صحيفة: حرب اليمن توسع عمالة كبار السن: مشقة وأجور زهيدة
يمن مونيتور/متابعات
أفاد تقرير نشرته صحيفة “العربي الجديد”، اليوم السبت، إن الصراع الدائر في اليمن زاد من توسع فجوة سوق العمل، كما تسببت في تشوه تركيبة طالبي العمل، لينضم كبار السن الذين تصل أعمارهم إلى السبعين وكذلك الأطفال إلى طابور الباحثين عن الرزق.
وأورد التقرير قصة العامل اليمني مانع الحمري (68 عاماً) الذي يكابد من أجل توفير لقمة العيش لأسرته المكونة من تسعة أفراد، بالعمل في مهن شاقة رغم كبر سنه بأجر زهيد، في البلد الذي يعاني من تداعيات الحرب القاسية، منذ نحو سبع سنوات، بينما انتشرت عمالة كبار السن بشكل لافت في الآونة الأخيرة.
يقول الحمري إنه يعمل في مجال البناء في تقطيع الأحجار وهي مهنة متعبة تتطلب جهدا بدنيا شاقا وخبرة وتجربة وتركيزا، حيث يظل منحنيا طوال ساعات العمل التي تصل إلى 8 ساعات مقسمة على فترتين صباحية ومسائية.
يجني هذا العامل نحو 4 آلاف ريال يمني (4.5 دولارات) في عمل يومي لا يناسب سنه، لكن دافع مكافحة العوز والفقر والجوع يقوي عزيمته، مشيرا إلى أن أكبر أبنائه في السنة الثانية بالجامعة وليس جاهزاً بعد ليقوم بمهام والده المسن أو المساعدة في التخفيف عنه.
وزاد الصراع الدائر في اليمن من توسع فجوة سوق العمل، كما تسببت في تشوه تركيبة طالبي العمل، لينضم كبار السن الذين تصل أعمارهم إلى السبعين وكذلك الأطفال إلى طابور الباحثين عن الرزق.
الحاج غالب 72 عاماً، يعمل بمساعدة ابنه في بيع الوقود بالسوق السوداء في أحد شوارع صنعاء والبقاء لساعات طويلة بين عبوات البنزين متنوعة الأحجام. ومؤخراً لم يستطع غالب الوقوف على قدميه للعمل، إذ يبدو عليه الإنهاك الشديد وعدم التركيز والذي يرده خبراء ومختصون إلى روائح البنزين التي يستنشقها لفترات طويلة.
فيما يقف محمد الشرعبي ” 70″ عاماً لساعات طويلة مقسمة على ثلاث فترات في أحد المخابز التي يعمل بها، وفق حديثة لـ”العربي الجديد”، لافتا إلى أن الحرب تسببت في استمراره بالعمل لهذا السن نظراً لحاجة أسرته إلى أكثر من عائل بسبب كثرة احتياجاتها حيث لديه ثلاثة أبناء يدرسون في الجامعات وأربعة في التعليم الأساسي في ظل ارتفاع تكاليف الحياة المعيشية بينما توقفت مصادر الدخل التي كانت متاحة قبل الحرب.
وبينما اتسعت عمالة كبار السن في المدن، إلا أن الوضع في المناطق الريفية جاء أكثر قسوة حيث يزداد الفقر، وفق التقرير الاقتصادي للعام 2019-2020 الصادر حديثا عن وحدة الدراسات والتوقعات الاقتصادية التابعة لوزارة التخطيط.
ووفق التقرير الذي اطلعت عليه “العربي الجديد” فإن 84% من الفقراء في اليمن يعيشون في المناطق الريفية، ويلعب القطاع الزراعي دوراً أساسياً في الاقتصاد اليمني، حيث يرتبط فيه ما يقرب من 73% من السكان ويوظف ما يقارب 54% من القوة العاملة.
ويرى علي سيف كليب، عضو المرصد الاقتصادي اليمني، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن توجه فئة واسعة من كبار السن للعمل، يأتي بسبب توقف رواتب ومعاشات الكثيرين، فضلاً عن استهداف أطراف الصراع لأرزاق اليمنيين، حيث نالت الحرب من المصانع ومنشاّت الأعمال الخدمية وألحقت دماراً واسعاً في البنية التحتية، ما ادى إلى وقوع أزمة إنسانية كارثية.
وكانت منظمات أممية قد أطلقت مؤخرا تحذيرات من تردي الأوضاع المعيشية وانعدام الخدمات وتفاقم معدلات الجوع بصورة كارثية تطاول جميع المناطق اليمنية. وتتزايد الأزمات مع المستويات القياسية المسجلة من انعدام الأمن الغذائي الحاد.
وبات 80% من السكان، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على الدعم والمساعدات، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة. ونالت المناطق والمحافظات التي دارت فيها الحرب، والمناطق التي استقبلت ملايين النازحين، النصيب الأكبر من المعاناة الإنسانية.
وتقدّر الأمم المتحدة نسبة السكان الذين اضطروا إلى النزوح من منازلهم في اليمن بسبب الحرب بنحو 16% من إجمالي السكان، أي حوالى 5 ملايين شخص منذ عام 2015، فيما يعيش قرابة 74% من الأسر النازحة في بيوت مؤجرة خارج المواقع السكانية المضيفة.
ومع توقف رواتب الموظفين المدنيين والمتقاعدين وإصابة قطاع الأعمال بالشلل التام، فقد اضطر عدد متزايد من الأسر التي تعاني الفقر المدقع وانعدام الأمن الغذائي الحاد، إلى اتباع آليات التكيف السلبية مثل الحد من استهلاك الأغذية وبيع المنازل والأراضي والأصول الإنتاجية والماشية والأثاث، بينما اتجهت فئة كبيرة من السكان للعمل في مهن شاقة كالبناء والتشييد والمخابز ومصانع الإسمنت والحديد وأسواق الوقود وغيرها من الأعمال التي لا تستهوي فئة الشباب ويجد فيها كبار السن خياراً لمواصلة سبل العيش.
ويعيش الاقتصاد انهياراً غير مسبوق، حيث يعصف انهيار العملة الوطنية بالبلاد، وذلك بعد أن اقترب الدولار الأميركي من 900 ريال في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، مقابل نحو 603 ريالات في مناطق الحوثيين.
يقول عمر المساري، الباحث الاقتصادي، إن أرباب العمل أضحوا يقبلون بالعمالة التي ترضى بأجور زهيدة يحصل فيها العامل على أجر يومي يتراوح بين ألف ريال والفين ريال ولا يزيد على خمسة آلاف ريال، رغم أنها مهن شاقة تتطلب حمل مواد ثقيلة أو تتطلب ساعات طويلة تصل إلى 10 ساعات بين لهيب الشمس والرياح بشكل يومي، بينما كبار السن هم الأكثر قبولا بهذه المهن كونها الفرص المتاحة للعمل.