حكايتي مع هشام
محمد السامعي
يا الله .. شيئ غير معقول. قالها القلب قبل اللسان عندما سمعنا بخبر استشهاد الزميل العزيز هشام البكيري في الجبهة الغربية لتعز.
مثل الخبر صدمة لنا وللكثير من الأصدقاء والإخوة والزملاء الذين يعرفون هشام عن قرب، فرحيله يمثل خسارة كبيرة بالنسبة لنا، وغيابه يشكل فراغا واسعا في حياتنا، من الصعوبة حله.
كان لنا هشام رفيقا وأخا وصديقا وزميلا وفيا نقيا مكافحا مهذبا، ومن الطبيعي أن ننصدم بخبر استشهاده ورحيله المفاجئ عنا.
عشت مع هشام سنوات عديدة عن قرب، خصوصا في المرحلة الجامعية في كلية الإعلام بجامعة صنعاء.. كنا في أوقات عدة نجلس معا.. نتناقش بكل حرية وشغف حول هموم الوطن ومشاكله وآماله وأحلامه التي دعونا كثيرا وعملنا من أجل تحقيقها.
كان هشام أكثرنا همة وفهما للواقع العام وللشؤون اليمنية بشكل عام، فهو شاب عندما يتكلم تحس أنه يملك خزينة واسعة من الثقافة الفكرية والسياسية والاقتصادية وفي جوانب أخرى.
هو بالفعل سريع البديهة، حريص على خلق صداقة دائمة مع الجميع بغض النظر عن أي اختلاف في الرأي والهدف.
يميزه أسلوبه الهادئ والرصين عند الحديث، فيستطيع أن يقنعك دون أن يثير صخبا أو ضجيجا أو يرفع صوته.. كان همه كبير جدا، فكل آماله تتمثل في إخراج اليمن من المأساة التي تعانيها، والعيش في وطن خال من الاستبداد والعبودية والحق الإلهي في الحكم. كانت الحرية والثورة والجمهورية والوحدة من أسمى القيم التي يناضل من أجلها هشام.
عشنا معه لفترة طويلة، ولم نلق منه أي سوء، ولم يشعرنا بأي شعور سلبي مهما كان بسيطا، فالرقي والسمو والمودة صفات سامية تتجلى في هشام، وقد تغذى عليها وعاش معها حتى لقي ربه راقيا شهيدا نقيا.
آلمنا كثيرا رحيل هشام.. شعرنا بغصة كبيرة على فقدانه، وانسكبت دموعنا حزنا عليه، ودعونا له مرارا وما زلنا ندعو له بالمغفرة والرحمة الدائمة والفردوس الأعلى.
التقيت فيه آخر مرة في مجلس بمدينة تعز، وجلسنا لوقت قصير، كان يبدو أن منشغلا ، تحدثنا عن الواقع العام والواقع الخاص، وقد كان هو هشام الذي نعرفه ساميا بسيطا راقيا محبا للجميع، همه المساواة والكفاح من أجل وطن ودولة.
رحل عنا هشام فجأة رغم اتفاقنا حينها أننا سنزوره في قريته في الأشهر المقبلة، لكن قرار الله لا حكم بعده، فقدر الله وما شاء فعل.
بعض الناس بسلوكياتهم يصنعون قيما دائمة وبذور خير متواصلة، ويغرسون أشجار المحبة والألفة بشكل دائم، وهذا ما كان عليه هشام على الدوام.
بعد رحيله تواصل بي عدة زملاء وأصدقاء، لم يصدقوا خبر رحيل هشام.. لكن حديثهم كان فيه نوع من الحزن والوفاء والدعاء بالرحمة له.. فمثل هشام لا ينسى ولن ننساه.
كلنا راحلون.. رحمة الله تغشاك يا هشام، يا أبو محمد.