لا يبدو الأمر ضرباً من الخيال، إنها شجاعة تعز الاستثنائية، فالمخلوع صالح وحليفه الطائفي الحوثي، بعد أن دفعا بكميات هائلة من الأسلحة إلى تعز وبعد أن استقدموا ميليشيا التخلف إلى المحافظة، وبعد أن استوقدوا الحقد حاولوا إشعال تعز، ها هي النار ترتد إليهم وتحرق أكبادهم، وبسببها يتجرعون مرارة الهزيمة رغم كل هذا القتل. لا يبدو الأمر ضرباً من الخيال، إنها شجاعة تعز الاستثنائية، فالمخلوع صالح وحليفه الطائفي الحوثي، بعد أن دفعا بكميات هائلة من الأسلحة إلى تعز وبعد أن استقدموا ميليشيا التخلف إلى المحافظة، وبعد أن استوقدوا الحقد حاولوا إشعال تعز، ها هي النار ترتد إليهم وتحرق أكبادهم، وبسببها يتجرعون مرارة الهزيمة رغم كل هذا القتل.
وثبَ شبابُ مدينة تعز كالرماح وسددوا أنفسهم العارية إلى صدور الغزاة والقتلة ودفعوهم إلى خارج المدينة، ما يحدث اليوم هو أن هؤلاء القتلة نصبوا ما تبقى لديهم في المعسكرات التي تحيط بالمدينة من كل صوب، وأخذوا يقصفون المدينة ويستهدفون كل شيء، لا معنى لأن نقول “قصف عشوائي” فهذا النوع من القصف هو استهداف متعمد لكل طفل وامرأة وشيخ وشاب ومنزل ومنشأة.
كان المخلوع صالح قد وعد أنصاره ذات يوم بأن يلتقيهم في تعز، لا يستطيع اليوم أن يكرر هذا الوعد لقد بعُدت المسافةُ جداً بين هذا المجرم ومرتزقته، هو اليوم في قبو سري بصنعاء، ومنزله الذي بناه بأموالنا في تعز أصبح ثكنة لأبطال المقاومة، وكل يوم يتلقى قذائف جديدة من مقاتليه أملاً في استرداده ولكن هيهات.
تعز وأهلها تعرضوا لأسوأ موجة كراهية منذ إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، أبقى المخلوع تعز هدفاً أساسياً لعقيدته الأمنية، وبعض الجنوبيين للأسف أتقنوا دور الكراهية لتعز باعتبارها المحافظة التي تقدَّمَ بعضُ أبنائها صفوفَ الدولة الجنوبية، وناضلوا حتى تبقى فكرة اليمن الموحد قائمة في الجزء الجنوبي الذي استقل عن الاستعمار البريطاني في الـ30 من نوفمبر 1967.
ألصق صالح وبعض من الحاقدين الجنوبيين تهمة تغذية دورات العنف في الجنوب، بالسياسيين الذين تنحدر أصولهم من محافظ تعز، وبقيت هذه الكذبة حتى انفضحت في صيف عام 1994، ولكن هذه الحرب لم تقنع الجنوبيين بحقيقة أن تعز هي من يعمل على الدوام من أجل تماسك وحدة الصف الوطني، واحتاج الأمر تسعة عشر عاماً ليتأكدوا عام 2015 أن الذي يستهدف الشر للجنوب هو الشخص الذي حرَّضَهم على تعز وموَّلَ حملة التحريض ضد تعز، ومع ذلك لا يزال المخلوع يلعب على هذه الورقة القذرة عبر أدواته من صحفيين ومرتزقة في الميدان حتى اليوم.
ولكن حدود استهداف تعز كانت ولا تزال مفتوحة، لم ييأس المخلوع من إمكانية تأديب هذه المحافظة، لكن المحصلة حتى الآن صفر تقريباً، رغم التضحيات والدماء..
في أواخر ثمانينيات القرن المنصرم، لاحظ صاحب فندق كبير في تعز، فريق الاستكشاف التابع لشركة توتال الفرنسية الذي يسكن الفندق، يجمع مقتنياته الفنية والهندسية والشخصية بعصبية بادية، ألحَّ عليه مالك الفندق بالسؤال تلو السؤال عن سبب عصبيته وهو الذي أمضى ستة أشهر في عمليات بحث واستكشاف في قطاع واسع من محافظة تعز بحثاً عن النفط.
كان ذلك الفريق قد قطع خطواتٍ مهمة، واستخدم كل التقنيات المتقدمة في عمليات المسح الزلزالي وكل عمليات الاستكشافات النفطية عبر أجهزة مرتبطة بالأقمار الصناعة، وطائرات الهيلوكابتر، كان ذلك الفريق قد تحدَّثَ بإيجابية عن وجود نفط.
لكنه وفيما كان على الفريق الهندسي التابع لشركة “توتال” الفرنسية يعقد النية على مواصلة عمله حتى نهاية العام، تلقى تعليمات صارمةً من أعلى مستوى في صنعاء، بأن عليه أن ينهي هذه المهمة بسرعة وأن يغلق ملفها نهائياً.. شركة “توتال” صمتت كما طلب منها المخلوع صالح عن النتائج الإيجابية التي حصلت عليها في تعز، ومقابل هذا الصمت كان لها نصيب الأسد في مشروع الغاز الطبيعي المسال.
في تعز توجد خامات تجارية من معادن الذهب والنحاس والحديد والفحم الحجري والرخام متعدد الأنواع والأشكال.. والرخام هذا بالذات كانت شركة إيطالية قد استكشفت كمياتٍ تجارية منه في الشمايتين وأعدت دراسة لتمديد خط سكة حديد من منطقة الرخام حتى المخا، ولكن المشروع أُجهض بأوامر من المخلوع صالح.
ومثله مشروع تحلية المياه الذي تكفلت المملكة العربية السعودية بتمويله، أفشله المخلوع صالح، وهذا يعني أن الحصار الذي يفرضه المخلوع صالح اليوم على مدينة تعز بهذه الوقاحة، ليس جديداً بقدر ما هو امتداد لحصار بدأ تقريباً منذ أن كان قائدا للواء تعز، الأمر يتعلق بِعُقَدِ نقصٍ كثيرةٍ عانى منها في تعز فقد كان وضيعاً وسيئاً إلى حد كان يرى كل شيء في تعز أكرم منه وأفضل منه وأكفأ منه.
في محافظة تعز هناك تكامل عجيب في التضاريس والموارد الطبيعية، فهناك البحر والمضيق الاستراتيجي والنفط وهناك ما هو أهم وأعني به الموارد البشرية المؤهلة، كل هذه الموارد ترشح هذه المحافظة وإقليم الجند ليكون الإقليم الرائد على صعيد النهضة الاقتصادية.
هذا الابتزاز المقرف للطبقة المنتجة من أبناء تعز التي اضطرتها الظروف لتضرب في الأرض اليمنية، يجب أن يتوقف، ففي تعز توجد مدينة هي الأجمل في اليمن، وفيها تنوع تضاريسي، مدهش، فجبل صبر يزيد ارتفاعه عن 3200 متر وجبل سابع أكر من 2400 متر فوق سطح البحر، ومع هذا الارتفاع هناك تنوع في الموارد النباتية والزراعية.
في المخا وباب المندب توجد أفضل الشواطئ والمتنزهات الطبيعية، ويمكن أن تقام أفضل المنتجعات.. جزء من أهداف هذا التواطؤ ضد تعز من جميع الأطراف ترمي إلى تركيع الإرادة الوطنية الحرة لأبنا المحافظة وخفض منسوب وعيهم وترويضهم ليكونوا جزء من قطيع كبير يسهل توجيهه.
لذلك على أبناء تعز أن يقاتلوا من أجل الدفاع عن أنفسهم وكرامتهم وعن نموذج الحياة الذي يتطلعون إليه، وعليهم أن يثقوا بأن تعز التي عمل المخلوع صالح على قتل منابع الحياة فيها، سوف تحيا من جديد وسيكون بوسع سكان تعز أن يغذوا مدينتهم بالمياه، وأن يستكشفوا ثرواتها النفطية والمعدنية، والسمكية والسياسية والزراعية، التي عطلها المخلوع صالح.
يجب أن يدركوا أنهم لن يظلوا إلى الأبد أسراباً مهاجرة داخل الوطن، وخارجه، صحيح أن الضرب في الأرض من سنن الحياة، لكن في تعز توجد موارد يمكن أن تستثمر بما يسمح لسكان هذه المحافظة أن يعيشوا بكرامة وبأن ينعم اليمنيون معهم بحياة أفضل..
لا أوزع أمنيات مجانية، إنها حقائق، تهون معها التضحيات الغالية التي يدفعها أبناء تعز في هذه الظروف الصعبة..
المجد لكم يا أحرار تعز.. شكرا لصبركم وتضحياتكم .. عاشت تعز .. عاش اليمن.