(بورتريه وبودكاست) علي عبدالمغني- كيف فجر شاب ثورة ضد أعتى الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة؟
(يمن مونيتور)
علي عبدالمغني المناضل والقائد العسكري الذي ولِد من أجل اللحظة التاريخية، قيادة ثورة سبتمبر/أيلول1962 ضد نظام الحكم الإمامي، بكى عليه اليمنيون والعالم العربي عند استشهاده، ووصفوه ب”مهندس الثورة” و”قائدها الفعلي”، وخلَدوا سيرة بطولاته حتى اليوم.
نشأته
ولِد “علي محمد حسين عبد المغني” في بيت الرداعي مديرية السدة محافظة إب (وسط اليمن) عام 1937 وكان الثاني بعد أخته فاطمة وبعد مولده بفترة وجيزة شاءت الأقدار أن ينفصل أبواه (بالطلاق) ولم يكن ذلك الحدث الأسري سوى بداية لمرحلة مليئة بالمواقف والأحداث والدروس التي ما برح يتلقاها في بيئة كانت مقيدة بأغلال الإمامة الحديدية.
كباقي اليمنيين نشأ “عبدالمغني” في هذا الجو المثخن بالظلم والقهر والمعاناة، لكنه رفض الاستسلام فلم يمنع ذلك من رؤيته للحرية واعتبرها سعادته.
شاءت الأقدار –أيضاً- أن يتوفى والده وهو في الرابعة من عمره، ليفقد حنان الأب ورعايته، لتحوطه رعاية والدته الكاملة رغم زواجها من الحاج أحمد علي ضيف الله. ووجد دعماً ومساندة من أخواله، ومن زوج والدته الذي ينتمي لمديرية النادرة حيث بدأ مراحل حياته الأولى متلقياً تعليمه الأوليّ في كُتَّاب “نيعان”، وفيه ختم القرآن الكريم وهو في السابعة من عمره، لتجهز والدته وأسرته وأقرانه حفلة لتوفقه السريع، لكنها كانت أوسع من باقي الحفلات فتم زفّه من “نيعان” إلى “بيت الراعي” مسقط رأسه. وشارك في الحفل يومها العلامة حسين محمد الكبسي الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية حينئذ وصادف وجوده في قريته (نيعان) لزيارة أسرته وهو نفسه الذي لعب دورا كبيرا في إلحاق “علي عبدالمغني” بمدرسة الأيتام.
في صنعاء للمرة الأولى
في التاسعة من عمره عام 1946م انتقل علي عبد المغني إلى صنعاء لمواصلة دراسته وأثناء وصوله إليها توجه إلى منزل الوزير حسين الكبسي الواقع في “بستان السلطان” طالبا مساعدته للالتحاق بمدرسة الأيتام. وكما يحكي عدد من أقاربه فقد لقي ترحيبا حارا من الوزير الكبسي الذي ضمه إلى بيته معتبرا إياه واحدا من أولاده ولم تمض سوى أيام قلائل ليجد نفسه في مدرسة الأيتام وهناك كانت المفاجأة السعيدة بالنسبة له. لقد قررت لجنة الاختبارات في المدرسة إلحاق الطالب علي عبد المغني بالصف الرابع متجاوزة به ثلاثة فصول، وهي ميزة تمنحها اللجنة للطلاب المتفوقين.
وقبل قيام ثورة 48 م بأيام ذهب علي عبد المغني إلى منزل العلامة حسين الكبسي أحد رموز هذه الثورة، وهناك قابل المناضل جمال جميل العراقي قائد الثورة، وما إن وصل وسلم عليهما حتى دعاه جمال جميل وأجلسه بجانبه وسأله سؤالا مختصرا: فيما تكون السعادة؟ وكانت الإجابة هي الأخرى مختصرة: “السعادة تكون في الحرية”، فضمه جمال جميل إلى صدره وقال وهو ينظر إليه بتأمل كبير: “لو فشلت ثورتنا -لا سمح الله- فهذا الشبل هو الذي سيسحقهم ويكمل ما بدأناه”.
ودعاه جمال جميل إلى مواصلة “التعليم ولا يشغله عنه شاغل” وقدم له مالاً يعينه على استمرار دراسته. وشاءت الأقدار أن تؤول ثورة 48 إلى الفشل ويعتلي الإمام أحمد عرش الإمامة، ويومها أباح صنعاء للنهب والسلب، فضلا عن ملاحقة الثوار والقبض عليهم وزجهم بسجون صنعاء وحجة، ليصدر بعد ذلك أوامره بإعدامهم وكان الضابط جمال جميل ضمن هؤلاء وكان إعدامه في “ميدان شرارة” (ميدان التحرير) حالياً وقبل إعدامه قال للإمام والحاضرين بصوت الواثق: لقد “وضعنا الحمل وستلد” ولم يكن الإمام وحاشيته في مستوى يؤهلهم لفهم مغزى كلمات ذلك الثائر.
تخرج علي عبدالمغني من المدرسة الثانوية حاصلا على المركز الأول، وأصدر قرار بتعيينه سكرتيرا خاصا في وزارة المعارف.
الكلية الحربية
وفي العام 1957 فتحت الكلية الحربية باب القبول لأول دفعة يتم اختيارها من بين طلاب المدارس العلمية والثانوية والمتوسطة وتقدم لها مجموعة من بينهم محمد مطهر زيد وهذه الدفعة التي عرفت فيما بعد باسم دفعة محمد مطهر ولم يتقدم علي عبد المغني في ذلك العام, فقد كان يأمل الحصول على منحة دراسية في الخارج.
وفي العام الثاني 1958 فتحت الكلية الحربية باب القبول من جديد وتقدم علي عبد المغني ضمن الدفعة الثانية المعروفة حتى الآن باسم دفعة علي عبد المغني وتخرج منها متفوقا بالمرتبة الأولى وأقامت الكلية آنذاك حفل تخرج ألقى الطالب علي عبد المعني فيه كلمة الخريجين وعند تسليم الجوائز والشهادات لأوائل الخريجين منح الأمام أحمد، علي عبد المغني قلمه الخاص المصنوع من الذهب ولم يكن يدرك يومها أن هذا القلم هو الذي سيصوغ أهداف الثورة اليمنية.
بعد التخرج من الكلية الحربية التحق بمدرسة الأسلحة بمعية عدد من خيرة الضباط من خريجي كليات الحربية والطيران والشرطة، منهم: زميله ورفيق دربه محمد مطهر زيد، ناجي الأشول، حمود بيدر، عبد الله عبد السلام صبرة، احمد الرحومي، صالح الأشول، سعد الاشول، علي علي الحيمي، عبده قائد الكهالي، احمد مطهر زيد، احمد الكبسي… وغيرهم.
مرة أخرى في القرية
بعد أن تخرج في مدرسة الأسلحة قام بزيارة مسقط رأسه، وكان يومها قد بلغ 22 عاما وصحبه عدد من زملائه وكان ذلك في العام 1961، وهناك تفقد أهله في (المسقاة) و(بيت الرداعي) وأقام عند والدته يومين. وحرصاً عليها من أن تصلها أخبار سيئة عنه أثناء غيابه صارحها بأنه مقبل على عمل كبير هو وزملاؤه، وأوصاها أن تدعو له، ألحت عليه أن يخبرها بما هو مقبل عليه ليطمئن قلبها، فسألها عن رأيها في بيت حميد الدين.
فأجابته بفطرتها النقية: “ما يقومون به لا يرضي الله ولا رسوله”، وزادت بقولها: “أمرهم إلى الله”، فأدركته ابتسامة عريضة وشعور عميق بالفرح ثم قال: “والله يا أمي ما تسمعي عن ولدك إلاَّ ما يسر خاطرك، وأما بيت حميد الدين فو الله ما يذبحوني ولن أموت إلاَّ موتة الأبطال”. ثم توجه إلى مدينة تعز وهناك قام بالاتصال بخلية الضباط الأحرار، وانتقل إلى الحديدة للغرض ذاته وقيل أنه سافر إلى عدن ومن ثم عاد إلى صنعاء.
الضباط الأحرار والثورة
في ديسمبر/كانون الأول 1961م كان ميلاد تنظيم الضباط الأحرار بعد مشاورات ومحاولات عديدة أفرزت هذا التنظيم الذي أخذ طابع السرية في عمله وتحركاته. وكان علي عبد المغني واحدا من أبرز المؤسسين لهذا التنظيم، وتولى مسؤولية إحدى خلاياه وكانت تضم عشرة أعضاء.
وقبل ذلك، وبالتحديد في عام 1956، عندما تعرضت مصر للعدوان الثلاثي قاد علي عبدالمغني مظاهرة طلابية مهيبة وجهت رسائل مهمة وحاسمة للإمامة، وكانت أول مظاهرة تشهدها صنعاء، وعلى إثر ذلك تم اعتقاله وسجن في “الرادع” مع مجموعة من زملائه الطلبة وقد خرجت مظاهرة أخرى تطالب بالإفراج عنه.
وبعد تأسيس تنظيم الضباط الأحرار أجرى علي عبد المغني اتصالات عديدة وتواصل مع العلماء والمثقفين والمشايخ وكل الأحرار داخل اليمن وخارجها للإعداد للثورة.
وفي شهر يوليو/تموز 1962م التقى بالزعيم جمال عبد الناصر على متن باخرة مصرية في البحر الأحمر بشرم الشيخ حيث كان سفره إلى هناك على ظهر الباخرة اليمنية مأرب عبر ميناء المخاء وحصل خلال هذه الزيارة على وعود من الزعيم جمال عبد الناصر بدعم ونصرة الثورة اليمنية.
بعد عودته من مصر نظم مظاهرة للطلبة في كل من صنعاء وتعز والحديدة في شهر أغسطس/آب 62م وكان يؤمن بأن المظاهرات هي الجرس الذي سيوقظ اليمنيين من سباتهم، وأنه إذا صحا الشعب فهو القادر والمتكفل بحماية الثورة.
ليلة تفجير الثورة اجتمع مع مشايخ اليمن الذين وصلوا صنعاء لمبايعة الإمام وأقنعهم بالمشاركة في الثورة إلى جانب الضباط، وفي الساعة الحادية عشرة من مساء الخامس والعشرين من سبتمبر 1962 توجهت قوات الجيش التي أعدها تنظيم الضباط الأحرار إلى “دار البشائر” التي كانت مقراً للإمام البدر وما أن وصلوها بالمدرعات حتى وجهوا نداءً بمكبرات الصوت يدعو الإمام البدر للاستسلام مع أفراد الحرس الملكي، لكنهم أطلقوا النار بكثافة ما دفع الضباط الأحرار لقصف دار البشائر.
وفي صباح يوم السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962م ارتقى محمد الفسيل منصة إذاعة صنعاء ليقرأ أول بيان أعلن فيه قيام الثورة وسقوط عرش الإمامة إلى الأبد. وبعد ذلك عين علي عبد المغني عضوًا فيما عرف بـ«مجلس القيادة»، إلى جانب المشير عبدالله السلال، وعبد الله جزيلان، وعبد السلام صبرة وآخرين.
استشهاده
بعد أيام من قيام الثورة والجمهورية كلف بقيادة حملة عسكرية إلى منطقة “حريب” في مأرب لمواجهة الحشود الملكية، التي بدأت تستعد لإعلان الحسن بن يحيى حميد الدين إمامًا بمساعدة خارجية، وقد أستشهد علي عبد المغني في هذه المعركة وكان ذلك في أكتوبر/تشرين الأول 1962م، وبرحيله خسرت اليمن واحدا من المناضلين والأحرار العظام الذين وهبوا أنفسهم منذ اليوم الأول لمجابهة الظلم والطغيان وللانتصار للحرية. لكنها صنعت بطلاً أصبح مُلهماً لكل اليمنيين في الدفاع عن بلادهم وحماية جمهوريتهم حتى اليوم.
المصادر:
مذكرات شخصيات يمنية
موقع قبائل اليمن