ارتبطت ذكرى المولد النبوي الشريف في أذهان اليمنيين كفعالية دينية بحتة، يجري إقامتها غالباً في المساجد ومن قبل شيوخ الصوفية والمتأثرين بها من المذاهب الأخرى في منازلهم وخصوصاً بعض المتصوفة المحسوبين على مذهب الشافعية، حيث كان أولئك الشيوخ يقيمون احتفالات عشية الذكرى يُطلق عليها “المولد”.
ارتبطت ذكرى المولد النبوي الشريف في أذهان اليمنيين كفعالية دينية بحتة، يجري إقامتها غالباً في المساجد ومن قبل شيوخ الصوفية والمتأثرين بها من المذاهب الأخرى في منازلهم وخصوصاً بعض المتصوفة المحسوبين على مذهب الشافعية، حيث كان أولئك الشيوخ يقيمون احتفالات عشية الذكرى يُطلق عليها “المولد”.
يحضر فعاليات الاحتفاء بـ ” المولد النبوي” الجمع الغفير من الناس من مختلف القرى حاملين معهم العديد من “المواشي” التي يتم وقفها منذ شهور للمناسبة المنتظرة، حيث يتخلل هذه المناسبة إقامة مأدبة العشاء وغيرها، وتلقى فيها القصائد ويتم ترجيع الأناشيد والمواويل الخاصة بالفعالية، والاحتفاء بها حتى مطلع الفجر في العديد من المحافظات اليمنية. الإ أن تلك الصورة المرسومة للمناسبة اختفت كثيراً وبدأت في التلاشي في الأعوام الأخيرة بصورة ملفتة.
وقبل بضع سنوات معدودة خرجت المناسبة الدينية التي كان يمارسها النزر اليسير من المتصوفة عن سياقها الطبيعي ومسارها المعهود لتأخذ بعداً سياسياً صرفاً، حين عمدت جماعة الحوثي تطلق على نفسها ( حركة أنصار الله) على رعاية احتفالات كبيرة تحشد لها عشرات الآلاف من مختلف المحافظات اليمنية إلى محافظة صعدة، وتحديداً بعد تجاوز الجماعة لـ” مرحلة الحروب الست ” مع نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، مستفيدة من الانتفاضة الشعبية التي شهدتها اليمن، واستقطاب أنصار وموالين جدد، خصوصاً من خارج إطار مذهبها وهم من اصطلح على تسميتهم بـ ( المتحوثين).
ولم يثبت تاريخيا أي ارتباط للجماعة بالمولد النبوي الشريف، وبالمذاهب الفقهية بما فيها الزيدية، وذلك لأنها ارتبطت بالمذهب السياسي لدى بعض الفاطميين في مصر، بهدف استعطاف جهلاء المصريين وإضفاء الشرعية لانتسابهم إلى ذرية النبي عليه الصلاة والسلام، بعد ما نبذهم المصريون بانقطاع نسبهم وجهالة حسبهم، وارتبطت بالمذهب الصوفي التقليدي، ضمن طقوسهم المعبرة عن العاطفة الروحية تجاه النبي عليه الصلاة والسلام، وكانوا يمارسونها في الزوايا، وظلت هذه العادة قائمة في اليمن ببعض المناطق عن طريق الدراويش الذين يحيونها ببعض المدائح النبوية” .
لتبدو مناسبة الاحتفال بـ” المولد النبوي “في اليمن بهذه الصورة من قبل الحوثي وأتباعه، من الطقوس ذات البعد السياسي والتخدير العاطفي لأتباعهم، ولم يعرف بتاريخهم الاحتفاء بالمولد النبوي الشريف، بل المشهور لدى الشيعة الزيدية وغيرهم تقديس رموزهم، وآل البيت، وإحياء المناسبات التي تربطهم كالغدير، وعاشوراء.
ومن التناقض الصارخ أن يحتفي الحوثيون بـ “المولد النبوي ” بعد أن طغى حضور شعار الصرخة على ما عداه، وهذا لا يمت بصلة للمناسبة من قريب ولابعيد ، بل برزت الثقافة الحوثية وأدبياتها على اللوحات والملصقات والمنشورات، وإشهار رموز جماعة الحوثي بعباراتهم ومأثوراتهم، في حين انعدمت الآثار والأحاديث النبوية، كما لم تخل عملية الإعداد للاحتفالية من استفزاز أتباع ومسلحي جماعة الحوثي للناس في منازلهم ومحلاتهم التجارية، وفي الشوارع والأسواق ومضايقة من يخالف هذه المظاهر الغريبة على المجتمع اليمني” .
والأظهر في احتفاء جماعة الحوثي بالمولد النبوي الشريف، أن يأتي ضمن سياسة التوظيف الديني بهدف جذب الناس من قبل الجماعة، فلم يحظ النبي محمد عليه الصلاة والسلام من التمجيد، بقدر ما تم تمجيد مسيرة الحركة الحوثية وتوسعها التخريبي، وهذا ما جسّده خطاب زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، الذي لا ينوبه أحد فيه، من تكريس للثقافة الطائفية والمذهبية والسلالية في اليمن”.
ويعتقد متابعون للشأن اليمني أن جماعة الحوثي تستغل المناسبات الدينية للتوغل أكثر في المناطق التي طالما كان محرماً عليها ممارسة طقوسها الدينية فيها وخصوصاً أمانة العاصمة صنعاء، بالإضافة إلى إرسال رسائل للأحزاب السياسية بامتلاكها قواعد جماهيرية موازية لها وأكثر.
وتهدف الجماعة من الاحتفاء بذكرى المولد النبوي إلى استعراض شعبيتها وقدرتها على الحشد المتنوع، وإظهار مساحة انفتاحها في مناسبات جامعة للمذاهب والمكونات الاجتماعية، ومن جهة أخرى تعادل بها كفعالية دينية جانباً من حضورها الطاغي كجماعة مسلحة خاضت حروباً في خمس محافظات شمالية مؤخراً في مواجهة خصومها ومناوئيها شعبياً ودينياً وعشائرياً.
كماتهدف الجماعة من إقامة الاحتفال بذكرى المولد النبوي الدعاية السياسية والتعبير عن الوجود والتأثير على الجماهير، وإعطاء انطباع التدين للقائمين على الاحتفال، والتأكد من سحب البساط من الدولة عقب السيطرة على الكثير من مؤسساتها، حيث تتولى المليشيات المسلحة حشد وتجييش الناس ووضع الافتات والشارات، ورفع الشعارات نيابة عن الدولة.
وتأمل الجماعة من إقامة الاحتفال إلى التعمية والتغطية على الجرائم التي ارتكبتها في حق الشعب اليمني وبعض الممارسات والمظالم والفساد والانحرافات التي تقزز منها الرأي العام والشارع العربي والإسلامي كتفجيرهم للمساجد ودور القرآن، واقتحام حرمة البيوت ونهب المقدرات والمكتسبات العامة والسيطرة على الوظائف العامة، وأعظم من ذلك كله قتل النفس التي حرم الله واستباحتها بذرائع واهية وغير معتبرة.