فقدت الحكومة اليمنية الشرعية كافة مقومات الحكومات أو الجماعات الحاكمة، وليس من الإجحاف القول إنها لم تعد تستحق حتى لقب “ولي أمر” لأسرة مكونة من عدة أفراد، فكيف هو الحال عندما تكون مسؤولة عن بلد تعداده 30 مليون نسمة، أو 10 محافظات محررة تخضع لسيطرتها، على الورق بالطبع.
طرحت السعودية وقبلها الولايات المتحدة والأمم المتحدة، مبادرات لحل الأزمة اليمنية، اختزلت جميعها الملف الإنساني في مطار صنعاء وميناء الحديدة، والملف العسكري في وقف الغارات الجوية مقابل وقف الهجمات الحوثية عبر الطائرات المسيرة والصواريخ ومعركة مأرب.
لم تتطرق أي مبادرة مطروحة، حتى وإن كانت جميعها فاشلة إلى الآن، لملف تعز، سواء بشأن مسألة الحصار المفروض على المدنيين منذ نحو 6 سنوات، أو في ما يتعلق بوقف القتال فيها.
وحتى الحكومة الشرعية، التي كانت تقايض رفع الحظر عن مطار صنعاء برفع الحصار الحوثي عن مدينة تعز، لم تقدّم أي دليل على أنها على قيد الحياة، سوى بالبصم بالأصابع العشر على ما تقوله السعودية.
لم تفقد “الشرعية” القدرة على تأمين مقراتها في عدن فحسب، بل فقدت القدرة على إبداء وجهات النظر أيضاً.
تحولت تعز هذه الأيام إلى مدينة منكوبة. لا نشاط فيها، سوى لحفر القبور بعد أن افترسها وباء كورونا، ولا همّ للسكان سوى توفير اسطوانات الأكسجين إلى منازلهم، خصوصاً أنّ غالبية الحالات التي تصل إلى مراكز العزل تفارق الحياة نتيجة نفاد مادة الأوكسجين.
بدلاً من المسارعة إلى تقديم أزمة تعز إلى صدارة أي مبادرة مطروحة على الطاولة، ورفع الحصار الذي يقف وراء تدهور القطاع الصحي والاقتصادي والإنساني الحاصل داخل المدينة، يناقشون وجهات الرحلات التي ستنطلق من مطار صنعاء، وما إذا كانت ستشمل المقاصد الحوثية في طهران ودمشق وبيروت، أم لا.
هناك مؤامرة جماعية على تعز، ويبدو أن الاتهامات الموجهة للحكومة الشرعية، بشأن الاحتفاظ بمسألة حصار المدينة كورقة للاستغلال السياسي، ليست مجافية للحقيقة. الحصار مادة خصبة للوزراء المغرّدين على “تويتر”، وإذا تم رفعه سيتراجع نشاطهم.
أما المليشيات الحوثية التي تصف الحظر المفروض على مطار صنعاء وميناء الحديدة بأنه خارج على كل القوانين والمألوف في تاريخ الحروب، ولا تجيزه حتى قوانين النازية، كما جاء على لسان القيادي الحوثي عبد الملك العجري، لا تجد حرجاً في قول ذلك وهي تفرض حصاراً لا أخلاقياً على سكان تعز منذ 6 سنوات، وتزرع ألغاماً في تخوم المدينة، بما يكفي لتفجير كوكب.
التحالف أيضاً يبحث عن مصالحه فقط، وذلك بتأمين الحدود والمنشآت الاقتصادية، فيما الأمم المتحدة تبحث عن تحقيق أي إنجاز ولو كان وهميا، وآخر همومها رفع الحصار عن تعز.
الصحوة الأخيرة للأحزاب السياسية التي طالبت المبعوث الأممي مارتن غريفيث بفتح المعابر وإنهاء الحصار وتشغيل ميناء المخا وإدراج ملف تعز ضمن المعالجات الإنسانية قبل البدء بأي مفاوضات مقبلة، خطوة إيجابية وإن كانت متأخرة.
صحيح أنّ كلمة الأحزاب اليمنية لم تعد مسموعة، لكن يكفي أن تصل هذه الرسالة التنبيهية إلى مسامع المبعوث الأممي، حتى يعلم جيداً أنه لا يقوم سوى بتسويق مطالب الأطراف القوية التي تمارس عليه الابتزاز، وأنّ تجاهله لمعاناة أبناء تعز، هو ما يشجّع المليشيات الحوثية على ارتكاب المزيد من الجرائم بحق المدنيين.
* العربي الجديد