غير مصنففكر وثقافة

الثقافة اليمنية 2015 الكتاب في خدمة المدفع والتراث في مهب الحرب

يغادر العام 2015 مخلفا سحابة داكنة في سماء المشهد الثقافي اليمني الذي أنهكته الحرب والصراعات وقطعت أوصاله وحولته إلى وسيلة سهلة للاستقطابات السياسية، طغت لغة العنف على كل مسارات الحياة الثقافية ومن لم يصمت من أرباب الكلمة تحول إلى مجرد مدفع هاون بشري صدئ في أيدي المتقاتلين. “العرب” تقدم بسطة عن الوضع الثقافي وحال الحريات في اليمن سنة 2015، وتستطلع آراء بعض مثقفيه. يمن مونيتور/العرب اللندنية/ صالح البيضاني
يغادر العام 2015 مخلفا سحابة داكنة في سماء المشهد الثقافي اليمني الذي أنهكته الحرب والصراعات وقطعت أوصاله وحولته إلى وسيلة سهلة للاستقطابات السياسية، طغت لغة العنف على كل مسارات الحياة الثقافية ومن لم يصمت من أرباب الكلمة تحول إلى مجرد مدفع هاون بشري صدئ في أيدي المتقاتلين. “العرب” تقدم بسطة عن الوضع الثقافي وحال الحريات في اليمن سنة 2015، وتستطلع آراء بعض مثقفيه.
صنعاء القديمة يخنقها الركام
كان العام 2015 الأسوأ في تاريخ الثقافة اليمنية هكذا يقول المشتغلون في العمل الثقافي بكل ثقة.. فبينما صمتت أصوات المطابع وأغلقت المنابر الثقافية وتمّ تشييع آخر الصفحات الثقافية والأدبية المتخصصة في الصحافة اليمنية وانبرى فصيل من المحسوبين على المشهد الثقافي والأدبي ليتصدروا منابر التحريض ضد المختلف.
ليس هناك جردة ولو حتى ضئيلة يمكن التحدث عنها كحصيلة أولية لعام ثقافي مهترئ فقد بدا العام أشد قسوة مما كان ينتظر منه على الصعيد الثقافي.. لا فعاليات ولا مهرجانات ولا معارض للكتب كما توقف النزر اليسير من الإصدارات الأدبية الخاصة التي كانت تنير ظلمة الرواق الثقافي اليمني الذي أخذ يغرق في العتمة شيئا فشيئا كنتيجة للحرب والصراعات السياسية التي أطلّت برأسها في السنوات الأخيرة وكانت الثقافة والأدب أيسر ما أخذته في طريقها نحو المجهول.
 
الشيء الوحيد الذي أخذ ينمو في مسلسل الانهيار الذي لحق كل مقومات الثقافة اليمنية هو تصاعد حالة توظيف ما تبقّى من أقلام قادرة على الصرير لأجل خدمة الحرب ليكرس المثقف اليمني نفسه كحلقة أشد ضعفا في صراع السياسة والحرب.
في خدمة المدفعية
على صعيد الورق شهدت اليمن أسوأ أعوامها في إصدار الكتب عدا تلك الموجهة والتي تستخدم بمثابة طلقة أو قذيفة مدفعية فلم يصدر ما يستحق الذكر من أعمال أدبية أو ثقافية باستثناء تلك المتعلقة بالتحريض السياسي وتحفيز الهمم على القتال، وعلى صعيد الثقافة الورقية توقفت بشكل كلي الملاحق الثقافية في الصحف التي لازالت تصدر عوضا عن توقف الصحف الأهلية بشكل كامل والتي كانت تعد المتنفس الأخير للكتاب والمثقفين الذي لا يجيدون الوقوف في صفوف الجوقة.
المؤسسات الإبداعية لم تكن أفضل حالا فقد توقفت إما طوعا أو كرها بفعل الحرب التي انتشرت وأخذت في طريقها معاقل الفكر التي لم يعد لها مكان يذكر في ذاكرة العنف المتصاعدة.
وعوضا عن الدمار المعنوي الذي لحق بالكثير من المؤسسات الثقافية والفكرية طالت نيران الحرب الكثير من قلاع الثقافة التي تعرّضت للتدمير أو نهبت أو تم السطو عليها كما هو الحال مع مقرات اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين في بعض مدن الجنوب ومؤسسة السعيد الثقافية في تعز.
عام الحريات الأسود
لم تطل الحرب معاقل الثقافة اليمنية المتمثلة في المؤسسات والجمعيات المشتغلة بالأدب والفكر بل تجاوزت آثارها إلى الإضرار بالعديد من القلاع والحصون والمباني الأثرية التي تعرضت لدمار جزئي أو شامل حيث تم محو قلعة القاهرة التاريخية في تعز بشكل كامل وتعرضت بعض مباني صنعاء القديمة المدرجة على قائمة التراث العالمي للدمار كما أتى الصراع على العديد من المباني ذات الطابع الديني التي تحوّلت إلى جزء من صراع محو آثار الآخر.
لم تكن الحريات في منأى عن الضرر الذي لحق بكل مقومات الثقافة اليمنية في العام 2015 فلقد شهدت اليمن على مدار عام من سيطرة الميليشيا على معظم مناطق البلاد جنوحاً جنونياً لتكميم الأفواه وترهيب ذوي الرأي وتعسفاً متعدد الوجوه طال منظمات ومراصد حقوق الإنسان في اليمن.
وشهدت أيضاً مخالفات واسعة للقوانين والأنظمة التي كان اليمن قد راكمها باتجاه توسيع مجالات الحقوق والحريات، من ذلك إغلاق عشرات المنظمات غير الحكومية ومصادرة أصولها وأدواتها.
كما تم إيقاف مرتبات عشرات الكتاب والمبدعين.. وتم السطو على مستحقات الدعم المخصصة لعشرات المبدعين والكتاب في صندوق التراث والتنمية الثقافية بسبب رفضهم للانقلاب على الدولة والشرعية.. وقد ترافق كل ذلك مع انهيار مقومات المشهد الثقافي وتعطّل النشر ودمار وركود المنابر الأدبية الأمر الذي شكل إجهازاً تاماً على بنية الحياة الأدبية. لقد فاق ما حصل في اليمن في 2015 كل ما شهده اليمن من تجاوزات في حق الإنسان وحريته خلال العقد الماضي بما فيه 2011. وقد شمل ذلك: حبس كتاب ومثقفين وصحفيين بسبب ما كتبوه.
وعود بالموت
وشمل حجب وإلغاء 90 بالمئة تقريباً من سائل الإعلام، وحظر عدد من الكتب والمؤلفات، وممارسة الرقابة على وسائل التعبير والمطبوعات، واعتداء عناصر الميليشيا بالضرب والخطف والاحتجاز والإخفاء القسري على العديد من الصحفيين الذين يؤدون واجبهم في تغطية الحدث.
وتم وضع قائمة سوداء بأسماء مجموعة من الأدباء تتوعدهم بالموت إضافة إلى منع بعض الأدباء والكتاب من السفر، والمراقبة بمستويات مختلفة على استخدام شبكة الإنترنت، وإطلاق يد الاتجاهات الطائفية وتمكينها من الحجر على الحريات في مجال الإبداع والتفكير والنقد.
هذا الأمر هو الذي جعل اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين يعلن في تقريره الخاص بالحقوق والحريات لعام 2015 أن الحريات والحقوق المتعلقة بممارسة الفكر والمتعلقة بالأنشطة الحقوقية هي في أسوأ حالاتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى