مطاعم يمنية تضع بصمتها في السوق الأردنية رغم المنافسة الشرسة مع السورية
يمن مونيتور/اندبندنت عربية
لا يحمل اللاجئون الهاربون من أوطانهم عندما يغادرون همومهم وآلامهم وتطلعاتهم فقط، وإنما ثقافتهم الخاصة، بما في ذلك أكلاتهم الشعبية التي تشتهر في بلدانهم لتصبح مع مرور الوقت جزءاً أصيلاً من موائد الدول التي هاجروا إليها وربما أكثر رواجاً أيضاً.
فما أن تتجول في الدول العربية، إلا وتجد في شوارعها انتشاراً كثيفاً لمطاعم وافدة باتت أكثر اكتظاظاً من تلك التي تقدم الأصناف المحلية التقليدية.
هذه العادة الثقافية ليست حديثة، ولا ترتبط بظرف تاريخي أو أزمة ما، إنما هي سلوك يمارسه البشر منذ أن قرروا البحث عن أوطان بديلة، فتجد المطاعم الأفريقية في الدول الخليجية، واليمنية في آسيا، والسورية في مصر ولبنان، والفلسطينية في الأردن، بعد أن هاجرت كل تلك الجنسيات إليها وحملت موائدها في حقائب السفر.
الأردن وموائد الشام واليمن
من بين إجمالي 52 جنسية لاجئة في الأردن تبرز الجاليتان اليمينة والسورية في مجال المطاعم والحلويات، ويبلغ عدد اللاجئين المسجلين في الأردن 744.795، بينهم 655 ألف سوري، و67 ألف عراقي، و30 ألف يمني.
إذ استطاعت المطاعم اليمنية في الأردن التي أنشأها مقيمون، أن تضع بصمتها في السوق الأردنية على الرغم من المنافسة الشرسة مع المطاعم السورية، ووصل عدد المطاعم اليمنية المنتشرة في أنحاء الأردن إلى ما يقارب 100 مطعم، تقدم جميعها الأطباق الشعبية مثل: المندي، والبرياني، والمضغوط، والزربيان، والمظبي، والحنيذ.
ووفقاً لأمانة عمّان الكبرى، فإن المطاعم اليمنية تحظى بأكثر طلبات للترخيص، بخاصة وأنها معفاة من ضريبة المبيعات، وأسعارها في متناول الجميع، وانعكس هذا على لافتات المحال في شوارع عمّان التي لن تخلو وأنت تتجول فيها من عبارات مثل مطعم “حضرموت”، أو “الشيباني”، أو “باب اليمن”.
هذا الحضور لا ينافسه إلا صانعو المعجنات والفطائر والكنافة السورية، فمع بدء الثورة السورية، توافد كثير من السوريين الذين يعملون في مجال المطاعم وصناعة الحلويات، فانتشرت على نحو واسع وجبات الشاورما، والحلويات الشامية الخاصة، والأكلات الدمشقية القديمة، على الرغم من معوقات كثيرة، ومنها إجراءات الترخيص والرسوم.
ونقل كثير منهم مشاريعهم التي كانت قائمة في دمشق وحمص ودرعا إلى المدن الأردنية، وشكلت المطاعم الشامية ما نسبته 30 في المئة من المطاعم في المملكة، وفق تقديرات نقابة أصحاب المطاعم والحلويات الأردنية، ويوجد في الأردن ما يقارب 2000 مطعم سوري، 70 في المئة منها افتتحت شمال المملكة.
لبنان يتفاعل مع الحربين السورية والعراقية
لطالما تفاعل لبنان وتأثر مع أزمات الجوار بطريقته الخاصة، فبعد الحرب العراقية واشتعال موجة “الربيع العربي”، كانت بيروت على موعد مع موجات نزوح من البلدين، بأعداد كبيرة من المواطنين وأنواع كثيرة من أصناف المأكولات.
ومع أن اللبنانيون ليسوا غريبين عن المطبخ السوري، إلا أن هناك جوانب فيه ما زالت غائبة عنهم، كما يقول مصعب حاضري، صاحب مطعم “بيت حلب”، “اتخذنا قراراً بإنشاء هذا المطعم عام 2014 في لبنان بعد أن خرجنا من سوريا، قمنا بدراسة لطبيعة ذوق الشعب اللبناني، وكيف يمكننا أن ننافس في السوق، واكتشفنا أن المطبخ الحلبي مفقود. وبما أن هذا المطبخ يتميز بالدهون التي ترتكز على لحم الغنم، عدلنا المواصفات، وخففنا الدهون لتتماشى مع السوق إرضاءً لجميع الأذواق”.
وأضاف “هناك 40 نوعاً من الكبة التي يتم تحضيرها منها المشوية، والمبرومة، والكرزية، والطرابيش، والصينية، واللبنية، وغيرها”، لافتاً “عانينا في البدء من نقص في المواد الغذائية كنوعية اللحم الطازج وشركات الزيوت التي لا تقبل إلا أن تبيع لنا بالعملة الصعبة، كما أن هناك صعوبة في إيجاد بعض المواد مثل الكرز المعصور واللحم العواص، وهو لحم غنم تختص به بلاد الشام، ويأتي من سوريا وطعم اللحم وجودته مختلفان”.
وقبل الأحداث التي حصلت في العراق، والثورة في سوريا، كان يأتي العراقيون بأعداد كبيرة إلى لبنان من أجل السياحة الطبية وتلقيهم العلاج في أهم المستشفيات ببيروت. عزز هذا الوضع لرجال الأعمال العراقيين واللبنانيين فكرة افتتاح مطاعم عراقية في العاصمة لتلبية حاجات هؤلاء السياح.
وحول هذا يقول مدير مطعم “عراق الخير”، خليل شهاب، “افتتحنا المطعم عام 2009 في بيروت بعد ست سنوات على سقوط صدام حسين عام 2003، إذ ازدادت الأوضاع سوءاً في بغداد”.
أما بالنسبة إلى المطبخ العراقي، فيوضح أنه “يشمل عدداً كبيراً من المأكولات المتأثرة بمطابخ الدول المحيطة، وليست الدول العربية فحسب، بل أيضاً المطبخ الإيراني والتركي، إذ تم تحديث هذه المأكولات إلى شيء مختلف كـ”الدولمة العراقية”، أي المحشي، إضافة إلى واحدة من الأكلات الشائعة “الباجة العراقية”، أي لحمة رأس الغنم.
مصر توسع مائدتها
وبالمرور على المهاجرين في أي بلد عربي، لا بد وأن يتكرر اليمنيون والسورين دائماً، وهم أصحاب الحربين الأكثر قساوة في العقد الأخير، وينطبق هذا على مشهد النزوح في مصر.
ويعيش أغلب النازحين من أبناء الدولتين في محافظتي القاهرة والجيزة، ويفضل معظمهم أحياء فيصل وأرض اللواء والمهندسين والدقي ومدينة 6 أكتوبر، كأماكن للسكن والعمل في آن واحد.
وبمرور الوقت، بدأ هؤلاء بالاستثمار في قطاع الأغذية للاستفادة من سوق الاستهلاك الضخم في مصر، ويقول فائز العريقي، صاحب أحد المطاعم اليمنية في حي الدقي، إنه جاء إلى القاهرة منذ خمس سنوات بغرض إجراء عملية جراحية، إلا أنه لم يغادر، ويشرح ذلك قائلاً “وجدت ضالتي في حي الدقي حيث يقطن أغلب اليمنيين، ثم قررت افتتاح مطبخ أو مطعم لتقديم الوجبات اليمنية لاستغلال الأعداد الكبيرة من أبناء الجالية وتعطشهم للوجبات المحلية”.
وتابع أن “أهم ما لفت انتباهي هو إقبال المصريين على الأكل والوجبات اليمنية”، مشيراً إلى أن المصريين كانوا يتوافدون بشكل يومي لتناول الوجبات قبل حلول شهر رمضان وحالياً تأتي أعداد كبيرة منهم لتناول وجبة الإفطار داخل المطعم أو طلبها عبر خدمة التوصيل إلى المنازل.
ويقدم أصنافاً مثل “العقدة وهو لحم مطبوخ في المقلاة مع الخضراوات، والفحسة التي تتكون من اللحم المطهو على درجة حرارة عالية، ويضاف إليه المرق والبهارات، وطبق السلتة يقدم في أوانٍ فخارية ويتكون من لحم مفروم مع البصل والزيت والصلصة وبعض الخضراوات، وتوضع على سطح الطبق حلبة سائلة”، إضافة إلى لحم المندي وفراخ المندي والحنيذ.
في المقابل ينافس السوريون أقرانهم في مصر أيضاً، كما يقول أبو أحمد، صاحب مطعم سوري جاء إلى القاهرة منذ ثلاث سنوات بدعوة من أحد أصدقائه، ومن أبرز الأصناف السورية التي لاقت قبولاً واسعاً لدى المصريين الفراخ المشوية على الفحم، التي تعد بخلطة سورية خاصة تتكون من مجموعة توابل أبرزها الزعتر.
وأشار إلى أنه مع بداية شهر رمضان حدث تراجع نوعاً ما في عدد الوجبات التي يقدمها المطعم، ولكن في الوقت نفسه يلحظ “إقبالاً كبيراً على طلب وجبات الإفطار السورية”.