، وهذا ليس مرغوبا”. ما يحدث في تعز نموذجاً.
قبل أيام قال الرئيس هادي والتحالف إن مرحلة تحرير تعز بدأت، ثم مرت أسابيع وقال وزير خارجيتها “إن حزب الاصلاح كان سببا في تأخر الحسم في تعز”، تمر أيام وينتقل حمود المخلافي إلى عدن ثم تُعلن وزارة الدفاع اليمنية الشرعية أن ألف شاب من تعز سيتم تدريبهم لتحرير المدينة، وكأن المخلافي كان يقود جماعة من الأشرار غير مدربين وخاضوا أكبر حرب استنزاف منذ 8 أشهر مقابل أكبر قوة ألقى بثقلها علي صالح والحوثيين على محيط المدينة.
أما من بقية من دول الخليج المهتمة باليمن مثل قطر، فهي وفقا لتقرير استراتيجي لمركز “بروكنجز” الأمريكي تتخفف من التفاعل مع النشاط بالمنطقة ومنها اليمن وتركها للسعودية في حال لجأت الثانية إلى مقاربة معتدلة فيما يخص جماعة الإخوان المسلمين.
على هذا النحو، يواجه البلد عام مُجدب، يقل فيه اهتمام العالم به، ما دام التصدع بين القوى السياسية في الداخل لا يزال هو سيد الموقف، فكل خيارات المجتمع الدولي نفدت كان ذروة اهتمامه ما قدم من رعاية في مؤتمر الحوار، وما يحدث من دفع بحل سياسي في مشاورات جنيف.
أحد الزملاء الصحفيين الذين كانوا في جنيف قال إن المراقبين الأوروبيين في مشاورات جنيف عبروا عن أوضاع أسوأ في قادم الأيام باليمن بفعل تعنت الحوثيين، ولم يعد للمجتمع الدولي اهتمام باليمن نتيجة لانشغاله بالحرب الدائرة بالعراق وسوريا.
لا أحد يريد أن تصبح اليمن مثل نموذج الصومال حين تدخلت أمريكا في 92م عقب سقوط نظام زياد بري تحت مسمى (إعادة الأمل) لكن فشل أمريكا أيضاً في المهمة وتفاقم الحرب الداخلية قررت ترك الصومال للضباع، وإيكال المهمة لأثيوبيا للحرب مع “الشباب المجاهدين”، وحتى الآن لا دولة سوى أرض جدباء وبلد فقير.
لا أحد يريد لليمن ذلك، لكن إذا استمر صبيان إيران في تعنتهم وفرض خيار “الحرب إلى يوم القيامة” سُيخلف بلد يُعاني من ما بعد الكارثة الانسانية دون اكتراث المجتمع الدولي ما داموا بعيدين عن شظايا ما ينبعث من مخاطر هذا البلد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى