منذ انقلابها على السلطة قبل ست سنوات، لم تخض المليشيات الحوثية معركة حقيقية وحققت فيها الانتصار.
حسم الحوثيون جلّ معاركهم السابقة بشراء الولاءات وتفكيك القبائل وعندما حاولوا تكرار ذلك في مأرب لم يحصدوا سوى الفشل.
لماذا عجزت إيران عن حسم معركة مأرب على الرغم من أنها سخّرت للحوثيين كافة مقومات النجاح من دعم عسكري ولوجستي وإعلامي؟
رغم هشاشة أداء قيادات القوات الحكومية و”الشرعية” وخذلان المجتمع الدولي سجّلت قبائل مأرب صموداً أسطورياً في التصدي للهجمات العدائية الحوثية.
أنباء تحدثت عن إرسال الحرس الإيراني دفعة أولى تضم نحو 120 مرتزقا من بلدات ومدن دير الزور شرقي سورية إلى اليمن للقتال في صفوف الحوثيين.
* * *
قبل شهر، توعد الإعلام الإيراني بـ”الصوم في مأرب والإفطار من تمرها”. وبما أن شهر رمضان اقترب من نهايته، يبدو أن محافظة مأرب اليمنية، هي من أفطرت على الحشود الحوثية، وأحرجت الغطرسة الإيرانية بشكل لم يكن في الحسبان.
لم يصم الحوثيون رمضان في مأرب، كما تمنّت وكالة الأنباء الإيرانية “مهر”، ولن يفعلوها بالتأكيد في الستة من شهر شوال أو العشرة الأوائل من شهر ذي الحجة، فمن عجز عن تحقيق أمنية منذ أكثر من عام، لن يكون قادراً على قلب الموازين بين ليلة وضحاها، على الرغم من الدعم الإيراني الفاضح.
الأنباء المعلنة أخيراً عن ضبط البحرية الأميركية شحنة أسلحة متطورة في بحر العرب، وكذلك تهريب الحرس الثوري الإيراني دفعة أولى من المرتزقة القادمين من سورية إلى اليمن، تكشف حجم الورطة الإيرانية في مأرب، والاستماتة في حسم المعركة، من أجل حصد مكاسبها السياسية في فيينا.
حتى الآن، تعتقد البحرية الأميركية أن الشحنة كانت في طريقها إلى الحوثيين، وما أفصح عنه بيان الأسطول الخامس عن صواريخ مضادة للدبابات وآلاف البنادق الهجومية الصينية من طراز “تايب 56” ومئات البنادق الرشّاشة وبنادق القنّاصة وقاذفات الصواريخ، يكشف أن ذلك الاعتقاد في محله.
أنهكت مأرب جماعة الحوثيين وابتلعت رمالها جحافل المليشيات التي يتم الزج بها تباعاً إلى محارق محتومة. وبما أن الفشل كان هو العنوان البارز في فبراير/شباط الماضي، من المتوقع أن القيادات الحوثية هي التي أطلقت نداء استغاثة لطهران، لإسنادها بأسلحة نوعية تكون قادرةً على حسم الاشتباكات التي لا تجدي فيها الصواريخ.
ضبط شحنة أسلحة إيرانية لم يعد أمراً لافتاً، خصوصاً بعد إقرار قيادات الحرس الثوري بعمليات تهريب. لكن ما يثير الاستغراب، هو الأنباء التي تحدثت عن إرسال الحرس الإيراني، دفعة أولى تضم نحو 120 مرتزقاً من بلدات ومدن محافظة دير الزور، شرقي سورية، إلى اليمن، للقتال في صفوف الحوثيين، وفقاً لما نقلته وكالة “الأناضول” التركية للأنباء.
لو أن هذه الأنباء ظهرت قبل عام، لكانت نسبة تصديقها ستكون ضعيفة مقارنة بالفترة الحالية التي تعرضت فيها المليشيات الحوثية لأكبر نزيف بشري، وجعلها تخسر أكثر من ثلاثة آلاف قيادي ميداني بارز خلال ثلاثة أشهر فقط.
صحيح أن قدرة الحوثيين على الحشد والتعبئة لم تتعرض لانتكاسة كبيرة، لكن من يتم الزج بهم على الجبهات، هم مجرد مقاتلين يجيدون حروب العصابات بـ”الكلاشنكوف”، ولذلك لا يُستبعد أن يكون دور المرتزقة الوافدين هو التعامل مع الأسلحة المتطورة، وخصوصاً الصواريخ الحرارية.
بعد كلّ هذه المعطيات، لماذا عجزت إيران عن حسم معركة مأرب على الرغم من أنها سخّرت للحوثيين كافة مقومات النجاح من دعم عسكري ولوجستي وإعلامي؟ منذ انقلابها على السلطة قبل ست سنوات، لم تخض المليشيات الحوثية معركة حقيقية وحققت فيها الانتصار.
غالبية مكاسبها كانت عبارة عن اجتياح سلس للمدن من دون قتال، ابتداء من صنعاء وصولاً إلى جميع محافظات الشمال والغرب اليمني. كانت تجر أذيال الخيبة عندما تجد نفسها في معركة حقيقية، كما حصل عندما تمّ دحرها من عدن والساحل الغربي وعدد من جبهات تعز.
حسم الحوثيون جلّ معاركهم السابقة بشراء الولاءات وتفكيك القبائل، وعندما حاولوا تكرار هذه الاستراتيجية في مأرب، لم يحصدوا سوى الفشل.
رغم هشاشة أداء قيادات القوات الحكومية و”الشرعية” بشكل عام، وخذلان المجتمع الدولي الذي يقف في موقع المتفرج، سجّلت قبائل مأرب صموداً أسطورياً في التصدي للهجمات العدائية الحوثية.
لا يدافع هؤلاء عن منابع النفط والغاز ومعسكرات الحكومة فحسب، بل يحرسون عملية السلام من انتكاسة أكبر، ويحمون أيضاً أكبر تجمع للنازحين من موجة تشرد جديدة.
* زكريا الكمالي كاتب صحفي يمني
المصدر | العربي الجديد