طوباوية الاسلام في واقعيته الشديدة، وإن كان من مثال فيه فهو الحث على تزكية الأنفس كخلاص فردي، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كخلاص جمعي. طوباوية الاسلام في واقعيته الشديدة، وإن كان من مثال فيه فهو الحث على تزكية الأنفس كخلاص فردي، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كخلاص جمعي.
ولذا يمكن القول إن كل القوالب الطوباوية “تصورات الخلاص” التي تقدم على أنها الاسلام كالسلفية “الماضي والغرق في تقليده”، والصوفية الغرق الشديد في الرمز، والتشيع فكرة “الآل والمهدي المخلص”، أنها ليست من الاسلام في شيء.
فالإسلام كما أفهمه أنا يحث على الحياة كما هي بلا تعسف، حيث الترفع لا معنى له بدون التواضع للحياة والاعتراف بطبيعتها القائم منذ البداية على احتجاج الملائكة، “أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء” وإجابته سبحانه ” أني أعلم ما لا تعلمون”، تاركاً لنا كبشر متعة الاكتشاف لذلك الذي قال إنه يعلمه عنا واستحقينا لأجله الوجود على الأرض.
كأن يكون أكبر منجز بشري عبر التاريخ والذي هو تحرير العبيد نتاج لتجربة بشرية خالصة، قدرتنا على الافساد وقدرتنا على إصلاح ما أفسدناه والرقي والتطور.
يقول لنا كونوا جيدين ولا تكونوا سيئين، إلا أنه لا يتدخل لتحديد ما هو سيء وما هو جيد إلا قليل، ويترك للإنسان نفسه اكتشاف تصوراته اللا محدودة عن الخير والحق والعدل والجمال.
هو أبعد ما يكون عن اللاهوت المعقد حيث الايمان سلسلة بسيطة ومنطقية على علاقة بالرسالة ذاتها، الله المرسل، الملائكة واسطة الرسالة، الكتب الرسالة، الرسل البشريون، واليوم الآخر كغاية، يفهمه رجال اللاهوت كما يفهمه الانسان البسيط والعادي، وحيث العبادة ككل تتلخص في فكرة بسيطة هي شكر الخالق “إما شاكرا وإما كفورا”، ومن زاد “إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا”.
يتكلم عن وحدانية الله، ويجيب على الأسئلة المعقدة عن بدء الخلق ومآلاته، القيامة والآخرة، وحين يتطلب الأمر يستمع لامرأة تجادل في زوجها، أو يتدخل للصلح بين الرسول وزوجاته الغاضبات، يعاتبهن وفي الأخير يقضي لهن عليه بألا يتزوج فوقهن كأي تسوية ممكنة في الحياة.
يهتم للأخلاق ويحث عليها إلا أنه لا يغفل القانون “الجريمة والعقاب”، وفوقهما يترك مساحة للصلح والتسويات..
يطلب من رسوله أن لا يجادل إلا بالتي هي أحسن، وحين لا يستجاب له يطلب منه ألا يجزع أو يحزن “لعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا”، و”من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”، وحين يعتدى عليه وعلى دعوته ويحال بينها وبين الناس يحثه على القتال كي لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، إلا أنه يحثه أيضا على أن لا يعتدي فالله لا يحب المعتدين..
يأمر المسلمين ألا يقتل أحدهم الأخر، إلا أنه لا يستبعد أنهم قد يفعلون، كحالة فردية قضى بالقصاص أو العفو، أما في حال القتال الجمعي ” فأصلحوا بين أخويكم فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفي لأمر الله”. و”ولولا دفع الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض”.
هو الله كما ينبغي له وحده لا شريك له سبحانه، الا أنه يترك مساحة لرسوله البشري ليجتهد كأي تجربة بشرية للتأسيس للدين في إطار توجيهاته وعنايته، حيث حياة الرسول صلى الله عليه وسلم محور الوحي وسنته “أفعاله وأقواله” المرجع الثاني للدين، بل أن مساحة البشري فيه تمتد لتجربتين بشريتين بعد الرسول، أبوبكر وتقليده، وعمر وتجديده..
هو مثالي إلا أنه واقعي جدا، حيث إرادة الله وتوجيهاته وخيارات الإنسان اللامحدودة لتصور الخير والحق والعدل والجمال. “وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون”.