كيف يمكن أن نقرأ عملية استهداف منشأة «نطنز» الإيرانية لتخصيب اليورانيوم من الإسرائيليين، خصوصاً أن التقارير تشير إلى أن انفجار «نطنز» سيعطّل عملية تخصيب اليورانيوم لتسعة أشهر على الأقل؟
هناك عدة قراءات سريعة؛ الأولى أن الضربة الكبيرة والدقيقة التي طالت المنشأة الإيرانية لتخصيب اليورانيوم (نطنز)، وللمرة الثانية، تعني أن إسرائيل تخترق إيران في أكثر مفاصلها حساسية، وسرّية، وهو المفصل النووي.
وقبل استهداف «نطنز» سبق أن قامت إسرائيل بعمليات دقيقة في إيران وصلت إلى الحصول على أطنان من الوثائق، واغتيال العالم النووي الإيراني، مما يقول لنا إن إسرائيل على علم دقيق بأشد الملفات الإيرانية حساسية، وسرّية. والاختراق الإسرائيلي الواضح لإيران يعني أنه سيكون هناك مزيد من العمليات، ناهيك بالاستهداف الإسرائيلي المستمر لإيران في سوريا.
والأمر الآخر هنا هو أن الاستهداف الإسرائيلي هذا حرم إيران من ورقة تفاوضية مهمة، وهي عامل الوقت الذي كانت تلعب به طهران في مفاوضات فيينا، خصوصاً حسن روحاني الطامع في إنجاز اتفاق مع أميركا والغرب قبل الانتخابات الإيرانية الرئاسية.
الأمر الثالث، والمهم، هو أن العملية الإسرائيلية هذه هي بمثابة التذكير بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو مصرّ على مواجهة أي تساهل أميركي في الملف النووي الإيراني، وأنه يعني ما يقول، خصوصاً أنه تعهّد بعدم تمكين إيران من امتلاك قوة نووية باتفاق دولي أو من دونه، كما أن استهداف «نطنز» يعني أن إسرائيل قررت فرض الأمر الواقع، في الملف النووي، وعلى الأرض، وليس بالتصريحات في واشنطن.
وهذا التحدي الإسرائيلي لا يخص الإدارة الأميركية وحدها، بل هو تحدٍّ لإيران، من المرشد إلى «الحرس الثوري»، مروراً بكل أتباع إيران من الميليشيات المسلحة، حيث إن استهداف «نطنز» هو بمثابة إراقة ماء الوجه لإيران أمام إسرائيل.
ومن ناحية أخرى فهو إحراج شديد للمرشد الإيراني و«الحرس الثوري»، حيث إن عدم الرد على إسرائيل يهزّ صورة النظام أكثر في الداخل، وكذلك لدى الأتباع في المنطقة، من العراق إلى لبنان.
كما أن الرد الإيراني هو بمثابة الوقوع في «الفخ» الإسرائيلي، وكما قال وزير خارجية إيران، لأن الرد الإيراني، إنْ حدث، يعني تغيير قواعد اللعبة ليس في المفاوضات الدولية في فيينا، وإنما في المنطقة ككل، وحتى بالنسبة إلى القوى الغربية.
وعليه فإن عملية استهداف «نطنز» هذه ليست بالعملية العادية، حيث إن لها أبعاداً سياسية ودبلوماسية وعسكرية وكذلك أمنية معقّدة على الداخل الإيراني وعلى المستويات كافة؛ من المرشد حتى الميليشيات مروراً بـ«الحرس الثوري».
وتزداد أهمية الضربة هذه، وما يترتب عليها، كلما تأكدت الأخبار بعدم اطّلاع الإدارة الأميركية عليها بشكل مسبق، خصوصاً أن وزير الدفاع الأميركي كان في إسرائيل صبيحة استهداف «نطنز»، مما يعني أن الإسرائيليين يتصرفون بمعزل عن واشنطن، وقادرون على فعل ذلك، وفي الوقت نفسه لن يكون بمقدور واشنطن التصرف بمعزل عن العامل الإسرائيلي في الملف الإيراني، وهذا ما سيجعل إيران في ورطة أكثر.
ولذا فإن ما بعد استهداف «نطنز» ليس كما قبلها، وهذا ملخص الحكاية.
*الشرق الأوسط