العُمال في تعز اليمنية… معارك يومية لأجل البقاء (تقرير خاص)
يمن مونيتور/وحدة التقارير/ من مختار شداد:
يتوافد العشرات من العمال مع معداتهم كل صباح إلى باب موسى (حراج العمال) ويفترشون الأرض منتظرين من يرسم الفرحة على وجوههم المتعبة، ويدعوهم لعملٍ يخلصّهم عناء الجوع والفقر. عمالٌ تجاوزت أعمارهم الخمسين عامًا، وآخرون شبابٌ لم يبلغوا سن الثلاثين بعد، وكلهم خرجوا يجمعهم همٌ واحد، توفير لقمة العيش.
بجسد متثاقل تبدو عليه تجاعيد الزمن وأثر الهموم التي ضاعفت معاناته جراء تردي الأوضاع المعيشية في البلد، يخرج المواطن الخمسيني “سميح أحمد” كل يوم إلى رصيف باب موسى ينتظر بلهفة صاحب العمل الذي تسوقه الأقدار، ليزيح عن كاهله هم توفير لقمة العيش لأسرته التي تنتظر عودته بشغف. يتحدث “سميح” ليمن مونيتور” عن معاناته اليومية فيقول: “لم أعد أستطيع العمل كما في السابق، وأحيانًا أترك العمل في منتصفه وأعود إلى البيت من شدة التعب” ويتابع قائلا: ” لكن ليس باليد حيلة”.
يعيش “سميح” مع زوجته وأطفاله الخمسة، أكبرهم طفل يدرس في الصف السادس الابتدائي، ويعتمدون بشكل رئيسي في معيشتهم على ما يجنيه والدهم من عمله اليومي في مجال البناء.
ومع دخول شهر رمضان المبارك زادت معاناة العمال كثيرًا، وبخاصة أصحاب الدخل اليومي البسيط فرمضان هذا العام أكثر مأساوية عليهم من السنة الماضية، وذلك بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل غير مسبوق، وانعدام مادة الغاز المنزلي، بالإضافة إلى استمرار ارتفاع أسعار المشتقات النفطية.
مهن متعددة
مع قسوة الحياة والظروف المتردية التي يعيشها العمال في مدينة تعز المحاصرة منذ أعوام، يلجأ الكثير من العمال إلى ممارسة أكثر من مهنة في الوقت ذاته، وذلك محاولة منهم للهرب من البطالة وإيجاد فرص شاغرة للعمل بشكل دائم.
من جهته يعتقد “محمد علي” أحد العاملين في مجال البناء والسباكة في آن واحد، أن الاعتماد على مهنة واحدة تجعله عرضة للبطالة والتوقف عن العمل، وإذا لم يكن لديه مصدر دخل جديد يكون في مأزق بحسب وصفه.
في ذات السياق يتحدث الشاب أكرم عبد الله قائلًا: “بعض الأحيان أتوقف أشهر كاملة عن العمل وذلك بسبب قلة الطلب على المهنة التي أشتغل بها”. مضيفا أن التوقف عن العمل يُشكل عبئًا كبيرًا عليه وخصوصًا في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
وعلى الرغم من أن شهر رمضان يتميز بنكهة خاصة لدى الكثير من الأسر اليمنية، إلا أنه بات يحمل لهم الكثير من الهموم والخيبات بسبب تردي الوضع المعيشي، وارتفاع الأسعار وعدم قدرة الكثير من المواطنين شراء متطلبات رمضان خصوصًا عمال الأجر اليومي.
نُدرة العمل
منذ اندلاع الحرب الراهنة في البلاد وسوق العمل في تدهور مستمر، وكان لمدينة تعز النصيب الأكبر من هذا التدهور، فالحصار الذي تشهده المدينة حتى الآن شَلَّ حركة العمل فيها بشكل شبه كلي، خاصة في السنوات الأولى من الحرب، هذا الأمر أدى إلى زيادة نسبة البطالة حيث توقف الكثير من العمال عن ممارسة أعمالهم مما فاقم معاناتهم.
يؤكد العامل “عبده محمد” في حديثه لـ”يمن مونيتور” ،أن العمل كان متوفر بشكل كبير قبل الحرب، أما اليوم فالعمل قليل جدًا مع استمرار الصراع في البلد.
من جانبه يشكو العامل “منصور علي ” هو الآخر من قلة العمل خصوصًا في ظل ارتفاع الأسعار وتدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد فيقول: “أجرة العمل في الأوضاع الاقتصادية الحالية لا تساوي شيء، خصوصًا وأن العمل يكاد يكون شبه متوقف”.
يضيف منصور أنه لم يستطيع توفير متطلبات شهر رمضان هذا العام، بسبب عدم قدرته على ادخار المال نتيجة ندرة العمل، وكل ما يستطيع فعله هو توفير ما استطاع شراءه، من الأشياء الضرورية بشكل يومي.
إلى ذلك تحدث الحاج ” عبد الكريم” البالغ من العمر خمسين عامًا عن حاله في ظل الظروف الحالية قائلًا :” أصبحنا في حالة يرثى لها، نفتقد فيها لأبسط مقومات الحياة، وكأننا مجهولون، والعمال قدهم مصابين بحالة نفسية نتيجة انعدام العمل” ،ويتابع حديثه بالقول:” الواحد يتمنى لو أنه ولد في بلاد غير هذه البلاد”.
وبسبب ارتفاع أسعار السلع الغذائية قبيل رمضان بصورة كبيرة، جعل البعض يعزف عن شراء بعض المتطلبات الرمضانية، فيما يأخذ آخرون ما استطاعوا أخذه، حتى لا يأتِ رمضان وبيوتهم فارغة بحسب كلام “عبدالكريم”
تأثير الحرب
يتكبد العمال في اليمن مشقة العيش ويتعرضون لأعباء مضاعفة، تتمثل بانعدام العمل المستمر وارتفاع أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية، حتى صار الكثير منهم في رصيف البطالة.
وبحسب التقرير الصادر عن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، فإن الحرب تسببت في فقدان خمسة ملايين عامل وعاملة وظائفهم .وفي الوقت ذاته تشير آخر الإحصائيات إلى أن نسبة البطالة في البلد تجاوزت منذ العام 2018 معدل 60%، فيما قدر اتحاد عمال اليمن نسبة من فقدوا أعمالهم خلال الحرب الدائرة في البلاد مايقارب 80% من الحجم الفعلي للقوى العاملة.
في المقابل يرى مراقبون أن اليمن أصبحت رسميا بدون قوة عمل مع الإنهيار الاقتصادي وتوقف العديد من الأعمال، وبات سوق العمل مكتظا بالبطالة.
ووفقا لتقارير رسمية، فإن الحرب الراهنة في اليمن أدت إلى توقف العديد من الشركات والمؤسسات العامة والخاصة، إذ تسبب توقف بعض الشركات ومصانع الإسمنت إلى تسريح نحو 50 ألف عامل، وأثر توقف شركات التنقيب والاستكشاف والإنتاج النفطي والصناعات الغذائية والمواد المعدنية والبلاستيكية على وضعية الآلاف من العمال الذين فقدوا أعمالهم، دون أي بارقة أمل لاستقرار الأوضاع من جديد.